آراء

رشيد الخيّون: الميليشيات تُسلم السّلاح.. لكن للمهدي!

يشغل السّياسة والإعلام هذه السَّاعة سلاح الميليشيات؛ أما الاسم عندها فهو «سِلاح المقاومة»؛ وحسب خطابها أنَّها جماعات عقائديَّة، لا يبدو أمرها بيدها، يظهر الانتماء في ما ترفعه مِن رايات ومصورات وشعارات، فهي مسألة غير مخفية، حتّى «مبدأ التّقية»، الذي مِن المفروض تؤمن به؛ لم يعد له وجود، لأنها القوة، و«التّقية» للضعيف أمام سلاحها. سمعتُ أكثر مِن قائد يقول: «لا نتخلى عن سلاحنا، والانضمام إلى الجيوش الرّسميَّة، لأنَّ هذا السّلاح ما سلحنا به الإمام المنتظر، فلا نسلمه إلا له وبأمره». فهو الذي أسسهم تمهيداً لظهوره، في أيّ لحظة.

يؤيد ذلك خطباء، مِن على منابرهم، يرسمون خرائط تحرك جيش المنتظر، وما الجماعات إلا بمثابة طلائعهِ. يضغط الأميركان، وتضغط الحكومات المبتلية، لنزع السّلاح وتوحيده بيد الدَّولة، وهذا هو الطّريق إلى إنعاش الاقتصاد وتطوير التعليم، لكن بسبب الجماعات مهددة تلك الدُّول بالحرب، وعقوبات مؤذية، وأيّ جماعة تستقل بالسّلاح تُشكل نداً، بحالٍ مِن الأحوال، للدولة. لا اعتراض على العقائد، مهما كانت، لا وجود المهدي ولا غيرها، مع أنَّ المصدر الأساس المفروض في العقائد والتشريع الدّيني هو كتاب القرآن، والقرآن لم يذكر شيئاً. ذكرتُ الكتاب الكريم، لا للنقض، فكلّ العقائد لها احترامها، ما زال هناك بشر يؤمنون بها، إنما لتوضيح أنّ الاختلاف في هذه العقيدة موجودٌ حتّى داخل المذهب نفسه، فالقرآن بالأخير برهان قاطع.

أنجز الباحث العِراقي القدير فالح مهدي، (1972) ببغداد، كتاباً قيماً عنوانه «البحث عن منقذ- دراسة مقارنة بين ثماني ديانات»؛ بينها العالمية المشهورة؛ وغيرها شرقاً وغرباً، لم يكن منقذ أحدها مسلحاً، ولا ظهرت منها جماعة تقول: سلاحنا هو سلاح المنقذ؛ وكذلك لم يقلها كبار المذهب الذي تؤمن به الجماعات المسلحة؛ فهي مجرد عقائد النّاس لا الدُّول، فلا الزَّرادشتيّة ولا البوذيّة، في التاريخ الغابر والحاضر، ولا غيرها مِن التي شملتها الدِّراسة، ادعت ذلك. مِن حقّ قادة الجماعات المسلحة اتخاذ عقيدة المنقذ لنفسها، الذي تراه، لكن وماذا عمَن يشاركهم الوطن، وهو لا يقرّ بهذه العقيدة؟ كذلك لا اعتراض على العجائبيَّة التي يطرحونها عبر الإعلام، إذا لم تتحول إلى سياسة مباشرة بقوة السّلاح، وهذا خراب للأوطان.

لا نلجأ إلى حُججِّ الآخرين لنقض هذا المنطق، إنما نلجأ إلى كبار مشائخ العقيدة المؤسسين أنفسهم، ولنرى ماذا يقولون في هذا الخِطاب؟ ينقل شيخ الطّائفة أبو جعفر الطُّوسي(تـ: 460هج)، وصية المهدي لنائبه الأخير عليّ السّمريّ(تـ: 329هـج): «عظم الله أجر إخوانك فيك؛ فإنّك ميتٌ ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توصِ إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك؛ فقد وقعت الغيبة التَّامة؛ فلا ظهور إلّا بإذن الله»(كتاب الغيبة). أقول: فأي أذن مِن الله في سلاح الجماعات وخطابهم؟ كذلك نقل الصَّاحب ابن عباد(تـ: 385هج) الآتي: «إن كلّ رايةٍ قبل راية قاعدهم الذي يسمَّونه قائماً، راية ضلالة»(كتاب الزَّيدية). ربّما لاختلاف المذهب لا يقرون برأي الصَّاحب الزَّيديّ المعتزليّ. لكن ماذا يقولون لأبرز رواة الحديث عندهم الشّيخ محمَّد الكُلينيّ(تـ: 329هج)، الذي عاش إرهاصات تشكيل العقيدة؟

قال: «كلُّ رايةٍ ترفع قبل قيام القائم، فصاحبها طاغوت، يعبد من دون الله»(الكلينيّ، كتاب الكافيّ). فيا أخوتنا نُقدر حماسكم وخيالاتكم، وأفتونا مأجورين، هل أنتم جادون بخطابكم هذا أمّ تكابرون؟ على حساب شعوبكم، التي تنشد أبسط مقومات الحياة ولم تجدها؛ والضَّغوط كما ترون على أشدها، فلا تجعلوا العقائد مشاجب لسلاحٍ أعيا النَّاس وأذلهم. عودوا إلى الواقع؛ صحيح أنَّ الخيالَ جميلٌ ومغرٍ، لكنَّ لا صِلة له بعمران الأوطان وكرامة الإنسان. أخذُ مِن أبي العلاء المعريّ(تـ: 449هج): «إذا قلتُ المحال رفعتُ صوتي/ وإنْ قلتُ اليقينَ أطلتُ همسي»(لزوم ما لا يلزم)؛ وأنتم يا سادة سفهتوا العقول بالمحال.

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

في المثقف اليوم