آراء

كاظم الموسوي: طوفان الطلبة.. من اشعاعات طوفان الأقصى عالميا

قدم الطلبة في العالم، لا سيما في الجامعات الامريكية مبادرات ملفتة للانتباه، ومتواصلة مع الغضب الشعبي العام، في الولايات المتحدة الامريكية، وفي العواصم والمدن العالمية ووضعوا في حراكهم الاجتماعي والسياسي والاخلاقي العالم امام حقائق ووقائع ملموسة وضاغطة، عاكسين، دورهم المعهود، وقدراتهم الميدانية في التاثير والتغيير.

ما ابرزه الطلبة تعبيرا عن طوفان واقعي وامتداد فعلي، من جامعات امريكا الرئيسية، وامتداده عالميا. في مغرب الكرة الارضية ومشرقها، ورسم هذا الطوفان بوضوح ووعي اشعاعات طوفان الأقصى وتحولات الارادة الانسانية في قراءة المتغيرات والتحولات والمهمات المطلوبة. فقد كانت طبيعة التظاهرات والحراك العام إثباتا لحقائق تاريخية وفهما متقدما لقضية شعب ووطن وحقوق عادلة، بخلاف السردية الصهيونية الشائعة بقوة المال والاعلام والقمع والتضليل والتشويه وكي الوعي. ولهذا انشغلت الإدارات الامبريالية الحاكمة والمتخاصمين معها وادواتها الوظيفية في التصدي لهذا الحراك المتصاعد ومارست عليه شتى اشكال القمع والتهديد والارهاب، سواء من اعلى السلطات المتحكمة او الادارات الجامعية التابعة والمتخاذلة، وكشفت الصور التي نقلتها الفضائيات العالمية حقيقة إزدواجية المعايير في إحترام القوانين الدولية وحقوق الانسان والمواثيق والاتفاقيات الدولية الموقعة او المقترحة منها.

عمت تظاهرات الغضب الشعبي العالم بعد طوفان الأقصى، وتصاعدت مع استمرار سياسات الاحتلال الصهيو امريكي في الابادة الجماعية والتهجير والقتل والارهاب الممنهج والتدمير المبرمج، حيث اثارت هذه السياسات الاجرامية والانتهاكات الصارخة الضمير الانساني الشعبي، وشرائح المجتمعات الغربية والشرقية عموما، ولاسيما الطلاب في الجامعات والمعاهد الاكاديمية، ودفعتهم لاخذ مواقف سياسية مؤيدة  للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة والعادلة ورفض ممارسات  النازفاشية (النازية/ الفاشية) التي تشنها الامبرياليات الغربية وقاعدتها الإستراتيجية العسكرية المحتلة لفلسطين.

ملحمة طوفان الأقصى بدات في السابع من تشرين الاول/ اكتوبر 2023 وطوفان الطلبة، باسمهم كطلبة في حرم جامعاتهم، سجلت انطلاقته في 17 نيسان/ابريل 2024، حين بدأ طلاب جامعة كولومبيا في نيويورك اعتصاماً بحرم الجامعة، رفضا للعدوان على غزة، ومطالبة إدارة الجامعة بوقف تعاونها الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية وسحب استثماراتها في شركات تدعم احتلال الأراضي الفلسطينية. ولعبت سياسات القمع والارهاب الحكومية والادارية التي استدعت تدخل القوى الامنية واعتقال عشرات الطلاب، وقعها في توسيع حالة الغضب وامتداد التظاهرات إلى عشرات الجامعات الأميركية، مثل هارفارد، وجورج واشنطن، ونيويورك، وييل، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ونورث كارولينا. ولاحقاً، وبالموازاة معه، اتسع الحراك الطلابي غير المسبوق لدعم فلسطين بالولايات المتحدة إلى جامعات ومعاهد في دول مثل كندا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسويد والدانمارك والنرويج وسويسرا وهولندا واليونان والارجنتين والمكسيك والهند واندونيسيا واستراليا وجنوب افريقيا، وغيرها في انحاء المعمورة، شهدت جميعها تظاهرات داعمة لنظيراتها الأميركية ومطالباتها بوقف الحرب على غزة ومقاطعة الشركات التي تزود الكيان الاسرائيلي بالأسلحة او تتعاون مع مؤسساته.

فرض طوفان الطلبة منذ انطلاقته اصراره على مطالبه التي ووجهت رغم سلميته  بالعنف المفرط من قبل الاجهزة الامنية وادارات بعض الجامعات في بعض الحالات مثل جامعة كولومبيا وجامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلس ودالاس ـ تكساس وغيرها الكثير. واستخدمت الغازات المسيلة للدموع في اكثر من جامعة وكلية، وهو أمر غير مسبوق، واعتقل أكثر من 2200 طالب وطالبة في بقية الجامعات، خاصة في نيويورك، في الاشهر الاولى للطوفان، وشمل العنف الأساتذة، نساء ورجالا، ونقلت الفضائيات مشهد اعتقال أستاذة في جامعة إيموري في اتلانتا جورجيا بصورة عنيفة، اذ تشارك شرطيان لإخضاعها وهي تصرخ بهم «أنا بروفيسورة» مما تركت أثرا كبيرا على تحرك الطلاب، وتوسع الاحتجاج والارتباطات التضامنية المهنية بين العديد من منظمات الأساتذة والطلاب، بكل عناوينها وتشكيلاتها.

