آراء

عبد الأمير الركابي: عراق بلا منظور وطني عراقي "ملحق"

 الرؤية "الوطن كونيه العراقية" القادمه

 تنقسم الكيانيه المجتمعية الى صنفين ونوعين بحسب النمطية البدئية وتباينها: كونية متعدية للكيانيه لاارضويا، وكيانوية محلية "وطنية"، هكذا وجدت بالاصل ومع اولى التبلورات المجتمعية في الشرق المتوسطي نهريا، مابين كيانيه وطنيه هي النيلية المصرية، واخرى متعدية للكيانيه في ارض مابين النهرين، مايعني اختلاف التعبيرية بين مايعرف ب "الوطنيه" العامه على مستوى المعمورة على مدى الطور اليدوي الانتاجي، واخر "وطن كوني" متعد للمحلية، وغير موجود حين يحضرالا كونيا ازدواجيا امبراطوريا من جهه، يواكبه وينتج عن اصطراعيته، تعبير اخر مجتمعي لاارضوي، سماوي،مايعني في الحصيلة ازدواجية التعبير اتفاقا مع ازدواجية الكينونة والبنيه.

 والنمطيتان تتباينان على مستوى الاصطراعية المفروض عليهما خوضها على طريق التشكل، فالاحادية التعبير، تفاعليتها مقصورة على العامل الطبيعي البيئي، وفي غمرته تكتسب خاصياتها، في حين تتشكل الكينونه الازدواج في غمرة الاصطراع مع عاملين، اولهما البيئي الطبيعي الطار والمجافي، يتلوه اصطراع مجتمعي ارضوي لاارضوي، سببه كون البيئة المتباينه كليا قد ولدت ابتداء نمطيتان مجتمعيتان مختلفتان نوعا، الامر الذي يبقي الكيانيه المزدوجة هنا واحدة غير موحدة.

 ولا يوجد الاصطراع المومى اليه عبثا او بلا منتهيات تشكلية موصولة بالضرورة المجتمعية وما تنطوي عليه، وهي متجهة نحوه كنهاية وغاية تتولد عن التفاعلية التاريخيه وتراكماتها، تظل مطوية وخارج الادراكية البشرية على مدى الطور اليدوي من الانتاجية، عندما تكون الاحادية المجتمعية الارضوية هي الغالبة نمطا ونموذجا ومفاهيما، يكرسها ويديم غلبتها القصور العقلي المواكب دون الحقيقة المجتمعية، فالعقل لا يكون مع تبلور الظاهرة المجتمعية، ورغم حضوره الابتدائي، مكتملا، بقدر ما هو في حال تشكل ونقص ادراكية واحاطة، ابتداء من لحظة وثبته الافتتاحية مع الانتصاب على قائمتين واستعمال اليدين، الى ان ياتي الطور المجتمعي وتفاعلاته وما ينتج عنها، كمحطة اخيرة ضرورة، قبل اكتماله، وخروجه من متبقيات الهيمنه الجسدية التي عاني من وطاتها ملايين السنين، لابل مليارات عندما كان في البداية كامنا في الجسدية الحيوانيه وغلبتها شبه المطلقة، قبل ان تبدا رحلة تحرره وصيروته نحو الاكتمال بحصيلة بانتظار منتهى المجتمعية الراهنه.

 تبدا المجتمعية لاارضوية جنوب ارض ما بين النهرين، منطوية على المقصد والنهاية التي ترومها المجتمعية وهي مصممه لكي تبلغها منتهى، غير انها وان عبرت عن ذاتها بما متاح وممكن لها ابتداء، تظل غير قادرة على التحقق، لنقص في الوسائل المادية الضرورية لزوم التحول ما بعد الجسدي، ادراكا غير متوفره اسبابه عقليا بعد، وماديا بانقلاب وسيلة الانتاج من اليدوية الى الصيغة العليا التكنولوجية، ما يفرض حكما طورا مديدا من الغلبة النموذجية النمطية الارضوية، تبقى هي الغالبة على مستوى المعمورة، لحين انتهاء الطور اليدوي، وحتى ساعتها ومع البداية الانقلابيه الاليه، فان متبقيات الطور السالف، واسباب القصورية العقلية وموروثاتها تظل هي الغالبة، لابل وتتعزز بقوة مفعول الالة وتسريعها الديناميات المجتمعية الى اقصى ما يمكن تصوره.

