قضايا

عبد الامير الركابي: الانبعاث السومري وإكذوبة "محمدعلي" (1)

حيث تكون التوهمية المطلقة حقيقة مطلقة خارج النقاش،  يندرج تاريخ منطقة الشرق المتوسطي العربي اليوم  فيتلبس مايعرف ب "النهضة" العربية، او "اليقظة الحديثة" التي تبدأ مجسدة في ظهور "محمد علي" الالباني في مصر، البلد الشرق متوسطي الكبير، والمهم الموكول حضورا لذاتيته الكيانوية،  والحديث يخص لهذه الجهه اجمالي التشكل العقلي والواقعي الناظم للوجود والحياة في هذا الجزء الحيوي الفعال من العالم اليوم، مع تسلسل الحقب والتواريخ، وتناسل التيارات  والانظمة واكتمالها عددا، ومالايمكن احصاؤه من الكتابات، مع ما  يقف خلفها من الاعتقادات والرؤى  والاحكام  الشاملة التي تعالج واقع اليوم في المنطقة مدار البحث على مدى يزيد على القرنين من الزمن، لأمة  كتب لها ان تعيش في التوهم  التام  الكلي، وبلا اية رؤية او تلبث ذاتي من اي نوع كان.

المعتمد الذي لاخلاف بشانه ان "محمد علي" يعني "النهضة"، دلالة على نكوصية تكاد تكون مذلة للعقل في هذه المنطقة، التي عرفت في الواقع وقتها طورا من الانصياع الكلي  للنموذجية والتصورية الغربية الالية التوهمية هي نفسها، مع نفي اية احتمالية دالة على الذات، او على الديناميات التاريخيه، ففي بلد مثل مصر عاش تحت الاحتلال العثماتي  على طوله فعرف 150 وال كانوا ينصبون بفرمان من الباب العالي دون ان يعرف اي اعتراض، او اي شكل من اشكال الرفض البين، عرفت بالمقابل في ارض الرافدين، وارض سومر المنبعثة منها بالذات، مع عموم ارض السواد 150 انتفاضة  وصدام مسلح، احداها عام 1787حررت العراق الاسفل من بغداد الى الفاو، وطالبت في نص موقع عليه بولايه بغداد، والموضع نفسه حرر البصرة من الصفويين، ولايعود الامر لهذه الجهه الى الصدفة، او الى اية اسباب طارئة وغير تكوينيه وديناميه، فمصر الذاتيه كمجتمع دولة احادية ارضوية، هي نتاج البيئة المؤاتيه نموذجيا، وهي موكوله بكيانيتها  كما وجدت اصلا، فرعونيا تالهيا، قبل ان تخترق ابراهيما مع دخول بنيتها الازدواج المفهومي المجتمعي.

ويبرز هنا اشكال مهمل وغير مقارب لذات الاسباب التوهميه، فالمجتمعات البشرية تبلورت ابتداء في هذا الجزء من المعمورة باعتبارها مجتمعات انهار ثلاثة، اثنان منهما في ارض الرافدين، وواحد في ارض النيل، اشتراطات كل منهما مباينه للاخر كليا، ونمطيا نوعا، فالنيل نهر موافق للدورة الزراعية بفيض في الوقت المطلوب، والحدود التي الى يمين وشمال وغرب الوادي الاخضر محمية بالصحارى، مايكرس فعليا كل اسباب تشكل المجتمع في الدولة، واستقرارها ضمن العزلة، ويحصر فعاليتها المجتمعية  ودينامياتها ضمن حدودها باعتبارها كيانيه محلوية "وطنيه"، بينما تقوم الحياة المجتمعية في ارض سومر تحت وطاة بيئة طارده كليا، تكاد تضع المنتجين هنا تحت طائلة الفنائية بفعل النهرين المخالفين للدورة الزراعه، والمدمرين العاتيين فيضانا  لاضابط له، والمناخ المجافي، والحدود الانصبابية اقواميا  من دون توقف، باتجاه ارض الخصب، من الشرق والشمال والغرب، حيث الجبال الجرداء والصحارى، مايضع المجتمعية هنا امام مجابهتين  ساحقتين دائمتين، الاولى مع البيئة حيث اللقمه تؤخد من فم الاسد، والثانيه احتراب لايتوقف بداهة بسبب النوع المجتمعي المختلف كليا الذي تفرضه الاولى، جوهره الافناء لان الهابط من اعلى، ومن الجهات  الثلاث من الاقوام، هي نمطية مجتمعية / اخرى/ نوعا وبيئيا، بينما تكون ارض سومر ومجتمعيتها " لاارضوية"، مايجعل الهبوط الاقوامي المستمر مولدا لحالة اصطراعية افنائية ازدواجية دائمه.

