قضايا
رحيم الساعدي: حضارة الشيطان وحضارة الانسان
عند تعريفنا الحضارة اي حضارة الانسان، سوف يبرز مفهوم المنتج، او التميز ولذلك فإن الحضارة توصف بانها ما يميز أمة عن امة أو شعب عن شعب في مفهومين الأول هو نتاجهم في الجانب النظري والآخر هو الجانب التطبيقي أو العمل أو المادي، فهو تميز بشكل عام في جوانب العادات والتقاليد، او في الاداب والفنون والعلوم والعمران، والسياسة والاقتصاد، وقد تأتي كلمة “حضارة” من الجذر العربي “حضر”، مما يشير إلى التحضر والاستقرار في مكان معين، خلافاً للترحال أو البداوة.
وتتميز الحضارات بعناصر مثل النظام الاجتماعي، الأنظمة القانونية، التعليم، العمارة، اللغة، والأديان، التدوين، الادارة.
والحضارات عديدة ومتنوعة، منها الاصلية ومنها المصنعة التي هي اقرب الى النمو الورمي منها الى تكون طبيعي لنشاة متطورة، ومن الحضارات حضارة الظل فهي تعتاش على منتجات او مخرجات عباقرة الشعوب الاخرى، وهذه حضارة الفلاش او السرقة مع تاكيد لقوتها وعلومها، اي اننا نلحظ تطورها العمراني والدعم الفني، والنشاط الادبي، ولكنها تبدو اشبه بمجموعة من التائهين السارقين حصلوا على مغانم فاسسوا المشاريع العالمية، لاستقطاب اهل الادب والفن.
ويتوجب علي هنا العروج وتحليل حضارة الشيطان، وهو امر كتبت عنه مقالا تحت عنوان الموجات الحضارية السالبة، واستعرت في وقتها مصطلح توفلر لاقوم بنحت مفهوم الحضارة السالبة، والتي وزعتها على مراحل بدات باعتراض ابليس ثم النظرة ثم المراحل المتوالية حتى وصلنا الى الحروب العالمية التي تاسست فيها العلوم وخلع المجتمع الغربي الحياء، ومارس الحرية بابشع صورها.
وما يمكن تسميته بحضارة الشيطان تعني ان الانسان الذي يؤسس للعلوم او الاداب او الفنون او الادارة والاقتصاد والسياسة او العادات والتقاليد، وفق منظور عقلاني ومستقل عن الحث الشيطاني فيمكن وصفها بحضارة الانسان، اما صبغة الفعل او المنتج الانساني وتغليفه بغرض او قصد يتعلق بحرف الانسان عن القواعد الانسانية الصحيحة او الطبيعية او الفطرية او المنطقية والعقلانية، فان هذا منتج او سلوك، يدرج ضمن مفهوم حضارة الشيطان، ونحن هنا لسنا بمعرض الحديث عن مدينة الله او الانسان، بل تشخيص الفعل الانساني على مر التاريخ وتمييزه فيما اذا كانت بوصلته او غايته هي السير بمنهج الشيطان ام في منهج الانسانية.
لكن كيف نحدد هذه الحضارة او تلك من زاوية تبعيتها للانسان او الشيطان؟ اعتقد بان الحوادث التاريخية التي وصفت في يوم ما كانها قطع من الثلج تسير في محيط التاريخ والزمن، فان هذه الحوادث، تعطيك دليلا لا مجال للشك به، من تدخل شيطاني، يتصل من دون شك بالسرديات المقدسة التي اشارت الى ان الشيطان كان لديه فعلا قصديا وغائيا موجها الى منظومة الانساني لتغير خارطة وجودهم وبقائهم واسس عملهم، وحتى هيئاتهم واشكالهم (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْشَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ)وقال تعالى (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّـهِ وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّـهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً).
وخذ امثلة للحوادث في التاريخ تجد ان يد الاختلاف والعبث والتغيير نحو القبح والفساد حاضرة، ومنها الحروب وقتل الابرياء والمثلية، والبغاء، والدكتاتوريات، وقد تتضح لك صورة ان هذه الافعال هي نتاج انساني، وبالتالي فهي حضارة الانسان، الا ان الحد الفاصل بين فعل وفعل هو التدخل الالهامي الخارجي، وهو الايحاء، وللشيطان خصيصة الايحاء الى اوليائه، واخطر اساليب هذا الايحاء هو الجماعي والمدعوم من السلطة الغاشمة او العالمية.
