قراءة في كتاب

صلاح الدين ياسين: قراءة في كتاب "الطاغية"

كتاب من تأليف المفكر المصري إمام عبد الفتاح إمام (1934-2019)، صدر سنة 1991 عن عالم المعرفة، تناولت فصوله ظاهرة الاستبداد السياسي من حيث هو أحد الأسباب الرئيسية للتخلف الفكري والعلمي والاقتصادي، لأنه يقضي على فردية الإنسان ووعيه الخاص، ويحوله إلى مجرد تابع وذليل لا طاقة له على الخلق والإبداع.

أولا: الحكم الثيوقراطي

لتبرير انفراد الحاكم بالسلطة دونا عن سائر أعضاء الجماعة، عَمَدَ إلى تصوير نفسه على أنه من طبيعة إلهية ولاسيما لدى الحضارات الشرقية القديمة (فارس، مصر، الهند، الصين)، ثم لاحقا تطور الأمر مع المسيحية، فلم يعد الحاكم يعتبر نفسه إلها، وبدلا من ذلك ما انفك يلح على أنه اختير من طرف الله ليحكم الناس، وأنه ينفذ مشيئة السماء. وقد استمر مفعول هذه النظرية في أوروبا إلى حدود القرن 17. وهكذا، فإن "فكرة تأليه deification الملك أو الإمبراطور صناعة شرقية محلية، ولهذا شهد الشرق أسوأ أنواع الطغيان".

ثانيا: أنواع الطغيان

يميز الباحث بين الطغيان وبعض الألفاظ الشبيهة والمقترنة به مثل الاستبداد والحكم الشمولي:

أ. الطغيان:

- السمات العامة للطاغية:

1. يستولي على الحكم بوسيلة غير مشروعة (انقلاب، اغتيال... الخ)، ومن ثم فحكمه لا يوافق إرادة عامة الناس ولا يحوز على رضاهم، ولهذا فهو ينزع إلى مصادرة حقهم في التعبير الحر عن آرائهم ويفرض إرادته على الجميع. 

2. لا يعترف بأي قانون أو دستور يقيد سلطاته ويحد من إرادته المطلقة.

3. يستخدم موارد البلاد لإشباع رغباته الحسية أو لتحقيق طموحات توسعية غير مشروعة كالحروب والمغامرات العسكرية الخرقاء.

ب. الاستبداد despotism

يرى أرسطو أن الاستبداد هو خاصية آسيوية بامتياز تميز النظم والإمبراطوريات الشرقية (فارس، الصين، اليابان، مصر، بابل... الخ) حيث يكون الاستبداد مقبولا ومبرَّرا لدى الرعية، وتخضع الأخيرة للحاكم المستبد بملء إرادتها، على عكس الأمم الغربية التي تنبذ الطغيان وتقاومه.

ج. الشمولية totalitarianism

تتميز الشمولية عن الطغيان الكلاسيكي في ادعائها بأنها تستند إلى قبول الشعب لها وتمثيلها لتطلعاته، وقد شاع استخدام هذا المصطلح في ثلاثينيات القرن الماضي لوصف الأنظمة الفاشية والستالينية: "الترجمة الحقيقية للديمقراطية في المذهب الشمولي هي أن إرادة القائد أو الزعيم هي إرادة الشعب. ولما كان الشعب دائما على حق، فإن الزعيم المعبر عن إرادة الشعب هو أيضا دائما على حق".  كما تسيطر الأنظمة الشمولية على كافة مناحي الحياة وتسعى إلى إذابة المجتمع بأكمله في أيديولوجية الدولة، مستفيدة من تطور وسائل الإعلام والاتصال التي تجنح إلى خلق التماهي بين شخصية الزعيم والجماهير.

ثالثا: الفلسفة اليونانية والطغيان

أ- أفلاطون:

خبر أفلاطون بنفسه الطغيان بشقيه: طغيان الحاكم المتجبر، وطغيان العامة أو الطغيان الديمقراطي، فانتهى إلى أنه شر مطلق يمحق كل الفضائل الأخلاقية ويدمر القيم الإنسانية. إن الطغيان في اعتقاده يتولد من الفوضى التي تعتري النظام الديمقراطي، فيقدم الطاغية نفسه على أنه الشخص المنقذ والمخلص الذي سينتشل الشعب من براثن الفوضى التي تحدث بسبب الإسراف في الحرية. ثم ما يلبث أن يتحول إلى طاغية ذئب لا يتورع في اضطهاد أفراد شعبه والتخلص من خصومه. كما يأخذ أفلاطون على الطاغية إسرافه في إشباع الرغبات والشهوات حتى غير الضرورية منها، معتبرا أن نفس الطاغية تشكو من مركب نقص ودونية فتسعى إلى التنفيس عنه من خلال ممارسة الطغيان والظلم على الآخرين.

ب- أرسطو:

تناول الفيلسوف أرسطو بدوره الطغيان في كتاباته، وفي جملة ما تطرق إليه بخصوص هذا الموضوع نذكر الطرق التي يحافظ بواسطتها الطاغية على حكمه، ومن ضمنها:

- تعويد الناس على أخلاق الذل والمهانة والقضاء على ذوي العقول النيرة ومنع كل ما من شأنه تقوية الحس النقدي لدى المواطنين كالاجتماعات التثقيفية والتعليم المستنير.

- بث الفرقة والشقاق بين المواطنين بشكل يؤدي إلى انعدام الثقة فيما بينهم، وإفقارهم بحيث ينشغلون بتوفير قوت يومهم بدل السعي للتخلص من حكم الطاغية.

- إن إشعال الحروب والقلاقل يجعل الرعية في حاجة إلى قائد قوي يضمن لهم الأمان.

رابعا: لماذا تنصاع الشعوب لحكم الطغيان؟

بسط عالم النفس الشهير إريك فروم نظرية مهمة بصدد الإجابة على هذا السؤال، إذ نحت مصطلح "الهروب من الحرية"، حيث يعجز عدد كبير من الأفراد عن تحمل تبعات الحرية وما قد يترتب عليها من مسؤولية وشعور بالوحدة والعزلة والاغتراب عن المحيط الاجتماعي، فيلجأ الفرد في هذه الحالة إلى الذوبان في الكل الاجتماعي أو الخضوع للسلطة المطلقة للحاكم لكي يشعر بالأمان ويسد الفراغ الوجودي الذي قد يشعر به نتيجة إحساسه بالدونية وفقدان المعنى.

خامسا: كيف السبيل إلى التخلص من الطغيان؟

بالرغم من ذيوع الحكم الاستبدادي في أوروبا أثناء العصر الوسيط، إلا أنه خرجت من رحمه إرهاصات مهدت لظهور وتطور الحكم الديمقراطي فيما بعد، مثل نجاح النبلاء والإقطاعيين في الحد جزئيا من السلطة المطلقة للملك كما حدث في بريطانيا حيث تأسس مجلس تشريعي مهمته إصدار القوانين. وصولا إلى بروز طيف من المفكرين السياسيين في عصر الأنوار نادوا بالقضاء على الحكم المطلق مثل جون لوك وروسو ومونتسكيو، دون إغفال تحذير دوتوكفيل وجون ستيوارت مل من طغيان آخر لا يقل خطورة وهو طغيان الأغلبية والرأي العام الذي يحد من حرية الفرد وطاقاته الإبداعية. وفي الختام، يشدد الكاتب على أن الحكم الديمقراطي القائم على الحرية والمساواة وسيادة القانون هو السبيل الأنجع للتخلص من الطغيان.

***

بقلم: صلاح الدين ياسين

في المثقف اليوم