قضايا
مجيد ملوك السامرائي: التخطيط الإقليمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي
التنمية المستدامة مفهوم اقتصادي اجتماعي أممي، رسمت بموجبة الأمم المتحدة خارطة للتنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية على مستوى العالم، هدفها الأول؛ تحسين الظروف المعيشية لكل فرد في المجتمع وتطوير وسائل الإنتاج وأساليبه وإدارتها باساليب لا تؤدي إلى استنزاف موارد كوكب الأرض، وتتناول عملية التنمية والتطوير في اي إقليم تداخل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإقامة الوحدات الإنتاجية الخدمية والصحية والتعليمية، إضافة الى الاحتياجات العمرانية وبناها التحتية.
التنمية المستدامة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية تستهدف النمو اقتصادي المستدام والتنمية الاجتماعية المستدامة والحماية المستدامة للبيئة ولمصادر الثروة الطبيعية، وهذا يعنى أن تكون هناك نظرة شاملة عند إعداد استراتيجيات التنمية المستدامة، تراعى فيها تلك الأبعاد الثلاثة، مما يجعلها تساهم في ديمومة التنمية بمفهومها الشامل، والتنمية المستدامة خطة لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع، والتصدى للتحديات المتعلقة بالفقر وعدم المساواة والتدهور المناخي والبيئي.
يتم تحقيق ما تقدم بأعتماد التخطيط الاقليمي الذي ينبثق من التخطيط الشامل ويحدد الخطوط العريضة التي تتوجه نحو الإقليم لتطويره اقتصادياً واجتماعياً خلال الفترة المحددة لتنفيذ المخطط، ويتم ذلك عن طريق الترابط والتكامل بين ما تسفر عنه الدراسات العديدة للعناصر الأساسية الخاصة بكل إقليم كالبيئة الطبيعية ومصادر الطاقة والموارد البشرية، والتخطيط الاقليمي عملية سياسة تتصدر لها مؤسسات الدولة عبر قراراتها التي تستهدف القطاع الزراعي والصناعي والتجاري والعمراني والسكاني، ويعتمد إجراء البحوث العلمية العملية والدراسات الميدانية المختلفة لترتيب وتنظم استعمالات الأرض وفقا لمراحل تتبع الواحد سابقتها أبتداء من؛ رسم السياسات العامة، والمسح الشامل لجمع البيانات والمعلومات والبحوث الميدانية، ثم تبويب وتحليل البيانات، والتصميم العام للخطة، ثم تنفيذها، مع التقييم المستدام لها، والتخطيط الإقليمي أسلوب علمي لحل مشاكل الإقليم اقتصادياً واجتماعياً وعمرانياً، ومنهجا يهدف إلى حصر ودراسة كافة الإمكانيات والموارد المتوفرة، وتحديد كيفية استغلالها لتحقيق الأهداف المرجوة خلال فترة زمنية معينة (وإن كانت النظرية الحديثة للتخطيط عملية مستمرة لا ترتبط بفترة زمنية معينة)، وبذلك فأن التخطيط الإقليمي علم وفن وسياسية لاعتماد البحوث العلمية والدراسات الميدانية المختلفة وهو فن لأنه يرتب وينظم استعمالات الأرض داخل الإقليم، وهو توجه سياسي لكون السلطات العامة في الدولة هي التي تصدر قراراتها بتنفيذ بنود خطط التطوير الإقليمية الشاملة للدولة بهدف إيجاد نوع من التوازن بين الأقاليم والتخلص من ظاهرة الاختلال الإقليمي، ويكون ذلك عن طريق تضييق الفجوات بين المناطق المختلفة بالرغم من ان حالة التوازن المثلى عملية ليس يسيرة المنال بحكم الديناميكية المميزة لمختلف البيئات.
إن عملية تنمية وتطوير أحد الأقاليم تحتاج إلى اهتمامات متداخلة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتتطلب عناية خاصة من نواحي عديدة كالعمران وإقامة الوحدات الإنتاجية الخدمية والصحية والتعليمية، بمعنى وضع الخطط التفصيلية ومنها التخطيط الصناعي لإقامة صناعة جديدة في إقليم معين مع احتياجاتها في الجوانب العمرانية والبشرية، والتخطيط الزراعي للتوسع الأفقي بزيادة مساحة الرقعة الزراعية والتوسع الرأسي لزيادة الغلة الزراعية للأرض وتحسين إنتاجيتها. واهم مراحل التخطيط الإقليمي مرحلة رسم السياسات العامة للتنمية الاقليمية، ثم تأتي المرحلة الثانية المسح الشامل بجمع البيانات والمعلومات والبحوث الميدانية بهدف الكشف عن إمكانات الإقليم الطبيعية أو البشرية وكيفية استغلالها، والمرحلة الثالثة تحليل البيانات وتعد هذه المرحلة أولى مراحل وضع خطة التنمية الإقليمية عملياً، والمرحلة الرابعة التصميم العام للخطة الإقليمية، والمرحلة الخامسة تنفيذ الخطة. [1]
أن خطط التنمية الإقليمية وثائق تحتوي على معلومات وبيانات شاملة عن الإقليم المستهدف وتحدد الأهداف والإستراتيجيات والسياسات اللازمة وتتطلب؛ تحليل استخدامات الأراضي كما تتضمن دراسة أنماط استخدام الأراضي في المنطقة وتحديد المناطق التي يجب الحفاظ عليها أو تطويرها أو إعادة تطويرها، ثم رسم خرائط نظم المعلومات الجغرافية التي تساعد المخططين على تحليل البيانات وإنشاء خرائط توضح الأنماط والاتجاهات [2]. إضافة الى دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية، والرصد والتقييم الإقليمي المتواصل.
