آراء

وليد كاصد الزيدي: كيف يصنع الإعلام انتخابات بلا حقيقة؟

إذا صدّقتَ كل ما يُقال في وسائل الإعلام عمومًا، وعن الانتخابات النيابية المقبلة في 2025 خصوصًا، فأنت ضيف دائم مخدوع في نشرات الأخبار والبرامج الحوارية.

لن أعود بعيدًا في أغوار التاريخ لكشف زيف الإعلام، ولكن سأبدأ من جوزيف غوبلز، وزير الدعاية السياسية في عهد هتلر، الذي قال: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الآخرون". ونظرًا لأهمية أفكاره وتأثيرها، فقد اهتم الدارسون بإرثه، وأطلقوا عليه "النظرية الغوبلزية".

وفي منطقتنا العربية، نجد مثالًا آخر على الإعلام المضلل. ففي مصر خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كان الإعلامي أحمد سعيد يبث عبر البيانات العسكرية تأكيدات على "انتصارات ساحقة" للجيوش العربية، بينما كانت الحقيقة تظهر تدريجيًا، كاشفة عن حجم الخسائر الفادحة. أعقب ذلك تنحي عبد الناصر وعودته إلى الحكم، وبقي اسم أحمد سعيد مرادفًا للكذب في نظر كثيرين. وقد صرح في أحد لقاءاته لاحقًا قائلاً: "العلاقة بين القوات المسلحة والإذاعة هي علاقة آمِرة، كأننا جنود في المعركة. تُملَى علينا البيانات ونُجبر على إذاعتها، مهما كانت مخالفة للواقع، وإلا فالعقوبة هي الإعدام!"

وقد وثّق الصحفي المصري ياسر بكر هذه الظاهرة في كتابه"صناعة الصحافة المصرية للكذب في نصف قرن".

أما في العراق، فلدينا المثال الأشهر: إعلام محمد سعيد الصحاف قبيل الغزو الأميركي عام 2003. كان الصحاف يرى الدبابات الأميركية بعينيه من فندق الميريديان وسط بغداد، لكنه يصرّ على أن "العلوج" قد تم دحرهم على أبواب المدينة! (العلج: وصف يُطلق على الأحمق الغليظ بدناً وعقلاً ومعاملة).

كان الرئيس الأمريكي بوش الابن مولعا بمتابعة المؤتمرات الصحفية للصحاف. وفي كل مرة كان يبدو بوش مندهشاً من تخريجات الصحاف، والسخرية من انتصارات أمريكا، بل كان لايأوي إلى فراشه إلاّ بعد أن يستمع إلى تصريحات الصحاف ثم يضحك ويشعر بالغبطة والسرور، وهذا النجاح هو ما جعل شركة غربية تبيع 5 ملايين فانيلة عليها صورة الصحاف ، ولم يتوقع أحد أن يُنقذ الصحاف نفسه بتلك الأكاذيب، لكن الأميركيين تعاملوا مع تصريحاته بوصفها مادة ساخرة للضحك، بل أحبوه بسببها!

قبل الخوض في هذا الموضوع أكثر فأكثر، لا بد من التفريق بين "المعلومة المغلوطة" و"الخبر الكاذب". في الأولى، يكون هناك جزء من الحقيقة يُضاف إليه جزء من التضليل، وغالبًا ما تُستخدم الإثارة والمبالغة. كتب كثير من الباحثين عن الكذب، أبرزهم الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، أستاذ "الكوليج دو فرانس"، الذي ألّف كتابًا بعنوان: "تاريخ الكذب".

وأعود إلى جوهر هذه المقالة: تشخيص واقع شراء السلطات الفاسدة في العراق ذمم أغلب وسائل الإعلام، وفي مقدمتها القنوات الفضائية. فمعظم هذه القنوات مملوكة لأحزاب السلطة التقليدية، أو لرجال أعمال يجعلون منها أبواقًا تمجّد تلك الأحزاب، ما دامت الأموال تتدفق، والعقود تُمنح، والتسهيلات تُقدَّم.

وعندما تُتهم هذه الوسائل، تردّ بوقاحة: "نحن لا نكذب، نحن نُجمّل!". لكن الحقيقة أن الواقع في إجازة... والبديل تُنتجه وسائل الإعلام. من فبركة العناوين إلى صناعة "الواقع البديل"، يُمارس الكذب على الهواء مباشرة، أو عبر الصحف والمواقع الإلكترونية!

وبات إطلاق الأخبار الكاذبة أسهل من أي وقت مضى: يكفي هاتف ذكي، واتصال بالإنترنت، وحساب على منصات التواصل الاجتماعي. ومن هناك نسمع ثرثرةً لا تميز بين "قانون انتخابات"، و"نظام التمثيل النسبي"، و"الصوت غير المتحول"، و"صيغة توزيع المقاعد سيئة الصيت: سانت ليغو"، فيحدث الخلط والبلبلة.

الخلاصة: إعلام زائف في أغلبه، ضجيجه أعلى من معلوماته، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من السوء في الانتخابات المقبلة.

***

د. وليد كاصد الزيدي

 

في المثقف اليوم