آراء
عبد الامير الركابي: اسرائيل المهزومه.. لماذا ومتى وكيف؟ (3)
ليس " كتاب العراق" من المسيرات او الصواريخ القادرة على اختراق القبه الحديدية، هو اوراق وكلمات، لا اتوانى ضرورة ومن قبيل الواجب ان اضعها امام حزمة الاسباب والعوامل الخارجة عن الادراكية او النطقية، مع مجمل الاحداث المقابلة، ابتداء من ما قد اطلق عليه "الربيع العربي"، دالة انتهاء مفعول الطور الاسقاطي، الايديلوجي المتماهي مع التوهمية الكبرى الاوربية الحداثوية، بعد التحضيرات الابادية للكيانية العراقية الريعية 1990/ 2003، اثر حربين كونيتين وماتبعهما من مسارات احترابية داخلية بلا توقف، مع انتفاء ابسط ممكنات الكيانوية المستعارة، وحلول زمن تسيد الحثالات الريعيه، وصولا لهبة الاول من تشرين 2019 اللاارضوية، العتبة الاخيرة الغارقة بدمها، بعد ثورات اللاارضوية السابقة غير الناطقة، الاولى ثورة العشرين، والثانيه في 14 تموز 1958، في القرن الماضي، وصولا الى الحد الفاصل التاريخي الراهن المنتظر على مر التاريخ البشري، ساعة الاقتراب من النطقية العظمى.
على مشارف "طوفان الاقصى" كانت الضرورة الانقلابية الفاصلة تعمل، من جهه داخل الكيانيه المتحولة الى قاعدة فبركة كونيه ابراهيمية، تحت وقع المسارات الجاري توليفها اسرائليا/ ريعيا/ امريكيا، وقد بلغت لحظة التنفيذ القهري بالقوة الغاشمة الابادية التكنولوجية، عن طريق تغيير حال الشرق الاوسط بما يتناسب وغلبة النموذجية "الابراهيمة الترامبو صهيونيه "، حيث الالغاء الكلي لمتبقيات التاريخ النهري النيلي الرافديني التاريخي التاسيسي، وما قدبدا انه معتمل داخل الطرف الفسطيني الواقف على حافة الشطب الكلي، ماقد جعله يبادر استباقا الى اشعال الفتيل قبل الاوان، وقبل اكتمال التحضير الاسرائيلي الامريكي للهجوم المنتظر، والمحتم لاجل اعادة صياغة الشرق متوسطية ريعيا، بالفبركة، توهميا تزويريا "ابراهيميا".
بالمقابل وبالصدفة، ربما البحته، او صدوعا لحكم قانون غير مدرك بعد، مترابط حكما مع حركة اليات التاريخ اللاارضوي، صدر بعد اكثر من ست سنوات من الاعتكاف والعزلة، سبقها اكثر من نصف قرن من التامل و البحث، الى ان حلت ساعة التنفيذ العملي " كتاب العراق"(3) او بالاحرى الحرف الاول من حروف النطقية المؤجلة منذ بدايات التاريخ وتبلور الظاهرة المجتمعية في ارض سومر، مبتدء ومنتهى التاريخ البشري الانسايواني، المنطوي على الذهاب الى "الانسان" بعد "الانسايوان"، الطور الانتقالي بين الحيوان و"الانسان"، والذي يبدا مع الوثبة العقلية الاولى، بعد الغلبة الاحادية الحيوانيه الكاسحه الطويلة، الى حين الانتصاب على قائمتين واستعمال اليدين، وتجلي الازدواج (عقل / جسد) حين ينفتح الافق على الذهاب نحو وثبة عقلية ثانيه كبرى ابعد ،اخر محطاتها المجتمعية، بعد عدة محطات آخرها "الصيد واللقاط"، قبل الانتقال الى "التجمع + انتاج الغذاء"، وغايته النهائية، الاستقلال والتحرر من وطاة الجسدية، ومتبقيات الحيوانيه المستمرة عالقة بالعقل، ومتحكمه بعمله كحصيلة لتاريخ المجتمعات ونهايته. الامر الغائب عن منظور الجسدية الاحادية التي ترى في العقل ضمن وثبته الحالية النوعية، منتهى وغاية، وكمال لازم للجسد، وملحق به خضوعا لمنطق الاحادية، بالضد من الحقيقة الازدواجية غير المدركة (العقل / جسدية).
