قضايا

حاتم حميد محسن: مساهمات الفائزين الثلاثة بجائزة نوبل في الاقتصاد

مُنحت يوم الاثنين الماضي 13 اكتوبر 2025 جائزة نوبل في الاقتصاد لكل من جويل موكير Joel Mokyr (جامعة نورث وسترن)، وفيليب أجيون Philippe Aghion (مدرسة لندن للاقتصاد)، وبيتر هويت Peter Howitt (جامعة براون) لتوضيحهم للنمو الاقتصادي المبني على الابتكار. يأتي هذا بعد الاتجاه الاخير الذي اعتمدته لجنة نوبل في التركيز على الاقتصاد القائم على النمو، بعد فوز كل من أسيموجلو وجونسن وروبنسون عام 2024، وفوز كريمر ودوفلو وبانيرجي عام 2019. الزمان والمكان لا يسمحان بعرض نقاش مفصل للافكار خلف كل جائزة من هذه الجوائز، لكنها جميعا ذات أهمية بالغة لفهمنا للاقتصاد.

 أحد أكبر الألغاز في التاريخ الانساني هو ما سمي " عصا هوكي في الرخاء" hockey-stick of prosperity(1). هذا يشير الى حقيقة ان الشطر الاكبر من التاريخ الانساني شهد ثباتا في مستويات المعيشة. لا فرق كبير بين المواطن الروماني عام 1م والمواطن البريطاني عام 1700م. لكن بدءً من عام 1700، بدأت مستويات المعيشة ترتفع.

من عام 1م الى عام 1700 لم تحدث الاّ القليل من التغييرات، حيث هيمن النقل الشراعي ووسائل النقل الحيوانية، ولم يتقدم علم الطب، ولم تكن المكائن معروفة. ومن عام 1700 الى عام 1800 بدأت التغييرات تظهر بشكل ملموس، حيث تم إدخال المحركات الميكانيكية وبدأت الثورة الصناعية. بين عام 1800 الى عام 1900، انتقل العالم من الحصان والعربة الى المحرك البخاري. بين عام 1900 و1960، ذهبت الانسانية من المركبات الى الطائرات ثم الى الهبوط على سطح القمر. الامراض قُضي عليها والحياة تحسنت كثيرا. نسبة الفقر الواقعي هبطت من 90% من السكان في العالم الى أقل من 10%، وهو مالم يحدث من قبل، واستمر الحال بنفس المنوال حتى ان اكثر الاقتصاديين تفاؤلا في ذلك الوقت واجهوا صعوبة في تفسير ذلك.

جويل موكير، وفيليب اجيون، وبيتر هويت ساعد عملهم مجتمعاً بتوضيح لماذا حدث هذا النمو، ولماذا حدث في أماكن محددة وكيف يكون مستديما.

يجادل موكير ان الثورة الصناعية والمنافع التي نتجت عنها لم تكن صدفة تاريخية، وانما هي نتيجة للمؤسسات. يبرز النمو الاقتصادي من نوعين من المعرفة: معرفة افتراضية propositional knowledge (2) (كيف ولماذا تعمل الاشياء) ومعرفة توجيهية prescriptive knowledge (معرفة تطبيقية لأشياء ضرورية لجعل الأشياء تعمل، مثل المؤسسات والتعليمات). هذان الشكلان للمعرفة يعملان مجتمعان، يبنيان على بعضهما البعض، لخلق النمو الاقتصادي. فمثلا، علم الاقتصاد (معرفة افتراضية) يخبرنا من أين تأتي الاسعار، كيف ينسق الناس تصرفاتهم، وغير ذلك. هذا الفهم، بدوره يساعدنا للنظر في أي نوع نحتاجه من المؤسسات (معرفة تطبيقية) لتعزيز تلك الميول.

 ان حالة اوربا المجزأة قادت الى ظهور الثورة الصناعية. مع وجود مختلف الدول المتنافسة مع بعضها لأجل الهيمنة السياسية، وعدم وجود دولة بالذات كبيرة، يستطيع الناس الانتقال (او الهروب) عندما تتعرض افكارهم للقمع. في الدول الموحدة الكبيرة مثل الصين والهند (واللذان كانا تقريبا بنفس المستوى التكنلوجي لاوربا في ما قبل الصناعة)، جرى قمع الافكار والناس لم يتمكنوا من المغادرة. اوربا المجزأة خلقت المزيد من التكنلوجيا القوية بسبب عدم قمعها للافكار الجديدة. هذه النزعة تُلاحظ احيانا في دول مثل الامبراطورية البريطانية. سكوتلاند كانت مكانا راكدا لم يشهد تقدما، جرى تجاهلها من النخبة الحاكمة في لندن بعد توحيد العاصمة، ومع ذلك، هذا هو المكان الذي بدأت فيه الثورة الصناعية.

أطلق موكيرعلى هذه الظاهرة ثقافة النمو (وهو نفس الاسم لكتابه الشهير عام 2016). الابتكار التكنلوجي ليس عشوائيا، وانما يتطلب ثقافة تعزز الابتكار وسوقا للافكار.

ساهم كل من اجيون وهويت بطريقة مختلفة. ورقتهما الفريدة "نموذج للنمو من خلال التحطيم البناء"(Econometrica,60(2)) تبني نموذجا رياضيا لنموذج جوزيف شومبيتر اللفظي للتحطيم البنّاء. الشركات تواجه كل من مكاسب ومصاعب للابتكار (جزرة وعصا). الجزرة هي المكاسب او العوائد التي تحصل عليها من الابتكارات. من خلال العملية الابتكارية للشركات هي تجعل التقنيات القديمة مهملة وغير صالحة، وهي بهذا تقضي على التكنلوجيا القديمة وتحصل في نفس الوقت على حصة السوق (او العائد). المصاعب تأتي من التهديد المستمر من جانب الشركات الاخرى للعمل بنفس الطريقة: كل واحدة يجب ان تبتكر لكي لا تخسر العائد . لكن أجوين وهويت ايضا يكشفان عن بعض القيود. عندما يصبح العائد كبيرا جدا، تستطيع الشركات القائمة خلق حواجز تمنع الدخول. هذا يقلل من اخطار المنافسة. كذلك، حالما يتم تأمين الارباح او العوائد، سيكون هناك القليل من حافز الابتكار لدى الشركات . الاختلاف في الشركة والسوق والهيكل القانوني يوضح لماذا بعض الصناعات عالية الابتكار بينما اخرى جامدة.

كل الفائزين الثلاثة يوضحون النمو الاقتصادي من خلال التكنلوجيا والثقافة. هذه القراءة لا تدّعي عرض كل أعمالهم، لذا يُنصح بالعودة الى ملخص لجنة نوبل لمساهمات الفائزين.

***

حاتم حميد محسن

..........................

Econlogpost Oct 13, 2025, the Library of economics and Liberty

الهوامش

(1) يشير مصطلح (عصا هوكي في الرخاء) الى الزيادة الدراماتيكية في رفاهية الانسان التي بدأت في القرن الثامن عشر. هذه الفترة سميت تقليداً للعبة عصا الهوكي عندما تُرسم بيانيا، المؤشرات الاساسية لإزدهار الانسان مثل متوسط العمر المتوقع والدخل، بقيت على خط مستوي نسبيا لقرون قبل ان تزداد بحدة لتشبه بذلك عصا لعبة الهوكي في الإستواء والإنحناء.

(2) وهي معرفة يُعبّر عنها بشكل بيانات او تصريحات او افتراضات وتكون اما صحيحة او زائفة، مثل عبارة الارض تدور حول الشمس.

 

في المثقف اليوم