قضايا
كلي رازن: رحيل انتوني نياغري الفيلسوف الثائر
بقلم: كلي رازن
ترجمة بتصرف: علي حمدان
***
انطونيو نياغرا (Antonio Negri) فيلسوف إيطالي كتاباته ونشاطاته الداعية الى ثورة عمالية جديدة، أدت الى سجنه في عام ,1979 وبعد عقدين من ذلك اصبح مفكرا عالميا مشهورا عندما اصدر كتابه "الإمبراطورية"، لقد تم الترحيب بالكتاب باعتباره البيان الشيوعي الجديد، توفى يوم السبت 22 ديسمبر، ,2023عن عمر يناهز 90 عاما.
خلال مسيرته المهنية، كان السيد نياغري من بين المفكرين الاكاديميين القلائل الذين استطاعوا بموهبتهم وجاذبيتهم لجعل أفكارهم متاحة للجمهور الواسع.
كشخصية بارزة في حركة Potere Operio سلطة العمال في ستينات وسبعينات القرن الماضي، الهم اتباعه ليس فقط بمقالاته القوية ولكن أيضا باستعداده للخروج الى الشوارع والمصانع في مدن شمال إيطاليا، وتنظيم العمال والدعوة الى الثورة.
"الإمبراطورية" (2000) الذي تم تأليفه مع مايكل هاردت، أستاذ الادب في جامعة دوك Duke، فعل شيئا مماثلا لجيل جديد من اليسار، حيث قدم ما وجده الكثيرون تفسيرا ماركسيا مقنعا للعولمة بعد الحرب الباردة.
على رغم اللغة الاكاديمية الكثيفة واكثر من ما يقرب من 500 صفحة ، الا انه حقق نجاحا فوريا، وقد تم ترجمة الكتاب الى اثنى عشرة لغة، وتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعا في صحيفة واشنطن بوست وغيرها من الصحف. وضمن للسيد نياغري مكانا دائما بين المثقفين التقدميين العالميين، بصحبة شخصيات مثل نعوم شومسكي وسلافوي جيجيك.
برز السيد نياغري كشخصية فكرية بارزة في إيطاليا في اواخر ستينات القرن الماضي، عندما كان أستاذا للفلسفة في جامعة بادوفا. كان جيل ما بعد الحرب قد بلغ سن الرشد، وكان الكثيرون في اليسار يبحثون عن إجابات جديدة تتجاوز الاشتراكية التقليدية وشيوعية ابائهم.
نياغري لم يكتف بالبقاء في الفصل الدراسي، فقد ساعد في تنظيم Potere Operaio، وهي حركة تجاوزت ايديولوجيتها سياسات العمل الشيوعية التقليدية، للدعوة الى انهاء العمل المأجور نفسه.
" كنا نقف امام المصانع في الساعة 5 صباحا" قال في مقابلة مع "أنطونيو نياغري: ثورة لا تنتهي" وهو فيلم وثائقي عام 2004 عن حياته المهنية، من اخراج اندرياس بليشلر والكسندرا ويلتز، بعد ذلك كنت استقل السيارة الى بادوفا، واربط ربطة عنقي واعيش حياتي الاكاديمية".
اكتسبت الحركة عنفوانها في عام 1969، عندما انفجرت سلسلة من الاضرابات العنيفة في بعض المصانع في المدن الصناعية مثل تورينو، وكذلك معارك شوارع في روما وميلانو، لقد ايد السيد نياغري كل تلك الاحداث متحدثا عن "افق ثوري" وشيك وخاصة بتضامن مجموعات مثل مجموعته مع الحركات الاجتماعية الأخرى، مثل الحركة النسوية، لإحداث تغيير جذري.
قاومت الحكومة الإيطالية، في بعض الأحيان بالتحالف مع المنظمات الفاشية الجديدة، مما أدى الى اندلاع حرب شبه أهلية استمرت عقدا من الزمان والمعروفة في إيطاليا باسم سنوات الرصاص. وقامت الشرطة بقمع المتظاهرين وضربهم واعتقالهم، في حين شنت الجماعات شبه العسكرية هجمات تبدو وكان اليسار المتطرف هو المسؤول عنها، بما في ذلك تفجير عام 1969 في ميلانو الذي اسفر عن مقتل 16 شخصا. استمر عنف اليسار الذي لم يدينه السيد نياغري ولم يناصره أيضا. في عام 1978، اختطف فصيل منشق الالوية الحمراء، الدو مورو، رئيس الوزراء السابق الذي كان رئيسا للحزب الديمقراطي المسيحي، وبعد ما يقرب من شهرين، تم العثور عليه مقتولا.