ضمن مثل هذه الاليات  تتشكل الكيانيه في هذا الموضع النهري  كونيا، مقابل النيلي الذاتوي الكيانوي الارضوي  بلا ديناميات اصطراعية، سكوني تكراري، يقابله حضور اخر مباين كليا، كوني امبراطوريا ونموذجا تعبيريا، مضادا للافنائية القصوى في حال توفر اسبابها للامبراطوريات كما توفر لبابل، وتظل الاشكالية الكبرى التي تواكب هذا النمط المجتمعي الاساس البدئي  الاول على المستوى الكوني، قصورية الادراكية العقلية المتاحة والمتوفرة للعقل البشري ابان الطور اليدوي، وكونه  نتاج الوثبة الاولى الوسيطة الاعقالية، بعد مامر به الكائن البشري قبل الانتصاب على قائمتين واستعمال اليدين، من غياب للعقل تحت وطاة الحيوانيه، بانتظار الوثبة الثانيه المنتظرة من التفاعلية المجتمعية الراهنه، حيث التخلص الكلي من وطاة متبقيات الحيوانيه الحاجاتيه، واستقلال العقل، والاهم بما خص هذا الجانب هو قصوريته المجتمعية، ونكوصه عن مقاربة الحقيقة والنوع المجتمعي، لصالح النمط والنموذج الادنى المحلوي الوطني الذاتوي، مقابل الكوني، النمط الاعرق  الذي تذهب فيه الامبراطورية  الموكوله للاصطراع الازدواجي، باولى تجلياتها مع سرجون الاكدي2334/2297 قبل الميلاد، ومن نقطة بمنتهى الصغر في جنوب ارض مابين النهرين، الى احتلال عيلام شرقا،وساحل الشام والاناضول غربا، والعبور الى جزيرة كريت، ليصرح وقتها الامبراطور الاول في التاريخ "انا حاكم زوايا الديا الاربع" ف " العراق" المحلوي لاوجود له في مفهوم وعرف الامبراطوريات هنا، حسب مجمل التعبيرية الكونيه الازدواجية الرافدينيه، مثلما كان هارون الرشيد يخاطب الغيوم قائلا "امطري حيثما تشائين فانت في ارضي".

ونحن هنا امام وبمواجهة مسالة جوهريه من اهم واخطر قضايا المجتمعات وتشكلياتها وكيانويتها، حيث الغمط والالغاء الكلي للحقيقة المتعدية للطاقة الادراكية العقلية المتاحة راهنا، بما يحول الكيانيه الارضوية الوطنيه/ القومية الى "بداهة" تترسخ من دون اي توقف، فالمجتمعية تعني الوطنيه والدولة المتعارف عليها، وهي والحالة هذه وبما خص موضوعنا، مطابقة لحالة مصر كنموذجية وحيده طاغية، مثلما هي الحال اوربيا مع علو الديناميات المجتمعية الاصطر اعية الطبقية هناك، في حين لاوجود ولاسابق على الاطلاق لما يتصل بالكينونه المجتمعية الاخرى المقابلة، ولا لما كان ينبغي ان يكون وعيا بدئيا، كان المفترض ان يتأسس على قاعدة  كون المجتمعات تنشا بالاحرى في منطقة الشرق المتوسطي وتتبلور بصيغتين، الاولى لاارضوية كونية اصطراعية ازدواجية في مابين النهرين، تقابلها اخرى ارضوية كيانيوية احادية " وطنيه" في ارض النهر الواحد النيليه.

وتظل المسالة الكبرى الاصل، والتي تتجاوز ظاهرة مصر الحالية ومحمد علي، تتجلى اليوم ومع الانقلاب الالي المنبجس على الضفة الاخرى من المتوسط، كونه هو قد ظل من حيث الاستقبال العقلي للمتغير الجديد على المستوى الاعقالي، يدويا واحاديا، منظوره للمجتمعات  متوقف على النمطية الكيانوية المحلية الوطنية/ القومية التي تعزز حضورها ونموذجيتها اليوم الى ابعد مايمكن لها ان تبلغه، ب "الدولة الامه"، المطابق والمعزز شرق متوسطيا بالعموم للنموذجية المصرية العريقه على هذا الصعيد، فالالة اذ تحضر في الغرب الاوربي، يظل ينقصها جانب اساس وهو الاهم، يبقى غائبا الى اليوم،  ذلك هو الانتقال من الادراكية اليدوية الى الادراكية الالية.

***

عبد الامير الركابي

 

في المثقف اليوم