تتوافق اليوم معطيات الانتقالية الكونية الكبرى واقعا معاشا، وازمة كبرى لاحل لها، تشمل الكيانوية والدولة، وعملية الانتاج اجمالا، بناء على المسار الذاهب بالاله من المصنعية الاوربية الاولى التي اندرست، الى التكنولوجيا الانتاجية الراهنه التي تاخذ هي الاخرى بالانتهاء كممكن واحتمالية فعالية، تغدو متصادمة مع اشتراطاتها النوعية مجتمعيا، مع استمرار تدني الوسائل المتاحة والمستعملة من قبل الكائن البشري اعتيادا وقصورا عقليا، بينما تفاقمت الى الحد الاقصى التناقضات مابين الوسائل البشرية المجتمعية الاحادية المتاخرة الماخوذه من الزمن اليدوي محسنة، واهمها الكيانيه والقومية، واشكال الادارة والتنظيم الحياتي كما ممثل في الدول، من دون اي تغيير متناسب مع طبيعة الانتقال النوعي الالي المستجد وحقيقته المتجاوزة للمجتمعية الاحادية الحاجاتيه الجسدية، اذ اكتفت توهمية الغرب الحداثوية بالليبراليات والديمقراطية التي لاتمنع دولها من منع غيرها من التحرر او الالتحاق بالعصر بلا هيمنه، هذا بينما الطاريء الجديد الالي، وان بصيغته وشكل فعاليته الاولى المصنعية، كان يقتضي الانتقال الفوري الى "الدولة الكونية ووحدة الجنس البشري"، المطلب وحقيقة العصر الاولى والاكبر، المضاعة على حساب انتقال المجتمعات ضرورة وذهابها الى الطور المنتظر وصار واقعا/ على المستوى المادي /من تاريخها.
الالة تتناقض كليا وتزيل من الوجود تباعا، كل اشكال المجتمعيات الجسدوية الارضوية الحاجاتية، وهو ماقد حل باوربا وماسوغ لاحقا الانتقال لقيادة امريكا شبه المجتمعية المفقسه خارج رحم التاريخ واستعارتها الرسالوية الكونية التاريخيه السومرية، بصيغ الجشع الانتاجوي الراسمالي وان بلا طبقية، وقد انتقلت بدون ارادة منها الى الانتاجية المتعدية للكيانيه بالعولمه، النافية للدول والوطنيات، لتتحول تحت وطاة التازم الوجودي والاقتصادي الى فرض النموذجية المنتهية الصلاحية، بالقوة وبالتكنولوجيا الموظفة بالدرجة الاولى عسكريا لتعزيز قدرات اخضاع الاخر، بالسحق مع مفاعيل الذكاء الاصطناعي، لاسباب تاخرية "رجعية" مكررة.
ان اوربا كما امريكا اليوم هما قوتان رجعيتان، توظفان الوسائل الالية المستجدة لتكريس اشكال من الحياة والنمطية المعاشية ولى زمنها، تعود الى الطور السابق المنقضي، والذي لم يعد صالحا اليوم بعد الانتقالة الآلية، وتلعب القصورية العقلية الموروثة والمستمر في هذا المجال دورا اساسا، فالعجز عن ادراك الحقيقة المجتمعية الاصل والابتدائية الازدواجية (ارضوية / لاارضوية)، والبقاء تحت وطاة المنظور الاحادي مع كل الادعائية الحداثية والعلموية، ادخلاالبشرية منذ انبجاس الالة الى اليوم، تحت وطاة الاحتدامية الاصطراعية الاحترابية بلا حل، تزايدت مع استمرارها، الافتراقية بين فعل وعمل وسيلة الانتاج المستجدة وتحولاتها، واشكال التفاعل البشري المجتمعي معها، فظلت هذه محكومة بالاحرى الى سطوة الاحالة الى ماسبق محسنا بالقوة والغلبة، بحيث صار هذا احد اهم جوانب محركات التاريخ الحاضر تحت فعل الايهامية الاساس الغربية القاصرة المعروفة بالحداثية، وقوة مفاعيل المصلحة الذاتيه / الوطنيه القومية والطبقية الجشعه.
ـ يتبع ـ
***
عبد الاميرالركابي