قضايا

رحيم الساعدي: الذكاء الاصطناعي والعجز عن فهم تشفير القران الكريم

القران احد اهم خرائط الله سبحانه وتعالى للبشرية، وهو مساحة مهولة من المعرفة والنظام والابداع، ومنطقه يختلف عن منطق الارض، ذلك المنطق الذي ساعدنا ارسطو على فهمه ووضع قواعده، وقد كتبت قبل عشر سنوات (على الاقل) عن منطق ارسطو ومنطق العالم الاخر.
ان القرآن الكريم، يتجاوز مفهوم الجانب البشري فلا يمكن تحليله بشكل شامل بوصفه (مؤلف بشري)، لأن هذا يعمل على إخماد جذوة ذلك النص الخلاق الذي يعتمد على نوافذ عديدة متداخلة مع بعضها البعض، وتحويله إلى نص خاضع للزمان والمكان الفيزيقي ، في حين أنه نص ينتمي للوحي (وهو منظومة غير خاضعة لقالب ومنطق العالم الارضي)، تلك المسالة التي ترتفع عن سقف العقل البشري، ولا يريد الباحثون المعاصرون فهمها او الايمان بها، وقد قال تعالى:
﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ (الإسراء: 88).
و الإعجاز هنا، ليس في اللغة والأسلوب، فقط، بل يشمل أيضًا المحتوى، والاخبار عن الغيب، وكل ذلك في إطار يتناسب مع كل زمان ومكان.
والحديث عن “شفرة” القرآن تفترض بالتاكيد نظامًا خفيًا أو معادلات رياضية دقيقة تتحكم في بنيته العميقة.
والذكاء الاصطناعي الذي يتسلح بالخوارزميات والبيانات، لا يدرك البعد الغيبي والروحي للنص القرآني، وما من شك ان تلك المسالة لن تحل حتى بتطور الالة، او منظومة البيانات التكنلوجية، نعم قد يساعدنا العلم على الفهم لكنه يعجز عن منافسة العلم الاخر .
اعتقد بان تعقيد البنية اللغوية للقرآن يرتبط بتعقيدات المنطق الالهية تلك التي نصفها بخارطة الله، فالعقل الإنساني اليوم ربما أمكنه الاستماع إلى حديث فرد أو اثنين، وتحليل احاديثهم، ويتوجب تصبح لديه مشكلة الاستماع إلى 10 أو 100، فرد، وهذه القضية وفق منظومة الله تشير إلى محدودية الفهم الإنساني، لكن ليس هناك محدودية للحكمة الإلهية او العلم الإلهي.
‏بمعنى أن تداخل الاحتمالات لا يتناهى عند فهم رب العالمين.
ان الذكاء الاصطناعي يتعامل مع بيانات الإحصاء والتكرار، لكنه بشكل عام لا يفهم المجاز والرمزية والعلاقات المتشابكة بين الآيات، وهي قضية يمكنني وصفها (بحيويه روح النص)، بمعنى أن النص هو (ملك طابو) لصاحبه ومن السذاجة التوافق مع بارت الذي قدم مفهوما شيوعية النص والذي جاء بصورة موت المؤلف، والتي يرخمها بعض الكتاب الإسلاميين بوصفها تعدد المعاني، في حين أنها تشير إلى سلب الأفكار من خالق او صانع الفكرة، سواء كان الله أم المؤلف ام الفيلسوف أم العالم …الخ .
‏وأنا هنا لا أتحدث عن حيوية الحدث مثال ذلك ظهور النبي محمد(ص) في مكة وهو حدث كوني كبير، ولكن هذا الحدث انتهى، بشكل مادي تجسيدي فيزيقي، والذي ظهر لفترة من الزمن، وهذه حيوية الحدث، وبعض الأحداث تتميز عن الأخرى في الحيوية كما نفهم في فلسفة التاريخ، أما حيوية النص فيشمل حيوية الحدث وحيويه النص معا.

‏خذ مثلا قوله تعالى (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون)، والحدث انتهى فيزيائيا مع ان جزءا من الحدث ما زال موجودا وهو بقاء الحوت حيا إلى يومنا هذا، وحتى مع انتهاء الحوت، فإن هذا النص هو وثيقة تسجل باسم صاحب في العالم الآخر، فلا يمكن لأي عاقل استيعاب هذه الخوارزميات الإلهية المهولة التعقيد والتي لا تنتهي، لارتباطها بالعلم الإلهي غير المتناهي.
‏ان البنية الرياضية في القرآن هي شفرة، بالغة التعقيد وتحدثنا في مكان السابق عن أنظمة رياضية دقيقة في القرآن، مثل العلاقة بين عدد الكلمات والأحرف، وهذه الظواهر لا توصف بانها شفرة يمكن “حلها” مثل شفرة رياضية عادية. ودائما اتذكر اخي الدكتور علاء جعفر الذي يردد عبارة النفري القائل اذا اتسع المعنى ضاقت العبارة .لهذا يصح القول بأن الذكاء الاصطناعي لا يدرك المعنى الشديد العمق للنصوص القرآنية وهذا يعني بأن المعنى أكبر من اللغة.
‏ويصح القول ايضا بأن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع تفسير الغيب والمفاهيم الدقيق المجرد مثل الروح والقدر والحكم الإلهية والقضاء وصفات الله والعوالم المختلفة وتوسع السماء.
‏وتناول الموضوعات الميتفيزيقية مثل الغيب والروح والقدر والملائكة والجنة والنار يدل على أنها ليست منظومة مادية تجريبية أو أنها علوم شديدة التطور.
وحتى المفاهيم الفلسفية المعقدة التي وردت في القرآن، مثل الزمان والمكان والوجود، لا تزال موضع جدل فلسفي وعلمي، فكيف يمكن لنظام اصطناعي أن يدركها؟
قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (الإسراء: 85)، يشير إلى حدود المعرفة البشرية، فكيف يمكن للذكاء الاصطناعي تجاوزها؟
والذكاء الاصطناعي يعمل داخل إطار رياضي ومنطقي محدود، بينما القرآن يقدم رؤية متكاملة تشمل المادة وما وراء المادة.
‏لكن هناك ما يبعث الأمل أن الذكاء الاصطناعي يساهم بنحو جزئي على حلحلة الكثير من الأمور التي يمكن لنا من خلالها فهم الجزء البسيط المنظمات الفعل والعلم الإلهي في هذا الكون.
***
ا. د. رحيم محمد الساعدي – الجامعة المستنصرية

في المثقف اليوم