قضايا

مجيدة محمدي: تعلمت فن قول "لا"

في عالم مليء بالمطالب، التوقعات، والضغوط، يصبح فن قول "لا" مهارة حياتية ضرورية لكل فرد يسعى لتحقيق الحرية الشخصية والنمو الإيجابي. هذا الفن لا يعني فقط رفض الأشياء التي لا نريدها أو التي تضر بنا، بل هو فعل تأكيد للذات، وإعلان عن حقنا في اختيار ما يناسبنا، وتحديد المسار الذي نريد أن نسلكه في الحياة.

فالحرية الشخصية تبدأ من القدرة على وضع حدود واضحة بيننا وبين الآخرين. هناك أشياء كثيرة قد تحد من حريتنا كالعمل المرهق الذي لا يتماشى مع طموحاتنا، العلاقات السامة التي تستنزف طاقتنا، والمجتمعات التي تملي علينا كيف يجب أن نعيش ونفكر. فعندما نقول "لا" لهذه الأشياء، فإننا نأخذ خطوة نحو تحرير أنفسنا من قيود مفروضة علينا، سواء كانت قيودًا اجتماعية، ثقافية، أو نفسية.

قول "لا" للأشياء التي لا تقنعنا هو فعل احترام لذاتنا. لا يمكننا بناء حياة حقيقية ومتوازنة إذا كنا نعيش وفق توقعات الآخرين أو نخضع لضغوط من الخارج. "لا" هنا تعني أننا نمتلك حرية التفكير ونرفض أن نكون جزءًا من منظومة تفرض علينا قيمًا أو سلوكيات لا تنسجم مع هويتنا.

في كثير من الأحيان، نجد أنفسنا محاصرين في دوائر من التزامات مفرطة، سواء في العمل أو الحياة الاجتماعية، بدافع الخوف من الإحباط أو خذلان الآخرين. ومع ذلك، هذه الالتزامات قد تتحول إلى عبء يعيقنا عن النمو الشخصي والاستمتاع بالحياة. قول "لا" هنا هو تعبير عن رفض الظلم والتعسف، ومطالبة بحقنا في وقتنا، طاقتنا، وسعادتنا.

من أخطر القيود التي قد تواجه الإنسان هي الأفكار المفروضة التي تصوغ معتقداته وسلوكياته دون أن يعي ذلك. وسائل الإعلام، الأعراف الاجتماعية، وضغوط الأقران يمكن أن تخلق تصورات زائفة عن العالم وعن أنفسنا. في هذه اللحظات، يصبح قول "لا" ضرورة للتحرر الفكري. "لا" تعني أننا نختار التفكير النقدي بدلاً من الانصياع الأعمى، وأننا مستعدون لمراجعة أفكارنا ومعتقداتنا بدلاً من قبولها كما هي.

قول "لا" ليس مجرد رفض أو معارضة، بل هو خطوة نحو التحول الإيجابي. عندما نقول "لا" للأشياء التي لا تضيف قيمة لحياتنا، فإننا نفسح المجال للأشياء التي تستحق الاهتمام. فنحن لا نصبح فقط أكثر حرية، بل نصبح أكثر وعيًا بما نريد أن نكونه.

"لا" تعني أنني أختار أن أكون إنسانة حقيقية، مختلفة بالمعنى الإيجابي، تبحث عن التطور والنمو. تعني أنني أمتلك القوة للابتعاد عن كل ما يشتتني، أو يستهلكني دون فائدة. في النهاية، قول "لا" هو فعل بناء وليس هدمًا؛ هو رفض للتنازل عن قيمنا وأحلامنا، واستعداد للبحث عن حياة أفضل تتماشى مع هويتنا الحقيقية.

إن قول "لا" هو أساس بناء حياة مليئة بالحرية، التوازن، والنمو. إنه إعلان عن استقلاليتك، رفض للتعسف والقيود، ورغبة في التغيير الإيجابي. عندما تتقن هذا الفن، تصبح قادرًا على العيش وفق قيمك ومبادئك، وتحقق السلام الداخلي والسعادة الحقيقية. تذكر دائمًا أن قول "لا" هو حقك، واستخدامه بحكمة هو ما سيصنع منك إنسانًا مختلفًا بالمعنى الإيجابي.

***

مجيدة محمدي

 

في المثقف اليوم