تتطلب أدوات التخطيط الإقليمي وبياناته الوثائقية الوصفية والمنطقية الاحصائية الرقمية وتحليل تلك البيانات وإنشاء خرائط نظم المعلومات الجغرافية تتطلب جميعها؛ جهودا فنية وتكنولوجية متعددة بهامش زمني محدد، لذلك فأن هنالك ضرورة قصوى لأعتماد التطبيقات المناسبة للذكاء الاصطناعي لدوره في تنمية المجتمعات ومساهمته في تحقيق التنمية المستدامة وبالتالي مواكبته ومساهمته وتأثيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستهدفه بالتخطيط الإقليمي وذلك لان البشرية تمر من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي بلحظة تاريخية فريدة من نوعها وبمرحلة إنتقالية من الاقتصاد الحالي إلى الاقتصاد الذي تحدده مجموعة جديدة من التقنيات تتراوح مابين التكنولوجيا الرقمية وبين التكنولوجيا متناهية الدقة.
يقصد الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (AI) علوم الكمبيوتر الخاصة بإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات المعرفية المرتبطة بالذكاء البشري، ويمكن لأي مؤسسة دمج إمكانات الذكاء الاصطناعي في تطبيقاتها للمزيد من التطوير والتحسين لمختلف عملياتها كما يمكنه معالجة المعلومات على نطاق واسع عن طريق تحديد المعلومات وتقديم الإجابات، مع إمكانية إتخاذ القرارات الأكثر ذكاءً لتحسين إنجاز الأعمال والتنبؤ بالقيم المستقبلية لأي بيانات، وتعمل الدول بحكوماتها على تعزيز الأبتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، وإنشاء الأطر التنظيمة له، مع دمجه في خطط التنمية المستدامة/ التخطيط الإقليمي والامن الوطني والخدمات العامة، ومع ذلك فإن فهم كيفية إعتماده والاستعداد لتطبيقة بفعالية لا زال يشكل تحديًا في العديد من دول العالم لمختلف الأسباب. والسؤال هو كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية المستدامة؟ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفتح فرصًا هائلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ حيث تتيح تطبيقاته العديدة والمتسارعة حلولًا مبتكرة وتقييمًا محسنًا للمخاطر وتخطيطًا إقليميا أفضل بمشاركة أسرع للمعرفة عبر إطلاق قيمة البيانات الضخمة لإنتاج مخرجات إبداعية مبتكرة عالية الجودة من أجل اتخاذ مزيد من القرارات بناءً على مُدخلات البيانات وفي ذات وقت الادخال والتي يمكن أن تؤدي الى تسريع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. [3]وبذلك فأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي السريعة توفر إمكانات التطور بأتاحة الفرصً الجديدة لإطلاق قيمة البيانات الضخمة من أجل اتخاذ مزيد من القرارات المستندة إلى الأدلة التي يمكن أن تقوم بتسريع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ينبغي أبتداء الكشف عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي _ سواء بنماذجها المستحدثة السريعة التطور مثل برامج "ChatGPT"، أم تلك التي يتم تفعيلها بأستمرار ضمن البرمجيات الفاعلة مثل نظم "GIS"، ونظام"GPS" في كافة مراحل التخطيط الإقليمي والتي تتوافق وتتزامن مع تزايد تطبيقات الذكاء في مفاصل كل قطاع مستهدف من التخطيط الإقليمي. [4] وبخلاف ذلك تتصعب كافة الخطوات المرتبطه ببعضها، ولذلك لايمكن ان تستخدم تطبيقات الذكاء لايجاد الحلول المبتكره بالتنبوء، وفي ذات الوقت تكون القطاعات المستهدفة مفتقرة لاستخدم تطبيقات الذكاء.
***
د. مجيد ملوك السامرائي، كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي.
...............
المراجع:
.1فؤاد بن غضبان، مدخل الى التخطيط الاقليمي والحضري، واخرون، كوكب المنى، 2023.
2. مجـيد مـلـوك السـامـرائي، جغرافية- تكنولوجيا المعلوماتيه وتطبيقات التقنيات الكمية، دار اليازوري العلمية ، عمان،2022. www.yazori.com , www.neelwafurat.com
https://www.un.org/ar/208258 3.
4. مجيد ملوك السامرائي، الذكاء الاصطناعي وإستراتيجياته العالمية، شبكة الألوكة، 14/3/2024. https://www.alukah.net