قضايا
غريب دوحي: اللاادرية.. فلسفة حيادية بين المادية والمثالية
اللاادرية ترجمة لكلمة يونانية ذات مقطعين تعني (العجز عن المعرفة) وقد أطلقت على الفلسفة الشكية التوفيقية التي تدعو الى عقد مصالحة بين المثالية والمادية أي انها عبارة عن فلسفة حيادية بينهما وكطريقة ثالثة حين احتدم الصراع في اليونان بين الماديين والمثاليين ويعد (بيرون) الفيلسوف اليوناني مؤسسها الأول (360_270 ق.م).
وتتصل جذورها اللاادرية بمذهب الشك الذي نشأ في اليونان والذي يرى عدم أمكانية التوصل الى حقائق الأشياء نظرا لافتقار الانسان الى أداة ادراك حقيقية وذلك لان العقل يدرك ظواهر الأشياء ولا يعرف حقائقها كما ان الحواس تخدع الانسان ولا يمكن اعتبارها شاهد اثبات حقيقي، وكان (بيرون) يردد دائماً عبارة (لا ادري) في الإجابة عن السؤال الفلسفي الكبير: هل الوجود مادي أم روحي؟ لذلك لقب بصاحب مذهب اللاادرية ولقب أتباعه باللاادريين .
المراحل التي مرت بها الفلسفة اللاادرية:
1-العصور القديمة: الفلسفة اليونانية:
ظهرت الفلسفة الشكية في اليونان كما ذكرت على يد (بيرون) مؤسس هذه الفلسفة خلال فترة احتدام الصراع الفكري بين المادية والمثالية حتى ظهور الفيلسوف اليوناني هرقليطس (530_470 ق.م) الذي حسم موقفه لصالح المادية حين اعلن (أن العالم أزلي يعمل وفق قوانين خالدة ليست من صنع أله أو بشر وسوف يظل شعلة خالدة حية تتوهج وتنطفىء وفق قوانين معينة) وقد شكلت رؤية هذا الفيلسوف نقطة نوعية في مفهوم الجدل فأن كل شيء يوجد في العالم يوجد في حركة وتغير وقد أشار الى ذلك بمقولته الشهيرة "انك لا تعبر النهر مرتين لان مياه جديدة تتدفق من حولك "
2- مرحلة العصور الوسطى وعصر النهضة:
(استمرت اللاادرية كمحاولة توفيقية بين المثالية والمادية غير انها وضعت نفسها في خدمة الفكر اليميني الرجعي وأصبحت مطية له فأستغلت من قبل الطبقة البرجوازية في تبرير مؤامراتهم الدنيئة ضد الفلسفة والعلم في آن واحد بهدف سلب حق الفلسفة في ان تدرك وتدرس بإرادتها الخاصة جوهر العالم وحرمان العلم ايضاً من حقه في طرح فرضيات تتعدى الوقائع الظاهرية السطحية، لذلك تلقت اللاادرية دعماً وتأييداً من الطبقات الرجعية لأنها تشكل ركيزة للدين)
المعجم الفلسفي، رؤية ماركسية:
أما في الشرق الإسلامي وبصورة خاصة في البصرة " فقد ظهرت نتيجة للاصطراع الفكري والشك أربعة اتجاهات فكرية قوية : اتجاه غير واضح المسالك والغاية إلا انه خطير في النواحي السيادية ظهر عند بعض الشعراء والأدباء مثل الشاعر بشار بن برد والحسن بن هاني (أبو نؤاس) وصالح بن عبد القدوس وابن أبي العوجاء وواصل بن عطاء وغيرهم .
وبالاضافة الى هذا ظهر في الشام الشاعر أبو العلاء المعري وفي بلاد فارس الشاعر عمر الخيام الذي ظهر من خلال رباعيته اتهم العلم والعقل بمعجزهما هن ادراك سر الحياة وهذه رباعية من رباعياته تؤكد حيرته وشكه.
حار الورى ما بين كفر ودين
وأمعنوا في الشك أو في اليقين
وسوف يدعوهم منادي الردى
يقول ليس الحق ما تسلكون
لقد بعثت لا ادريات الخيام في نفسه روح التشاؤم وكره الدنيا وما فيها وكان تشاؤمه هذا وليد حب الحياة والبقاء ولهذا نراه يتمنى لو انه يعود مرة أخرى الى الحياة ولو بعد مئات الألوف من السنين كما يعود العشب من قلب التراب .
3- مرحلة العصر الحديث:
(تعد هذه المرحلة امتداداً للمراحل السابقة إلا إن إضافات وأفكار جديدة طرأت عليها بمرور الزمن والتقدم العلمي الهائل الذي شهده العالم في مجالات متعدده فقد اثبت العلم الحديث إن للكون آلة تدير نفسها بنفسها وهذه الآلة لا تحتاج الى أي سبب فوق الطبيعة فإذا كانت المادة أزلية فلا يبدو إن هناك حاجة الى خالق)العلم في منظوره الجديد.
(ويعد دافيدهيوم من إنكلترا وعمانوئيل كانت من المانيا من ابرز ممثلي هذا المذهب في العصر الحديث فيرى هيوم ان الانسان لا يتعامل إلا مع مشاعره الخاصة ومع وقائع تجاربه الذاتية ولذا يتعذر عليه معرفه شيء عن العالم الخارجي أيا كانت فيسلم بالوجود الموضوعي للاشياء بحد ذاتها وهو يرى انه ليس لعقل الانسان أن يدرك إلا ظواهر الأشياء) .تاريخية المعرفة منذ الاغريق حتى ابن رشد الموسوعة الصغيرة .
وقد اتخذ الفيلسوف الفرنسي ديكارت مبدأ الشك منهجاً في فلسفته حيث اعلن مقولته الشهيرة " انا اشك فأذاً انا افكر، أنا أفكر فأذاً انا موجود " وهي تلخيص لجوهر فلسفته.
لقد وجهت الى المذهب اللاادري انتقادات كثيرة فهم بزعمهم ان العالم لا يمكن معرفته وان الظواهر المحيطة بنا لا يمكن كشفها انما هم لا يريدون معرفة العالم بالعقل البشري، لقد هاجمهم "انجلس" "قائلا" إن التطبيق والعلم والصناعة والتجربة هو اكبر تكذيب لهم "كما سماهم بالماديين الخجولين كما ان العقل الإنساني غير عاجز كما يدعون عن كشف المجهول وليس هناك مشكلات في اكتشاف الحقيقة بفضل تطور النشاط العلمي رغم اكتشاف الانسان للحقائق قد تأخر بسبب ضعف قوى الإنتاج في بداية نشوء المجتمعات وتفسير الظواهر الطبيعية كالمطر والرعد والبرق تفسيراً خرافياً إلا ان الانسان تمكن من تفسيرها بسبب تقدم العلم .
فاللادرية اذاً حياد سلبي ولم تكن حلا للمعارك الفكرية السائدة، وختاما فان العالم والكون سيبقى أزلياً لا بداية ولا نهاية له سيبقى شعلة وحاجة تسير وفق قوانين خالدة، كما عبر عنها الفيلسوف اليوناني المادي العظيم "هرقليطس"
***
غريب دوحي