قضايا
عدنان الظاهر: حول مقولة "الصُدفة والضرورة" ومن أنْ "لا صُدفة بدون ضرورة"

أرى أنَّ في هذه المقولة الشهيرة خطأ خطيراً بل وأكثر من خطأ. أجملها بما يلي:
1ـ الصدفة والضرورة ليستا أضداداً جدلية [دايالكتيكية]
2ـ الأضداد الجدلية [الدايلكتيكية] تستلزم وحدتها والصراع فيما بينها حسب قانون " وحدة وصراع الأضداد " الماركسي الجدلي.
3ـ قوانين الصراع الماركسية تقرر أنْ في مجرى الصراع بين الأضداد ينتصر أحدها ويفنى الآخر ... فمن هو المنتصر ومن هو المندحر الفاني في عملية الصراع المُفترض بين الصدفة والضرورة وما هو العنصر الجديد وليد هذا الصراع؟ صدفة جديدة؟ ضرورة جديدة أو ماذا؟
4ـ لا أرى أية علاقة بين الصدفة والضرورة والأمثلة أكثر من أنْ تُعدُ وتُحصى منها مثلاً:
أمشي على رصيف شارع عام في مدينة كبيرة أو صغير تقابلني سيارة ما أنْ تقترب مني حتى ينفجر إطار أمامي فيها فتنحرف وتصعد الرصيف وتقتلني وربما آخرين غيري. أين الضرورة في هذه الصدفة؟ هل قتلي في حادث عارض وغير متوقع هو ضرورة وما طبيعة هذه الضرورة وإلامَ تؤدي؟ أنْ أمشي على رصيف شارع عام في زمن محدد وتقترب مني في هذا الزمن المحدد سيارة ينفجر فيها واحد من إطاراتها الأمامية فتنحرف وتصطدم بي وتقتلني ! هذه محض مصادفات عرضت فما وجه ضرورتها في عملية قتلي ومفارقتي للحياة؟ هل في تنحيتي من الحياة ضرورة وضرورة لمن؟ هل فيَّ على الحياة خطر داهم يستدعي إزالتي من على سطح الكرة الأرضية لتجنيبها شرَّ هذا الخطر؟
مثال آخر: أحجز مقعداً في طائرة تأخذني إلى عاصمة بلد ما في يوم بعينه وإقلاعها يتم في ساعة محددة بذاتها ... تقلع الطائرة وفي الجو عالياً يحدث فيها خلل فتنفجر وتتمزق إلى أشلاء ويحترق جميع ركّابها وأنا أحدهم. تحديدي للهدف من طيراني واختياري لساعة ويوم السفر والشركة المسؤولة عن خط طيراني ما علاقتها بما حادث للطائرة وقد حدث ما حدث وكان ممكناً أنْ لا يحدث. ما الضرورة في تحطّم الطائرة ومقتل جميع ركابها؟
إذاً، والأمثلة كثيرة جداً، لا من علاقة جدلية أو غير جدلية تربط الضرورة بالصدفة ولا هذه بتلك. أجلْ، الأمثلة لا تُعد ولا تُحصى.
قرأت ذات يوم في كتاب فلسفي جملة تقول: الصدفة هي طريق تجلّي الضرورة ! وهذا كلام لا يختلف عن ذاك القائل: لا صدفة بدون ضرورة. أفتوني يا ناس في شأن هذه المعضلة وأريحوني.
***
الدكتور عدنان الظاهر
15.5.2025