قضايا
مصطفى غلمان: أي موقع لإعلامنا في بنى ثورة الرقمنة؟

هل يحتاج إعلامنا اليوم حقا إلى عملية تفكيكية، محايثة لمقدرات كفاءاتنا الوطنية وزخمها المعرفي والثقافي، بموازاة انتظاراتنا إزاء الطفرات المتسارعة التي تشهدها العمليات المعلوماتية وحرب المعلومات، وسياقاتهما المتواترة وتأثيراتهما الشديدة في بناء القرارات والمصائر والاعتبارات الأخرى؟
هل نكون بحاجة إلى إعادة تقييم لمنظوراتنا الجديدة، وخلفياتنا الكلاسية المؤطرة بميازيب التنويع والتوسع التخصصي والتقائية الأدوار في مختلف مجالات وحقول لها ارتباط متمدد في وسائط التواصل الاجتماعي ومنصات الدردشة والمواقع ذات الصلة؟
وكيف سنتمكن من تحديد أساليب هذه المحطة، التي سنحتاج فيها إلى آليات خطابية ودلالية جديدة، تنبعث من صلب أسئلة واقع الإعلام وتأثيراته العميقة في الأوساط الاجتماعية الأكثر تعقيدا وتحولا، والأخطر في توجيه سلوكياتنا واستجاباتنا الاعتيادية التي نبديها تجاه مع يعتلق من مواقف وتقاطعات..؟
إن عملية تفكيك وضعية إعلامنا، تحتاج بالأساس إلى تأسيس فهومات، هي بالأساس استدراج لفرز استراتيجية طرح أسئلة نقدية تهدف إلى كشف الفرضيات، وتحويلها إلى مركز استيعاب وتمكين، بعيدا عن مشاكل "النقد المزدوج"، الذي هو في أغلبه يبتدع رؤيته بأوثاق متعددة وبعيدة عن المركز بكل أنواعه من أجل مواجهة كل أشكال الاحتواء.
لا غرو أن المنظورات الجديدة لعصر الذكاء الاصطناعي، أضحت تشكل هوية فارقة ضمن باراديجمات التواصل ونشر المعلومات والتسويق، في تناغم جاذبي موسوم بدرجة دقيقة من التطور مع الوسائط الرقمية، التي هي مجموعة أدوات تعكس مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على إحداث ثورة في استهلاك المعلومات، والتفاعل مع العالم والمحيط.
ومع اتساق وتجاذب هذه الوضعيات، صارت مواطئ الاحتكاك مع الاقتدرات المشهدية المتسارعة للوسائط الرقمية، تفرض مواكبة وتفاعلا أكثر نجاعة وأوفر تبصرا ومناظرة، في مواجهة وصد تهديدات المجتمع، وارتداداتها على السلوكيات المجتمعية الثاوية، وانتقالتها في الحقول المؤثرة، كالتعليم والسياسة والاجتماع والحقوق الموازية.
والأخطر أن تصير هذه الوضعيات، في ظل اكتساح خوارزميات الذكاء الاصطناعي، لثخومها مجال اصطدام مع الهوية اللغوية والثقافية، حيث يتم اختراقها بوسوم التحليلات السلوكية للمستخدمين وتفضيلاتهم، ما يعزز فاعلية الحملات الاتساقية المنظمة، عن طريق استخدامات مبرمجة، منها ما يتصل بعمليات " الأتمتة"، كإنشاء المحتويات وتحرير المعطيات وتأهيلها لتصير ذات قابلية متفوقة وذات فاعلية ارتباطية متسقة مع أهدافها التأسيسية.
إن الإعداد لتلكم الطفرات، لا يصطدم مع الامتداد البطيء لتوجساتنا وشكوكنا المتورمة، واقتصادنا التكنولوجي المتحلق خلف استيراد المزيد من برامج التمكين من اكتساب خبرات لن تعتر فيها على الضالة، بينما الأبعاد التعاقدية الصميمة توجد في العقل الاشتراطي الصانع، الذي يكرس الفجوات الحضارية ويوطنها في العقل التنافسي والتجاري.
فهل نحسن تدبير لحظة الاندماج مع آليات وأجهزة الإبداع المتطورة والصيرورية، حتى نتمكن من تورية التكلس الزمني وتخرصاته، في سياق نشوء إبدالات وأنظمة ستترك في طريقها لغزو فضاءات ما بعد السماوات والسيبرانيات المتدفقة، وعولميات الحروب التكنولوجية الجديدة، أثرا محفورا في ذاكرة العالم ونتوءاته المزلزلة؟.
***
د مصـطَـــفَى غَـــلْمَــان