قضايا
أحمد حميد امكاوي: وسائل الإعلام الاجتماعية والتفكك الأسري.. قراءة سوسيولوجيا

إن التقدم الحضاري والتطور الزمني قد انعكس على الأسرة، فلم تعد كما كانت من التماسك، بل أصبح تفككها أحد الظواهر التي لا نستطيع أن نغفل عنها، إذ أن أي خلل في البناء الأسري تنعكس آثاره السيئة على الفرد، حيث أن التفكك الأسرى من أخطر الأمراض الاجتماعية التي تعصف بالمجتمع وتؤثر في تنميته وتحقيق أهدافه بل قد يؤدي إلى تفكيك المجتمع وهلاكه.
إن تأثير وسائل الإعلام الاجتماعي على الأسرة المغربية اجتماعياً وثقافياً وفكرياً وقيمياً أدى إلى تراجع دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية والتربية وفق معايير المجتمع، وأصبح الإعلام الاجتماعي يمثل شريكاً في عملية تنشئة الأفراد، بسبب التغيرات الطارئة على المجتمعات بفعل ثورة الاتصال الرقمي، حيث تحول العالم إلى قرية صغيرة يتبادل فيها الأفراد الأفكار والثقافات دون حدود مكانية أو زمانية أو اجتماعية مما غيَّر في ملامح الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية. وأصحت الأسرة بأفرادها هي الأكثر تأثراً نظراً للتغير الكبير في نمط العلاقات والتفاعلات داخل الأسرة وخاصة في ظل ثقافة العولمة التي تسعى إلى تحويل المجتمع الدولي إلى كيان ثقافي واحد، ولا شكَّ أن ذلك يهدِّد هوية الأسرة اذ ان تأثيرات وسائل الأعلام على الأسرة بمنهجية وصفية نوعية تصف وتحلل الظاهرة من زوايا مختلفة وفي هذا المقال سنُسلط الضوء على هذه التأثيرات بتفاصيلها على كل من البنية والروابط الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمع، بالإضافة إلى دور الإعلام الاجتماعي او الإعلام بشكل عام في اختراق البنية الثقافية وتهديدها من خلال إحلال ثقافات بديلة لا تتناسب مع خصوصية الأسرة المغربية التقليدية، كما أننا سنتناول تأثيرات الإعلام الاجتماعي على الأسرة المغربية فكرياً وقيمياً حيث استطاع الإعلام الاجتماعي أن يُحدث خللاً في منظومة القيم الأسرية بإدخال تحولات مفاهيمية دخيلة كالتحرر الفردي مقابل المسؤولية الجماعية والانفلات من الانصياع لمنظومة القيم التي تفرضها الأسرة والمجتمع، وفقدان الهوية الجماعية وقبول هويات وافدة وبالتالي التفكك الأسري...كما سنحاول في هذ المقال تسليط الضوء على أثار وسائل الاعلام على التماسك الأسري، الشيء الذي يجعلنا نستحضر.
نظرية الدور الاجتماعي حيث أن علماء الاجتماع الذين يعتقدون بنظرية الدور نجد ماكس فيبر الذي تناولها بالدراسة والتحليل في كتابه الموسوم ” نظرية التنظيم الاجتماعي والاقتصادي "، وكذلك "هانز كيرث" و "رايت ملز" في كتابهما ” الطباع والبناء الاجتماعي " و"تالكوت بارسونز "في كتابه ” النسق الاجتماعي"، وأخيراً "روبرت ماكيفر" في كتابه "المجتمع" حيث ظهرت هذه النظرية في مطلع القرن العشرين، و تعد من النظريات الحديثة في علم الاجتماع ؛ اذ تعتقد بأن سلوك الفرد وعلاقاته الاجتماعية يعتمد على الدور او الادوار الاجتماعية التي يشغلها في المجتمع، فضلاً عن أن منزلة الفرد الاجتماعية ومكانته تعتمد على أدواره الاجتماعية ذلك ان الدور الاجتماعي ينطوي على واجبات وحقوق اجتماعية، فواجبات الفرد يحددها الدور الذي يشغله، اما حقوقه فتحددها الواجبات والمهام التي ينجزها في المجتمع، علماً بأن الفرد لا يشغل دوراً اجتماعياً واحداً بل يشغل عدة ادوار تقع في مؤسسات مختلفة، وان الادوار في المؤسسة الواحدة لا تكون متساوية بل تكون مختلفة فهناك أدوار قيادية وأدوار وسطية وأدوار قاعدية . والدور يعد الوحدة البنائية للمؤسسة والمؤسسة هي الوحدة البنائية للتركيب الاجتماعي . فضلاً عن ان الدور هو حلقة الوصل بين الفرد والمجتمع...ومنه يمكن القول أن الاسرة كذلك ومثال عندما يغيب فيها تقسيم الادوار وعدم أداء الدور بشكل جيد يتشكل على إثر ذلك عدة مشاكل / صراعات / علاقات عدائية، وهشاشة روابط الأسرية التي يمكن اختزالها في التفكك الاسري، وفي منحى ذاته نجد نظرية التبادل الإجتماعي، التي تعد في وقتنا الحالي من أبرز الاتجاهات النظرية في علم الاجتماع، حيث يمكن استخدام تصورات هذه النظرية لتفسير بعض الظواهر الاجتماعية على رأسها التفكك الأسري والصراع الاجتماعي، ومن بين أهم المفاهيم الاساسية في نظرية التبادل الاجتماعي نجد؛ مفهوم الفاعل، وعلاقة التبادل، والقيمة، والبدائل والتكلفة، والاعتماد والتوازن، والقوة، والفوائد، والموارد والمصادر . هاته المفاهيم تتماشى مع البنية الاسرية ففي حالة عدم تطبيقها ينتج خلاف وصراع بين الزوج والزوجة وهكذا نجد نظرية التبادل الاجتماعي تتضمن بعض القضايا و الافتراضات الاساسية حول طبيعة الانسان وطبيعة المجتمع وكيفية ادائه لوظائفه من حيث طبيعة الانسان ترى هذه النظرية ان الانسان يتصرف بشكل منطقي وعقلاني، فكل انسان يضع امامه مجموعة من الاهداف ويحدد لنفسه اكثر الوسائل كفاءة لبلوغ هذه الاهداف، ويضع الانسان غيره من اعضاء المجتمع في اعتباره اثناء سعيه لتحقيق اهدافه، حيث ان هؤلاء الاعضاء يؤثرون او حتى يتحكمون في عملية سعي الانسان لتحقيق اهدافه. وهذا الموقف هو الذي ينتج العلاقة الاساسية للتبادل، ويصبح السلوك بهذا المعنى سلوكا اجتماعيا، كما يتخذ السلوك شكل التبادل، حيث ان الاشخاص الاخرين الموجودين في الوسط الاجتماعي يملكون المصادر او الموارد المختلفة ومن ثم فاننا نتبادل القيود بالسلع والعمل بالنقود، كما نتبادل المشاعر والعواطف ويجد الناس انفسهم دائما في مواقف اجتماعية تبادلية، حيث يتبادلون السلوك والخدمات ويتبادلون الدعم العاطفي والانفعالي...
فعدم التبادل بين الازواج، تبادل في المشاعر وتبادل التضحيات والسند؛ ينتج عند ذلك ويفضي ذلك إلى خلال الوظيفي وبالتالي التفكك وعدم التماسك وانعدام الرابط الاجتماعي والعاطفي داخل الأسرة مما يؤثر على الأبناء دراسيا وأخلاقيا.
***
أحمد حميد امكاوي - باحث في العلوم الاجتماعية