قضايا
غريب دوحي: التطرف الديني.. لماذا؟
سواء كان التطرف قوميا او دينيا فالاثنان وجهان لعملة واحدة والنتيجة واحدة هي العنف والارهاب والتدمير، فالتطرف والتعصب والتمييز مرادفات لشيء واحد عرفته البشرية منذ النشأة الاولى لها ومشى في مفاصلها حتى اليوم وقد اهتم علماء الاجتماع والسياسة بمسألة التعصب والتطرف ووضعوا لها التعاريف التي تحدد مفهومها كما شرحوا أسبابها ونتائجها على الحضارة الانسانية ورقيها في سلم الصعود نحو الأفضل.
فالمتطرف "هو عضو الحزب المتمسك بحرفية مبادئ أي مذهب سياسي والقائل باتخاذ اشد القرارات والمنادي بأعنف التدابير وأقساها" "القاموس السياسي والاقتصادي، إعداد مهدي الزبيدي ص18.
وينتج عن التطرف الغلو.. "وهو موقف مبالغ فيه يقفه إنسان من قضية عامة او خاصة بشكل متطرف يتجاوز فيه حدود المألوف والمعقول وهو نوعان، غلو ساذج يأتي نتيجة اندفاع عاطفي، وغلو واع نتيجة إدراك يعبر عنه بسلوك او اقوال.. "ألغلو والفرق المغالية في الحضارة الاسلامية عبد الله سلوم، ص15.
ويؤدي التطرف الى العنف والحرب العقائدية التي تحارب من داخل العقيدة وباسمها وهي عبارة عن صراع بين القديم والجديد وهي أخطر أنواع الحروب لذا يعد التطرف الديني آفة جميع الأديان السماوية منها والوضعية فقد شهدت الديانة اليهودية فرقا متطرفة ابتعدت عن جادة الدين الذي جاء به النبي موسى مثل الفرقة "الفريسية" التي يعد اليهود مبادءها عبارة عن هرطقة لأنهم جاءوا بكثير من البدع الجديدة التي ليست من الدين اليهودي وكذلك المسيحية التي شهدت صراعات عنيفة رغم ان مبادئ هذا الدين سلمية شعارها المحبة والاخاء كما دعا الاسلام؟ الى الرحمة والتسامح.
كما جاء في بعض الايات القرآنية "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" أو "لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". وينسب الى النبي محمد قوله "إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين".
ولكن التطرف يعد آفة الأديان كلها والتيارات والأحزاب السياسية التي جنحت الى يمين ويسار هذا معتدل وهذا متطرف وذاك وسط وهكذا.
لقد درس علماء النفس والاجتماع اسباب التطرف وأرجعوه الى: عامل التنشئة الاولى اي التربية البيتية (العائلية) التي ينشأ الفرد خلالها ويتلقى معلوماته الاولية منها، كذلك يكون التطرف كرد فعل لتطرف مقابل وما ينتج عنه من جمود فكري وعقائدي في البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الانسان حيث تتولد تراكمات دينية ومذهبية تتحكم بعقلية وسلوكية من يؤمن بها وتترسخ بمرور الزمن وقد تتجاوز هذه العقائد الحدود ويصدر صاحبها احكاما على الآخرين بالكفر والردة ويعد عمله هذا جهادا في سبيل الدين، كما يلجأ المتطرف الى انتقاء آيات واحاديث?معينة للبرهنة على صحة آرائه.
والتطرف الديني ظاهرة لها ابعادها الفكرية والسياسية فقد نشأ الفكر التكفيري في العالم العربي كرد فعل لهزيمة العرب المسلمين في حرب حزيران 1967 حيث ظهرت في مصر جماعة (التكفير والهجرة) التي كفرت جميع المسلمين واصبحت تياراً سياسياً خطيراً هدفه إحداث تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية في بنية المجتمع المصري اولا والاسلامي ثانياً.