 وقتها يبدا طور من التفاعلية الالية المجتمعية غير المنظورة، والمحجوبة بقوة متبقيات الوعي الموروث، فيتعذر الانتباه الى مقاصد واتجاهات التفاعلية المستحدثة مع الالة والتي هي في الجوهر عملية انهاء للمجتمعية اليدوية الاحادية الارضوية جوهرا، تعززه تحورات الالة نفسها اصطراعيا، من صيغتها "المصنعية"، الى التكنولوجية باعلى مراتبها العقلية، ما بعد الانتاجية الحالية، وهو ماصار واقعا وشيكا، بانتظار العنصر الاخطر والاهم الذي لاانتقالية مجتمعية عقلية من دونه، ذلك هو الادراكية المفهومية، حيث الانقلاب على القصورية التاريخيه العقلية، ومغادرتها خارج منظورات الكيانوية المجتمعية ( الوطنيه/ القومية) الغالبة حتى الان، وعلى مدى الطور اليدوي المنصرم.

 ما ان تنبجس الالة، وعلى عكس ما هو مشاع من انواع التصورات التتابعية التعاقبية الموكوله الى صنف وطور بذاته هو المختبر والمعاش، حتى تصبح المجتمعات في حال تحول من الجسدوية الارضوية، الى اللاارضوية المتوافقة كينونة مع اشتراطات وضرورات الانقلابيه فوق الجسدية، تلك التي تظل مطوية غائبة ادراكا على مدى التاريخ المجتمعي، والعائدة الى الصيغة التعبيرية العظمى "الوطن كونية" العراقية المغفلة والمطوية، او التي تعرف وعرفت فيما سبق وعبر الدورات التي مرت على هذا المكان (الدورة الاولى السومرية البابلية الابراهيمة المنتهية بسقوط بابل، والثانية العباسية القرمطية الانتظارية) اشكالا من التعبيرية ما قبل التحققية الادراكية، حدسية نبوية، ظلت حاضرة كاختراق كوني في قلب المجتمعات الارضوية، متماشية مع اشتراطات الغلبة الارضوية وتعذر التحقق الاني، بانتظار توفر اسباب التحقق التحولي المادية والادراكية.

 توجد المجتمعات البشرية وتتبلور، محكومة لقانون العودة على بدء، لاكما تهيأ لماركس من الشيوعية الاولى الى الشيوعية العليا، بل من اللاارضوية المعزولة مكانا ونمطا، الى اللاارضوية الانتهاء، عندما تتحول المجتمعات بحكم الالة وتحوراتها وصيغتها الاعلى، الى مجتمعات "فكرة بحته" هي العامل الفاعل في الكينونة المجتمعية وتعبيريتها الوطنية لاكما كانت المجتمعات الارضوية اليدوية، مادية جغرافية بشرية تاريخيه ولغوية، بينما تنقلب الاشتراطات الافنائية، من البيئية الاصل الى الالية التدميرية، قبل ان تعم حالة استحالة الكيانيه الارضوية مع تبدل وسيلة الانتاج من الارضوية الى مابعدها ويتجاوزها.

 هنا تاتي "الوطن كونية الرافدينيه" حصيلة التاريخ الانقطاعي الدوراتي، والاصطراعية الازدواجية بعد فترة من اشكال من الافنائية البرانيه، ومنها وفي مقدمها الافنائية الايديلوجية المتماهية مع الغرب التوهمي الحداثي، عدا التحول من الاحتلال العسكري، الى الافناء التدميري وازالة الكيانيه، وحلول عالم الاضطراب الاقصى، والفوضى والخراب الذي لا مخرج منه، بظل غياب الرؤية، وافتقاد المنظور الغائب اصلا، بعد سقوط صيغ الايديلوجية الببغاوية النهائي، ليغدو الاستباق شبه الفنائي الرافديني العراقي على مستوى المعمورة ساعتها وقد نضجت فيه الاسباب الضرورية، مولدا للرؤية المطوية الغائبة على مر التاريخ، بعدما تحولت الى رؤية عالمية اختراقية لا موضعية، مثلما سبق للابراهيمه الاولى ان كانت، ووقتها ينقلب التاريخ، ويبدا الكائن البشري رحلة الانتقال من الجسدية الحاجاتيه، الى العقل المستقل المتحرر من وطاة الجسد، كما من اشتراطات السكن الارضي المؤقت. كما كان مقررا ومصصما بالاصل للمجتمعية وللكائن البشري ان يذهب.

***

عبد الأمير الركابي

في المثقف اليوم