كما لفت الطوفان مشاركة طلبة من الديانة اليهودية فيه، اضافة الى شخصيات أكاديمية وسياسية ودينية معروفة في المشهد السياسي الامريكي والعالمي، وشارك هؤلاء الطلبة في مظاهرات المدن المنتظمة ايضا خارج حرم الجامعات، كاقتحام الكونغرس ومحطات القطارات وتمثال الحرية والمطارات، بشعارات تعرف بهم مؤيدة للقضية الفلسطينية وضد الحرب والعدوان والابادة الجماعية والتهجير المنظم والدموي. وهو ما طرح فهما جديدا ومواقف مهمة في اختراق العقلية والسردية الصهيونية ورد ملموس، عليها وعلى جرائم الحرب والابادة التي ترتكبها الامبريالية وقاعدتها ضد الشعب الفلسطيني والوطن العربي.

وما اكده الطوفان مع تصاعد الحراكات الاحتجاجية والاعتصامات في حرم الجامعات رفع العلم الفلسطيني على سارية طويلة وسط الحرم، مع رفع العلم الفلسطيني ولبس الكوفية الفلسطينية، كرمزين احتجاجيتين لاغلب المشاركين، ونصب الخيام والاعتصام في الحرم الجامعي او بالقرب من بنايات الجامعات او اداراتها، تنديدا باستمرار العدوان الوحشي على غزة  ومماطلة بعض إدارات الجامعات في تلبية المطالب الداعية الى وقف الاستثمارات في الكيان المحتل وقطع العلاقات والتعاون مع الجامعات فيه. وبديهي تتعالى الهتافات المؤيدة للقضية الفلسطينية اثناء رفع العلم الفلسطيني والتلويح بنموذجه والكوفية في تحد ومواجهة مكشوفة وصمود كفاحي معبر عن وعي ثوري وجهادية شبابية كاملة، ورفع شعارات مركزية، تدعو الى الحرية لفلسطين، ووقف الحرب فورا، وفلسطين حرة من البحر الى النهر، ومنع تصدير الاسلحة وإدانة الممارسات النازفاشية. وتكررت هذه الاحتجاجات حتى في حفلات التخرج الاكاديمية وفي كلمات الطلبة المتفوقين في دراساتهم، داخل قاعات الاحتفال وخارجها، باشكال لفتت الانتباه الى ثقافة جديدة، يتمتع بها طلبة الجامعات، من مختلف التكوينات الاجتماعية والتيارات الثقافية والفكرية.

في هذا الزخم الكفاحي امتد طوفان الطلبة في اغلب الجامعات الامريكية، في اكثر من 120 جامعة في اغلب التقديرات الاعلامية والتي تركت اثرها عالميا وحركت في اساليبها ومطالبتها وعي الطلبة الجديد بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، رغم الاعتقالات والعنف المتوحش من قبل القوى الامنية وبعض الادارات الجامعية وانتهاكها للاعراف الجامعية وحقوق التعبير المنصوص عليها في الدستور الامريكي، وفي اغلب الدول التي مارست تلك السياسات الارهابية الرسمية.

انتقال صورة الحراكات الاحتجاجية واساليبها وشعاراتها داخل الجامعات وفي اغلب الدول، غربا وشرقا على هذه المعمورة، من الولايات المتحدة الى استراليا واليابان، مرورا بالدول الاوربية والدول الأفريقية والآسيوية والامريكية الجنوبية، اعاد وهج القضية الفلسطينية وعرّف بعلمها وكوفية الشعب الفلسطيني وتاريخ كفاحها من اجل التحرر والاستقلال والسيادة الوطنية. وبيّن مشروعية حقوق الشعب الفلسطيني وضرورة تحرره وعودة المهجرين لوطنهم وبناء الدولة الوطنية المستقلة من البحر الى النهر، كما رفع بالشعارات والبوسترات، في كل الحراكات الاحتجاجية في ذلك الطوفان العالمي.

عكس هذا الطوفان الطلابي والشعارات والمطالب التي رفعها، والقائمون  به، والمتصدون بصلابة لسياسات الحكومات القمعية وعنفها الفاقع، واستمراره في الاحتجاج والإدانة المتواصلة للحرب والاجرام والابادة والتهجير والتدمير، عكس  صورة وعي جديد، صحوة عالمية بلا حدود، انسانية النزوع، وارادة جامعة لاجيال جديدة تدخل معترك العمل السياسي والكفاح الانساني من اجل عدالة القضايا المشروعة للشعوب، وابرزها اليوم، الشعب الفلسطيني، وعزل السياسات الاستعمارية وادواتها العدوانية وسرديتها المخادعة والقائمة على التضليل وتزوير التاريخ وقلب الحقائق وتشويه الوعي فيها. وفي الوقت نفسه قدم هذا الطوفان في استمراره، وامتداداته العالمية، ردا نضاليا لعدالة القضية الفلسطينية ومشروعية حقوق الشعب الفلسطيني ومقاومته بكل اساليبها واشكالها.

اثبت طوفان الطلبة العالمي عمليا انطلاقه من اشعاعات طوفان الاقصى ومن ارتداداته وانعكاساتها ثقافيا وفكريا ومبادرات نابعة من صحوة الضمير الانساني، والالتزام الأخلاقي والمبدأي من ابناء وبنات القضية الفلسطينية والمتضامنين معها، من العرب والمسلمين، ومن احرار العالم من كل الجنسيات والاديان والتيارات الفكرية والسياسية والثقافية، وهو ما يذكر او يسجل موقفا تاريخيا وتواصلا بالكفاح الوطني التحرري العالمي.

***

د. كاظم الموسوي

في المثقف اليوم