اعتقلت الشرطة عشرات النشطاء اليساريين، بمن فيهم نياغري في عام 1979، الذي اقتيد الى سجن شديد الحراسة في روما، اتهم في الأصل بقيادة الالوية الحمراء والمساعدة في تنظيم عملية الاختطاف، واحتجز لمدة اربع سنوات دون محاكمة.
خلال ذلك الوقت عاد الى الكتابة، واصدر عدة مقالات طويلة عن الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا، كما بدا في إعادة التفكير في بعض افتراضاته الأساسية حول الماركسية.
في عام 1983، تم انتخابه للبرلمان على قائمة الحزب الراديكالي، وهي نتيجة منحته الحصانة من الملاحقة القضائية. ولكن بعد ان صوت البرلمان على رفع الحصانة، اتهمه المدعون العامون بجريمتي قتل لا علاقة لها بمقتل مورو، وكذلك بكتابة مواد تحريضية. واسقطت التهم المتعلقة تحديدا بقضية مورو لعدم كفاية الأدلة.
فر السيد نياغري الى فرنسا التي رفضت تسليمه. بقى يحاضر في فرنسا واصبح صديقا مع منظرين مثل جيل دولوز وفيليكس غوتاري.
كما التقى بالسيد هاردت الذي كان يعيش وقتها في باريس. اعتقد كلاهما ان نهاية الحرب الباردة دعت الى اطار ماركسي جديد للتحليل، اطار يفسر ما اعتبراه ضعف الدولة القومية في مواجهة راس المال العالمي. كانت اطروحتهم هو ما اسموه "الإمبراطورية"، ليس كيانا او مكانا واحدا، بل شكلا سائلا وخاضعا للرقابة من هياكل السلطة التي تتحرك بسهولة بين الحكومات والشركات والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي.
الإمبراطورية، كما كتبا في كتابهم الذي يحمل نفس العنوان، ليس ببساطة نتاج للقهر الرأسمالي انما في الواقع هو البنية التي يتمثل فيها القهر الرأسمالي، والتي أيضا تنبثق فيها اشكال جديدة من المقاومة. وكتبا " تخلق الإمبراطورية إمكانات اكبر للثورة مما فعلت أنظمة السلطة الحديثة، لأنها تقدم لنا، الى جانب القيادة، مجموعة من تحالف جميع المستغلين والمقهورين، جمهور يعارض الإمبراطورية بشكل مباشر، دون وساطة بينهما.
السيد نياغري عاد الى إيطاليا في عام 1997 معتقدا انه سيحصل على البراءة ، وعوضا عن ذلك تم سجنه، بالتعاون مع السيد هاردت انهى الكتاب وهو في السجن عام 2000. اصدار "الإمبراطورية" كان في الوقت المناسب حيت كانت تعم الاحتجاجات والمظاهرات في انحاء العالم ضد صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية ومجموعة السبع الصناعية. في وقت ما على ما يبدو، كان لدى أي طالب دراسات عليا يحترم نفسه في العلوم الانسانية نسخة من "الامبراطورية " حاضرة على الرف بصحبة "راس المال" لكارل ماركس وكتب جوديث بتلر.
"ما قام به هاردت ونياغري ليس اكثر من إعادة كتابة للبيان الشيوعي ليتماشى مع عصرنا الحاضر" ذلك ما كتبه السيد جيجيك في مراجعة للكتاب.
تم اطلاق سراح السيد نياغري من السجن عام 2003، استمر هو والسيد هاردت في كتابة جزأين ل" الإمبراطورية" – "التعددية: الحرب والديمقراطية في عصر الإمبراطورية" ( 2004) و"الكومنولث" (2009). وكلا الكتابين محاولة لتحديد وسائل المقاومة ضد راس المال المعولم. لم يكن السيد نياغري دون نقد حتى من قبل اليسا، حيث زعم البعض انه و السيد هاردت قللا من الأهمية المستمرة للدولة القومية، على سبيل المثال في الحرب الروسية الأوكرانية او التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
لكن أنصاره يقولون ان عمله يمكن ان ينظر اليه أيضا على انه جزء من فهم متطور لتعقيدات مجتمع القرن الحادي والعشرين، حيث تتمتع كل من الشركات والحكومات بالقدرة على تغيير الجغرافيا السياسية. في حين ان الحركات الشعبية العالمية يمكن ان تظهر بين عشية وضحاها وتغير العالم.
***
..........................
Clay Risen
New York Times
Dec, 22, 2023