قراءة في كتاب

عبد السلام فاروق: ساعات مع رائد الفكر الاقتصادي

  إنه الدكتور: إسماعيل صبري عبد الله أستاذ الاقتصاد وواحد من أهم رموز الفكر الاقتصادي المصري. عاش عمراً مديداً؛ فقد ولد عام 1925، وتوفي عام 2006 عن عمر ناهز 83 عاماً..

 قرر اثنان من أساتذة التاريخ الحديث والمعاصر جمع بحوث ودراسات ومقالات (إسماعيل صبري) لإصدارها في كتاب بعنوان: (إسماعيل صبري عبد الله- في الاقتصاد والتنمية) من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب لهذا العام 2024.

 الكتاب من إعداد الدكتور علي متولي أحمد مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة السويس، ومن تقديم الدكتور أحمد الشربيني عميد كلية الآداب الأسبق بجامعة القاهرة.

 والكتاب مقسم لقسمين رئيسيين، أولهما بعنوان (الاقتصاد) ويشمل مقالات وبحوث إسماعيل صبري حول الاقتصاد، ومنها رؤيته حول القطاع العام بين الرأسمالية والاشتراكية والتجربة المصرية. وخلاصة حديثه عن الاقتصاد في ظروف الحرب. ويضم هذا الجزء مراحل تحولاته الفكرية من الشيوعية، ذلك الانتماء الذي عرضه للسجن في عهد عبد الناصر مرتين، قضي في إحداهما خمس سنوات بين القضبان حتى عام 1964 تعرض خلالها للتعذيب. لكنه رغم ذك ظل على نظرته الموضوعية للتجربة الناصرية.

 في عهد السادات عاصر الدكتور إسماعيل تجربة الانفتاح وعمل وزيراً للتخطيط خلال فترة الحرب، فكتب عن تجربته مجموعة مقالات نجدها في الكتاب الذي بين أيدينا تحت عنوان: (أبعاد الانفتاح الاقتصادي ماهيته وأهدافه). وفى مقالات تالية كتب عن: (النظام الاقتصادي الدولي الجديد) ثم عن (مشروع مصر 2020).

 لقد شهد الدكتور إسماعيل عدداً من العصور المتتالية بدءاً من الملكية ومروراً بعهد عبد الناصر والنكسة ثم حرب 73 والانفتاح الاقتصادي انتهاءً بعهد الرئيس مبارك. وقام خلال تلك المسيرة الطويلة المثمرة بالتدريس في جامعتي الإسكندرية والقاهرة، وعندما وصل للسبعين من عمره واصل عطاءه فأشرف على مشروع بحثي ضخم مستشرفاً أحوال مصر عام 2020 من خلال ما أسماه (منتدى العالم الثالث) حاشداً للمشروع خبرات أكثر من 300 باحث مصري وعربي، بالإضافة لما يزيد عن 700 باحث وناشط شاركوا في ندوات المنتدى.

 الكتاب تناول خلاصة أبحاث إسماعيل صبري في هذا المضمار في أواخر القسم الأول وفي القسم الثاني تحت عنوان: (التنمية). خاتماً الكتاب بالحديث عن مفهوم التنمية المستقلة..

 الكتاب يبدأ بمقدمة يلخص فيها الدكتور أحمد الشربيني تجربة إسماعيل صبري موضحاً أهمية هذه التجربة في الفكر الاقتصادي المصري، لاسيما وقد شملت تجربته عدة عهود متعاقبة..

 وبنفس عنوان الكتاب يسرد الدكتور على متولي أحمد ملخصاً للسيرة الذاتية للمفكر الاقتصادي البارز إسماعيل صبري منذ مولده عام 1925 بمركز ملوي بمحافظة المنيا لأسرة من أعيان الصعيد، ونشأته في ظل الاستعمار البريطاني ثم انتقاله للقاهرة وحصوله على ليسانس الحقوق عام 1946 وكان أول دفعته؛ فحصل على منحة للسفر إلى فرنسا؛ فحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة السوربون عام 1951 برسالة موضوعها: (نظرية قيمة النقود).

 يستمر السرد حاكياً بداية علاقة الصداقة الوطيدة التي ربطت بين إسماعيل صبري وبين فؤاد مرسي في باريس حيث فكرا سوياً في تأسيس حزب شيوعي لدي عودتهما لمصر. وانخرط كلاهما في الأعمال السرية للحركة الماركسية مع عملهما بالتدريس في الجامعات. ورغم العلاقة التي ربطت بين تنظيم الضباط الأحرار وبين التنظيم الماركسي، أو ما يُدعَي: (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني) "حدتو"، فإن هذا لم يمنع من اعتقال إسماعيل صبري لأسباب تحدث عنها السارد.

 وعقب خروجه من المعتقل تولي إسماعيل صبري مناصب قيادية عدة، حيث تولي رئاسة شركة تابعة للقطاع العام، ولم يكن في صدره شيء ضد الناصرية أو ضد الثورة. وقد تولي رئاسة تحرير دار المعارف خلال الفترة بين (1965: 1969). ثم في عهد السادات تم تعيين إسماعيل صبري رئيساً للبنك الصناعي وعضواً في مجلس إدارة البنك المركزي، ثم وزيراً للتخطيط خلال الفترة بين 1972 وحتى 1977، أي في فترة النصر وحرب استعادة الكرامة. واعتبر إسماعيل صبري أن وزارة عزيز صدقي كانت فترة ذهبية اقتصادياً.

 في أعقاب خروج إسماعيل صبري من الوزارة عام 1977 بات من أبرز المعارضين لسياسات السادات الاقتصادية وأسس مع خالد محيي الدين حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي عام 1976بمشاركة مجموعة من رموز الفكر الاشتراكي.

 عارض إسماعيل صبري اتفاقية كامب ديفيد، فأعيد اعتقاله، وشغلته قضايا الإنسان العربي وحقوق الإنسان. ولدى خروجه عمل نائباً لرئيس الجمعية الدولية للتنمية في روما والتي ضمت اتجاهات فكرية مختلفة في الاقتصاد الدولي، وانتخب عام 1981 عضواً في لجنة التنمية، أعلي هيئة استشارية في الأمم المتحدة. ثم اختير رئيساً لمنتدى العالم الثالث التي ضمت خمسمائة من مفكري العالم الثالث لصياغة رؤية مشروع مصر 2020.

 يمكن اتخاذ هذا الكتاب كنموذج يُحتذي؛ إذ يقدم رؤية متكاملة تصلح لوضعها في الاعتبار عند وضع الخطط الاقتصادية والتنموية الهادفة لمستقبل أفضل.

 الكتاب الصادر عن هيئة الكتاب يضم بين دفتيه جولة في عقل مفكر اقتصادي بارز عاش فترة طويلة شملت موجات من أحداث كبري، فكأنه يمنحك وجبة مركزة عن المطبخ الاقتصادي المصري في نحو نصف قرن.

***

عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم