قضايا

سعيد بوسامر: تعليم مزدوج

مفتاح النجاح للأطفال العرب في الأهواز" تطبيق فرضية الاعتماد المتبادل لكومينز

تُعَدُّ اللغة أحد أبرز عناصر الهوية الثقافية، حيث تلعب دورًا حيويًا في تشكيل التفكير والتواصل بين الأفراد. في منطقة الأهواز، حيث يتحدث السكان اللغة العربية، يواجه الأطفال تحديات كبيرة نتيجة لتعليمهم باللغة الفارسية. هذا الوضع لا يؤثر سلبًا على قدرتهم على التعلم فحسب، بل يعيق أيضًا تفاعلهم الاجتماعي وتواصلهم مع محيطهم. في هذا السياق، تبرز أهمية تطبيق فرضية الاعتماد المتبادل لكومينز، التي تؤكد على الترابط الوثيق بين الكفاءة في اللغة الأولى (L1) والثانية (L2). إذ تشير هذه النظرية إلى أن تعزيز مهارات اللغة الأم يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحسين الأداء الأكاديمي واللغوي للأطفال في لغتهم الثانية، مما يسهل عليهم التكيف والنجاح في بيئة تعليمية متعددة اللغات.
تأسست فرضية الاعتماد المتبادل لكومينز على فكرة أن المهارات اللغوية المكتسبة في اللغة الأم يمكن أن تعزز التعلم في اللغة الثانية. تنقسم هذه المهارات إلى نوعين: (المهارات الأساسية) (Basic Interpersonal Communicative Skills - BICS) التي تتعلق بالتواصل اليومي، و(المهارات الأكاديمية) (Cognitive Academic Language Proficiency - CALP) التي تتطلب فهماً عميقاً للمفاهيم. يشير كومينز إلى أن الأطفال الذين يتمتعون بكفاءة عالية في لغتهم الأم سيكون لديهم قدرة أفضل على اكتساب لغة ثانية، مما يعزز من أدائهم الأكاديمي بشكل عام.
أهمية اللغة الأم
تشير هذه الفرضية إلى أن تطوير مهارات اللغة الأم يُعزز من قدرة الأطفال على تعلم لغة ثانية بشكل أكثر فعالية. هذا يعني أن الأطفال الذين يتمتعون بكفاءة عالية في لغتهم الأم (مثل اللغة العربية) سيكون لديهم أساس قوي يمكنهم من اكتساب مهارات اللغة الثانية (مثل اللغة الفارسية) بسهولة أكبر.
لذلك، يعد إدخال مناهج تعليمية باللغة العربية في المدارس خطوة أساسية نحو تحقيق هذا الهدف. فهذه المناهج لا تقتصر فقط على تعليم اللغة العربية كلغة منفصلة، بل تشمل أيضًا مواد دراسية متنوعة تعزز من فهم الطلاب لثقافتهم وهويتهم.
على سبيل المثال، يمكن أن تتضمن هذه المناهج دروسًا في الأدب العربي، حيث يتعرف الأطفال على نصوص أدبية غنية تعكس تاريخهم وثقافتهم. كما يمكن تضمين مواد عن التاريخ العربي، مما يساعدهم على فهم السياقات التاريخية والاجتماعية التي شكلت مجتمعهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إدخال دروس في الثقافة العربية، مثل الفنون والموسيقى والعادات والتقاليد، مما يعزز من انتمائهم وهويتهم الثقافية.
كل هذه العناصر تعمل معًا على بناء قاعدة قوية في اللغة الأم، مما يساهم في تعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال ويشجعهم على استخدام اللغة العربية بشكل فعال. عندما يشعر الأطفال بأن لغتهم الأم تُدرس وتُقدّر في المدرسة، فإن ذلك سيعزز من قدرتهم على التعلم والتفاعل بلغة ثانية، مما يؤدي إلى تحسين أدائهم الأكاديمي العام.
تطوير المناهج المزدوجة
إذن من الضروري تصميم مناهج تعليمية تجمع بين الفارسية والعربية. يمكن أن تشمل هذه المناهج دروسًا متكاملة تتناول مواضيع مشتركة. على سبيل المثال، في مادة العلوم، يمكن تدريس المفاهيم الأساسية باللغة الفارسية مع توفير شروحات باللغة العربية. كما يمكن استخدام الكتب المدرسية التي تحتوي على نصوص ثنائية اللغة، مما يسهل الفهم ويعزز من التعلم.
تدريب المعلمين
يعتبر المعلمون حجر الزاوية في أي عملية تعليمية ناجحة. لذا، يجب توفير تدريب شامل للمعلمين حول كيفية تدريس اللغتين بشكل متكامل. على سبيل المثال، يمكن تنظيم ورش عمل لتعليم المعلمين استراتيجيات مثل "التعلم القائم على المشاريع"، حيث يقوم الطلاب بإنشاء مشاريع تتطلب استخدام كلتا اللغتين. هذا النوع من التدريب يساعد المعلمين على تطوير مهاراتهم ويعزز من فعالية التعليم.
تشجيع القراءة والكتابة
تعد القراءة والكتابة من المهارات الأساسية التي يحتاجها الأطفال للنجاح الأكاديمي. لذا، يجب إنشاء برامج تشجع الأطفال على قراءة الكتب باللغة العربية وممارسة الكتابة فيها. على سبيل المثال، يمكن تنظيم مسابقات للقراءة أو ورش عمل للكتابة الإبداعية لتعزيز هذه المهارات. كما يمكن إنشاء مكتبات مدرسية تحتوي على مجموعة متنوعة من الكتب العربية التي تناسب مختلف الأعمار والمستويات.
التفاعل الاجتماعي والثقافي
لتعزيز استخدام اللغة العربية في الحياة اليومية، يجب تشجيع الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي تستخدم هذه اللغة. يمكن تنظيم فعاليات ثقافية مثل المهرجانات الأدبية أو العروض المسرحية التي تركز على التراث العربي وتعزز من استخدام اللغة. مثال آخر هو إقامة مسابقات شعرية أو قصص قصيرة باللغة العربية، مما يشجع الأطفال على التعبير عن أنفسهم بلغة أمهم.
ختاما نقول إن تطبيق فرضية الاعتماد المتبادل لكومينز في الأهواز يمثل خطوة حيوية نحو تحسين التعليم وتعزيز الهوية الثقافية للأطفال.
إن هذه النظرية لا تساهم فقط في تعزيز المهارات اللغوية، بل تحد أيضًا من ظاهرة الرسوب في المواد الدراسية والتخلي عن المدرسة. عندما يتمكن الأطفال من التعلم بلغتهم الأم، فإن ذلك يعزز من فهمهم للمحتوى الدراسي ويزيد من ثقتهم بأنفسهم. وبالتالي، يصبحون أكثر قدرة على التفاعل مع المواد التعليمية، مما يقلل من معدلات الرسوب ويشجعهم على الاستمرار في التعليم. فمن خلال إدخال التعليم الثنائي اللغة وتطوير المناهج المناسبة وتدريب المعلمين وتشجيع القراءة والكتابة، يمكننا توفير بيئة تعليمية تدعم النمو الأكاديمي والاجتماعي للأطفال وکل هذا یأتي من اهتمام حكومي ومؤسساتي شامل بالموضوع. إن الاستثمار في لغتهم الأم ليس فقط واجبًا ثقافيًا، بل هو أيضًا مفتاح لتحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
***
سعيد بوسامر/ كاتب و باحث أهوازي
نوفمبر 2024
..........................
المصادر التي راجعها الباحث:
Teemant, A., & Pinnegar, S. E. (2019). The Interdependence Hypothesis: Jigsaw Reading B1. Principles of Language Acquisition. https://edtechbooks.org/language_acquisition/jigsaw_reading_d.
-أبوعميشة، خالد. كيف أطور مهاراتي في اللغة العربية؟ نشر في:
https://learning.aljazeera.net/ar/node/944
-كويونكو، علي. تأثير اللغة الام على اكتساب اللغة الثانية، مراجعة علمية. مجلة كلية اللاهوت. 2021.

 

في المثقف اليوم