قضايا
غيضان السيد علي: بورشاشن والدعوة إلى استئناف التفلسف الإسلامي
يتبنى الأكاديمي المغربي الأستاذ إبراهيم بورشاشن مشروعًا فكريًا تجدر الإشارة إليه؛ حيث إنَّه يدعو إلى ضرورة استئناف التفلسف الإسلامي الذي توقف- تقريبًا- في القرن الثاني عشر الميلادي، بالعودة إلى الجذور العقلانية في تراثنا الفلسفي من خلال إحياء تراث مجموعة من الفلاسفة التنويريين الكبار في تاريخ الفلسفة الإسلامية من أمثال: الكندي، الفارابي، ابن سينا، الغزالي، ابن باجة، ابن طفيل، ابن رشد.
وقد عمل بورشاشن على إحياء هذا التراث، مؤمنًا بأهمية مشروعه، بطريقين متوازيين؛ الأول: من خلال كتاباته الغزيرة سواء أكانت كتبًا أو مقالات، وقد راعى فيها الأسلوب الفلسفي الأدبي الجمالي؛ الذي لا يؤدي إلى تسطيح المعنى على حساب العمق الفلسفي، ولا يُعقّد المعنى فينفر منه القارئ، كما هو الحال في كثير من المؤلفات الفلسفية، ونجح في ذلك الأمر نجاحًا يحسب له، ولِمَ لا، فهو الشاعر الجهبذ صاحب الأسلوب البياني البديع الذي يظهر في دواوينه الشعرية المتتالية، من قبيل: "الطين المسجور"، و"إبحار في عيون الحوريات"، و"كنت نائمًا فانتبهت".
أمَّا الطريق الثاني فيتمثل في تلك الندوات التي يقدمها بورشاشن على موقع مركز الدراسات الفلسفية التابع لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، والتي قدم فيها عدة حلقات متلفزة، تمَّيز عرضه فيها بالسهل الممتنع؛ حيث أحاط بفلسفة فلاسفة الإسلام من معظم جوانبها بدءًا من الكندي وحتى ابن رشد في مجموعات حلقات أطلق عليها "فلاسفة مسلمون"، في عمق يشهد له بالتمكن من أفكار كل فيلسوف على حدة.
وهو في كل ذلك يضع هدفه الأساسي نصب عينيه، وهو ضرورة العودة بالعرب إلى التفلسف، فذاك هو سبيل التقدم واللحاق بالركب الحضاري. وقد أفرد بورشاشن مقالة خاصة لعوائق التفلسف، بيَّن فيها أن محنة الفلسفة لم تظهر في الحقيقة بسبب إفشاء أسرارها لغير أهلها كما ذهب البعض، بل لأنها لم تستطع أن تُنتج خطابًا تربويًا يقدم القضايا الفلسفية بشكل مبسط يمكن أن يرتقي بسهولة إلى مدارك العامة ومخيلتها. وأنَّه لو تم معالجة هذا الأمر لتغير الحال، ولم تعد الفلسفة تُصور في بلادنا – زورًا وبهتانًا- بأنها كفر وإلحاد، كما ادعى أعداؤها قديما من أمثال ابن الصلاح وغيره.
كما يدعو بورشاشن، في دعوة جريئة تحسب له، أن يعمل مفكرو الإسلام اليوم على تجسير الهوة بين الفلسفة والدين، من خلال النظر في قضايا الدين والشريعة نظرًا فلسفيًا، كما فعل فلاسفة الإسلام قديمًا، الذين تركوا لنا إرثًا عظيمًا يمكننا، عن طريق فهمه وهضمه جيدًا، أن نرفع راية التحدي اليوم لاستئناف الإبداع الفلسفي، وتحقيق الثورة الحضارية، والدخول إلى العصر من بابه الطبيعي الواسع. ومنا ثم كانت ضرورة إلقاء الضوء، من خلال هذه اللمحة الموجزة، على هذا المشروع الفكري المكين للأستاذ بورشاشن.
***
د. غيضان السيد علي (أكاديمي مصري)