وقد لوح هؤلاء بفكرة ما يسمى (الحل الاسلامي) باعتباره الحل الأفضل لجميع المشاكل التي يعاني منها المسلمون في جميع ارجاء العالم العربي والاسلامي حتى تحول هذا التطرف الاسلامي الى منظمات ارهابية تبيح العنف وسفك الدماء وتعتبره نوعا من الجهاد الذي يوصل صاحبه الى الجنة وامتدت هذه المنظمات الارهابية في شرق الأرض وغربها كمنظمة (طالبان) و(القاعدة) و(بوكو حرام) و(جيش الرب) وغيرها من المنظمات التي أخذت تعيث في الارض فسادا تستمد عزمها مادياً ومعنويا من منابع الارهاب العالمي الثلاثة وهي الولايات المتحدة الامريكية والسعود?ة واسرائيل لا بهدف خلق دولة اسلامية كما يزعمون بل لزعزعة الوضع الدولي وخلق مناخ ملائم لنمو الرأسمالية العالمية وسيطرتها على العالم وتسييره وفقا لمصالحها بعد زوال الاتحاد السوفيتي وبقاء القطب الواحد الذي يحاول الهيمنة على كل مقدرات الشعوب والتحكم في مستقبلها ومنها الشعب العراقي الذي كان نصيبه من هذا التآمر الدولي ان خضعت اجزاء كبيرة ومهمة من ارضه الى سيطرة منظمة ارهابية لا دين لها ولا تاريخ ولا حضارة بل هي على الضد من هذا كله.
ويعتبر التسامح والتسويات نقيضاً للتطرف والتعصب وقد أولى علماء الاجتماع هذه الامور اهتماما كبيرا (فقد ألف عالم الاجتماع والفيلسوف الانكليزي جون لوك كتابا في التسامح ضد المناخ الطائفي الفكري المصاحب للاضطهاد الديني في القرن السابع عشر فكرته المحورية تدور حول مسألتين احداهما دفاع عن الليبرالية في السياسة والدين والاخرى دفاع عن التسامح الديني ومحدودية العقل الإنساني التي لا تسمح لأحد بفرض عقيدته على الآخرين..) "ألمعجم الفلسفي، مراد وهبه، ص 194" وبذلك تكون التسوية كما جاء في "الموسوعة السياسية العربية للدراسات والنشر، عبدالوهاب الكيالي 1974.." الوصول الى اتفاق بين الافراد او الجماعات او الدول في سبيل فض المشكلة والتصالح والوساطة وهي احدى سبل التسوية الودية، حيث يكون فض النزاع بالطرق السمية دون اللجوء الى الاكراه والقوة". لقد دعا الاسلام الى اللاعنف وأكد على مبدأ السلام عبر العديد من الآيات القرانية مثل "يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة"، "وان جنحوا للسلم فاجنح لها" كما دعا القران الى التسامح والعفو "فاعف عنهم واصفح ان الله يحب المحسنين" كما حارب الاسلام الحمية العصبية والعنصرية التي كانت سائدة في العص? الذي سبق الاسلام ".
ويعد الدين المسيحي اكثر الاديان تسامحاً فمنذ نشأته الأولى بشر بالمحبة والتعايش السلمي ونبذ التطرف والعنف وقد تجسد هذا في موقف المسيح من بطرس اثناء القبض عليه حيث استل بطرس سيفه وضرب رئيس الكهنة فما كان من المسيح ان انتهره قائلا له: ان حمل السيف ليس اسلوبنا، أسلوبنا هو الكلام الهادئ اللين ومقارعة الحجة بالحجة والدليل بالبرهان، وقال له في هدوء "رد سيفك الى مكانه لان كل الذين يأخذون بالسيف يهلكون"
كما بشر المسيح بالمحبة والتسامح قائلا.. "أحبوا أعداءكم وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردوكم.." إنجيل لوقا.
وجاء في الإصحاح الخامس.. "من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر، ومن اراد ان يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا، ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين ومن سألك فأعطه ومن أراد ان يقترض منك فلا نرده..".
إذا هذه رسالة سلام ومحبة وتعايش سلمي خالية من التطرف والتعصب والعداوة، رسالة تجسدت فيها كل معالم الانسانية.
***
غريب دوحي