قضايا
سمية الجنابي: وحدة النظام الكوني وتعدد التشريع

دلالة القمر في القرآن والدعاء
تُبرز النصوص القرآنية والدعائية في مدرسة أهل البيت عليهم السلام مفهوم الوحدة الكونية كإحدى تجليات التوحيد في النظام الوجودي، ومن أبرز مظاهرها وحدة القمر في علاقته بالإنسان والزمن. فقد جاء في دعاء السمات: "سبحان الذي جعل في السماء بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، سبحان الذي جعله للناس مرأً واحدًا"(1)، وهي إشارة دقيقة إلى أن القمر آية واحدة يشترك في رؤيتها جميع البشر، لا يختص بها مكان دون آخر. وهذا المفهوم يلتقي مع قوله تعالى:}وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا{ (نوح: 16)،
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) (البقرة: 189).
تُظهر هذه النصوص أن القمر مظهر من مظاهر الوحدة الإلهية في الكون؛ إذ جعله الله تعالى آية جامعة للبشر كلّهم، "مرأً واحدًا" من حيث الخلق والتكوين، بحيث يتساوى الناس في النظر إليه، وإن اختلفت أزمان طلوعه وغروبه باختلاف مواقعهم. فالاختلاف هنا ليس في ذات الآية، بل في موقع الإنسان من الآية، أي في زاوية إدراكه للحقيقة الواحدة.
ومن هذا المنطلق، يظهر أن القول الفقهي بتعدّد الأفق في رؤية الهلال يمثل تعبيرًا تشريعيًا عن نسبية الإدراك البشري للظواهر الكونية، لا عن تعدّد في أصل الظاهرة نفسها. فالوحدة الكونية لا تُنكر، ولكن الشريعة تُناط بالرؤية الحسية التي تُدرَك من موضع الإنسان المحدود.
يقول الإمام الخميني: "إذا رؤي الهلال في بلدٍ، ولم يُرَ في بلدٍ آخر، فإن كان البلدان متقاربين في الأفق كفى في ثبوته، وإلا فلا"(2)، وهذا يعبّر عن ربط التكليف بمقدار ما يُشاهده الإنسان لا بما هو في علم الله الكوني.
وبذلك يمكن القول إن بين النص الدعائي "جعله للناس مرأً واحدًا" والنص الفقهي القائل بتعدّد الأفق توازنًا لا تعارضًا؛ فالأول يعبّر عن وحدة الخلق الإلهي، والثاني يعبّر عن نسبية الفهم البشري، وهو ما يعبّر عن أحد أوجه جدلية الوحدة والتعدّد التي تشكل محورًا في جدلية الدين والسلطة: حيث يعبّر الدين عن الوحدة الأصلية، فيما تعبّر السلطة (أو الفتوى) عن التطبيق المحلي المتعدد(3).
وبهذا يتجلّى القمر في انتظامه ووحدته شاهدًا على أن التنوّع في الرؤية لا ينقض وحدة الخلق، بل يعبّر عن محدودية الإدراك الإنساني أمام الكمال الإلهي. ومن ثمّ فإن اختلاف الأفق ليس اختلافًا في الحقيقة، بل تباينٌ في زاوية النظر إلى النور الواحد.
***
م. م: سُميِّة إبراهيم الجنابيَّ.
دكتوراه علوم إسلامية/ جامعة بابل
........................
([1]) دعاء السمات، من أدعية أهل البيت عليهم السلام، مروية في كتب الأدعية كـمفاتيح الجنان. للشيخ عباس القمي، (نقلاً عن أهل البيت عليهم السلام)، منشورات دار التعارف للمطبوعات، قم، الطبعة المعتمدة، 1423هـ، 557.
(2) روح الله الموسوي الخميني، تحرير الوسيلة، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، قم، الطبعة الثانية، 1415هـ، 1/271–272.
(3) ينظر: محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الرابعة، 1407هـ، 4/ 78. ومحمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الخامسة، 1417هـ، 2/ 47.