وحتى التكنلوجيا يمكن تمييزها على هذا الاساس، فالالة الذكية والذكاء الاصطناعي اليوم قد يكون حضارة انسانية، لكن استثمار البعض منه في القصدية الشيطانية لغرض الهاء المجتمعات وتمرير الاهداف المختلفة، يجعله سكينا بحدين، فقد تنتمي للبشر او تاتمر بحضارة الشيطان.
اعتقد ان ما يميز حضارة الشيطان، انها كيان طولي في التاريخ، وليست كيانا عرضيا كما هي حضارة الانسان،فهذا المخلوق الذي رافق البشرية بوصفه عامل الاعاقة الاقوى والاكثر اجتهادا بتنفيذ منهجه، وبوصفه الثنائية التي ترافق نسخة الانسان الذي اعترض عليه في اول بدايات البشرية، تلك الثنائية التي جعلت الشيطان ايضا احد علل وجودنا، والا فان عدم وجود الشيطان وحضارته سيحيلنا الى مجموعة نساك وزهاد ومتالهين، اقول ان هذا الشر المضاف لوجودنا او الذي اضفناه نحن بفعل مخالفة ابونا ادم للوصية الالهية يمثل محرك تاريخ حضارته التي تتداخل بشكلها الطولي مع الجانب العرضي الذي يؤسسه الانسان بين فترة واخرى، وقد نقول بان ما فعله هولاكو وهتلر ومن تصادم معه وصدام وقتلة الاطفال والانبياء، وكل طغاة العالم هو فعل ينتمي الى الحضارة السالبة او حضارة الشيطان، وهو كلام منطقي لان غاية ونتائج هذه الافعال تتلائم وغاية حضارة الشيطان.
فكل مخرجات الفعل الانساني، لم تؤسس على اساس فائدة وتهذيب او تطوير او تنمية الجانب الاخلاقي والجمالي او المعرفة لديه، لاجل محبة المعرفة والاخلاق والجمال او العدل، بل لاجل تخريب جزئي للغريم الانساني على مر التاريخ، وبتعبير شعبي دارج جدا فان لدى الشيطان (عتبة) وهي تعني الثار الذي جرح كبرياء وجوده بتفضيل الطين على النار، وكان النار تعني النور، وهو وهم معرفي ووجودي واستراتيجي لدى منظومة حضارة الشيطان، وكل تمييز لفرد عن فرد اخر باي مواصفات يتمتع بها، انما هي مسالة تستند الى محاججة ابليس، القائل انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، وهذه صورة تستخدم اليوم في المجتمع بشكل مخيف، سيما مجتمعنا العشائري، الذي يميز الفرد عن عن الاخر، بالمواصفات الجينية او الحسبية العالية، في حين ان الية الاسلام هي التقوى.
ان ترفع وطغيان الدول العظمى اليوم ينتمي الى حضارة الشيطان الذي يغير العلاقات الاحتماعية، والتقاليد، والغرائز، ويشتري الدول ويبيعها، ويقوم بهيكلة الاوطان، ويغير الرؤساء، ويسطو على موارد الدول الفقيرة، ويخلق الحروب ويشرع القوانين لتخريب الخلقة، وتغيير حتى طعوم الاشياء وجينات البذور، والتلاعب بالانواء والزلازل والامطار والبيئة،ان كل ذلك وان قام به الانسان فانه فعل ينسجم وحضارة الشيطان، اما الافعال التي يقوم بها الانسان وتسمى حضارة الانسان فهي تشمل كل من يقدم خدمة فعلية من دون قصد تخريبي الى المجتمع.
يتبقى لي الحديث في مناسبة اخرى عن خضارة الله، وهذا يشمل الفعل الانساني الجيد الذي امر به الله، وقاد الى بناء جيد، وطقوس وتقاليد وعلوم واداب وفنون جيدة.
***
ا. د. رحيم محمد الساعدي