قضايا
نور محمد يوسف: هل هناك قوة غير مرئية تلعب دورها أثناء التفاوض؟
إن المفاوضات جزء شائع من الحياة اليومية، سواء في مكان العمل، أو في المنزل، أو في البيئات الدبلوماسية. إن القدرة على التفاوض بشكل فعال يمكن أن تؤدي إلى نتائج ناجحة، ولكن هل هناك قوة غير مرئية تلعب دورا عندما يجتمع الناس على طاولة المفاوضات؟ لقد أثار هذا السؤال الكثير من الجدل بين الخبراء في مجال نظرية التفاوض.
تشير إحدى المدارس الفكرية إلى وجود قوة غير مرئية تلعب دوراً أثناء المفاوضات. وقد تتجلى هذه القوة في شكل ديناميكيات قوة غير معلنة، أو أجندات خفية، أو تحيزات ضمنية تؤثر على مسار المفاوضات. على سبيل المثال، قد يسيطر المفاوض على نظيره بسبب مكانته أو سلطته أو علاقته بالقضية المطروحة. يمكن لهذه العوامل الأساسية أن تؤثر على المفاوضات في اتجاه معين، وأحيانا دون أن يدرك أي من الطرفين ذلك تماما.
على العكس من ذلك، يزعم آخرون أن فكرة القوة غير المرئية هي مجرد أسطورة، وأن المفاوضات تستند بحتة إلى الأفعال والتفاعلات الملحوظة للأطراف المعنية. وفقًا لهذا المنظور، فإن المفاوضات هي عملية مباشرة من الأخذ والعطاء، حيث يأتي كل طرف إلى الطاولة بمصالحه ويحاول إيجاد أرضية مشتركة من خلال التواصل المفتوح والتسوية.
ومع ذلك، حتى أولئك الذين يرفضون فكرة القوة غير المرئية يعترفون بأهمية فهم علم النفس وراء المفاوضات. يمكن أن تلعب العواطف والتحيزات والإرشادات المعرفية دورا في تشكيل نتائج المفاوضات، حتى لو لم تكن واضحة على الفور. على سبيل المثال، يمكن أن تؤثر عواطف المفاوض على عملية اتخاذ القرار، مما يدفعه إلى اتخاذ خيارات قد لا تكون في مصلحته على المدى الطويل.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تعمل الاختلافات الثقافية أيضًا كقوة خفية على طاولة المفاوضات. تتمتع الثقافات المختلفة بمعايير وقيم متفاوتة يمكن أن تؤثر على كيفية إجراء المفاوضات وإدراكها. على سبيل المثال، قد يتعارض المفاوض من ثقافة تقدر التواصل المباشر مع نظيره من ثقافة تعطي الأولوية للتواصل غير المباشر، مما يؤدي إلى سوء الفهم والانهيارات المحتملة في عملية التفاوض.
وعلاوة على ذلك، يمكن أن تلعب ديناميكيات القوة أيضًا دورًا مهمًا في المفاوضات، سواء تم الاعتراف بها أم لا. إن أولئك الذين يتمتعون بسلطة أكبر، سواء كان ذلك بسبب مناصبهم أو مواردهم أو خبرتهم، قد يكون لهم تأثير أكبر على المفاوضات. ويمكن استخدام هذه السلطة لصالحهم، وتشكيل نتيجة المفاوضات بطريقة ترضي مصالحهم إلى حد أكبر.
وهناك جانب آخر من جوانب المفاوضات حيث قد تلعب الحدس والمشاعر دورا غير مرئي، ففي حين يعتمد العديد من المفاوضين على اتخاذ القرارات العقلانية والتفكير المنطقي، هناك أيضًا مكان للحدس والغريزة في عملية التفاوض. يمكن لهذه العوامل اللاواعية أن توجه المفاوضين في اتخاذ خيارات قد لا تكون واضحة على الفور ولكنها تؤدي في النهاية إلى نتائج ناجحة.
وعلاوة على ذلك، يمكن لسياق المفاوضات نفسه أن يعمل كقوة غير مرئية على طاولة المفاوضات. يمكن لعوامل مثل القيود الزمنية والضغوط الخارجية ووجود أطراف ثالثة أن تؤثر على عملية التفاوض ونتائجها. على سبيل المثال، قد يشعر المفاوض بأنه مجبر على تقديم تنازلات أو التوصل إلى اتفاق بسرعة بسبب المواعيد النهائية الوشيكة أو التهديد بالمنافسة من الأطراف الأخرى المشاركة.
ورغم أن فكرة وجود قوة غير مرئية على طاولة المفاوضات قد تكون موضع جدل، فمن الواضح أن هناك العديد من العوامل الخفية التي قد تؤثر على عملية التفاوض ونتائجها. فمن ديناميكيات القوة والتأثيرات العاطفية إلى الاختلافات الثقافية والضغوط الخارجية، يمكن لهذه القوى الخفية أن تشكل مسار المفاوضات بطرق قد لا تكون واضحة على الفور. ومن خلال التعرف على هذه القوى الخفية وفهمها، يمكن للمفاوضين أن يتعاملوا بشكل أفضل مع تعقيدات طاولة المفاوضات والعمل على التوصل إلى اتفاقيات مفيدة للطرفين.
***
نور محمد يوسف
.......................
المراجع
1. Galinsky, A. D., & Mussweiler, T. (2001). First offers as anchors: The role of perspective-taking and negotiator focus. Journal of Personality and Social Psychology, 81(4), 657–669.
2. Kray, L. J., Galinsky, A. D., & Thompson, L. (2002). Reversing the gender gap in negotiations: An exploration of stereotype regeneration. Organizational Behavior and Human Decision Processes, 87(2), 386–409.
3. Cialdini, R. (2009). Influence: The Psychology of Persuasion. New York: Harper Business.
4. Bazerman, M., & Neale, M. (1992). Negotiating Rationally. New York: Free Press.
5. Pink, D. (2011). To Sell is Human: The Surprising Truth About Persuading, Convincing, and Influencing Others. New York: Riverhead Books.
6. Cialdini, R. B. (2007). "Influence: The psychology of persuasion." New York, NY: Harper Business - Loewenstein, G., & Lerner