آراء
علاء اللامي: كيف نقرأ الأركيولوجيا الاسرائيلية الرافضة لتأريخية التوراة
أدرج أدناه فقرات من مقالة قديمة نسبيا العالم الاثاري الاسرائيلي زئيف هرتسوغ، ترجمها عن الانكليزية وارسلها لي الصديق ماجد علاوي وقبلها أسجل أن مضامين هذه النصوص خضعت لقراءات متعسفة وغير أمنية علميا من قبل بعض الباحثين العرب حيث وجد فيها القائلون بيمنية أو عسيرية التوراة حجة ودليلا على فرضياتهم الفنطازية هذه والتي تحتكم لنسخة عبثية من القراءة التأثيلية بعد ان تم تحويل علم التأثيل (الايتمولوجيا) والفيلولوجيا (علم النصوص القديمة وفقه اللغة) الى لعبة تشبه حل الكلمات المتقاطعة تتحول بموجبها قرية (آل شريم) السعودية في إقليم عسير وهواسم لفخذ من عشيرة معاصرة، الى أورشليم الفلسطينية الكنعانية كما فعل الراحل كمال الصليبي في كتابه "التوراة جاءت من جزيرة العرب". إن ما يرفضه هرتسزوغ هنا وقبله فنكاشتاين هو القصص التوراتي في نماذج محددة رئيسة ولا يرفض أبدا قصة بني إسرائيل ووجودهم في فترة محددة بفلسطين الكنعانية القديمة وتحديدا في منطقة التلال الوسطى من فلسطين الكنعانية والتي كان يتجاذبها طرفا الهيمنة الجيوسياسية الدولية آنذاك وهما مصر والعراق القديم (بلاد ما بين نهرين). لنقرأ هذه الفقرات من مقالة هرتسزوغ " تدمير أسوار أريحا" مع التعليق عليها عند الضرورة:
* بعد 70 عاما من الحفريات المكثفة في أرض إسرائيل، اكتشف علماء الآثار: أن أعمال الآباء الأوائل أسطورية، لم يقيم الإسرائيليون في مصر أو يهاجروا، ولم يغزوا الأرض. لا يوجد أي ذكر لإمبراطورية داود وسليمان، ولا لمصدر الإيمان بإله إسرائيل. هذه الحقائق معروفة منذ سنوات، لكن إسرائيل شعب عنيد ولا أحد يريد أن يسمع عنها.
* لم يكن الإسرائيليون أبدا في مصر، ولم يتجولوا في الصحراء، ولم يغزوا الأرض في حملة عسكرية ولم ينقلوها إلى أسباط إسرائيل الإثني عشر. ربما يكون من الصعب تقبل حقيقة أن الملكية الموحدة لداود وسليمان، والتي يصفها الكتاب المقدس بأنها قوة إقليمية، كانت على الأكثر مملكة قبلية صغيرة.
(ملاحظة: ان الباحث لا ينبفي هنا وجود بني إسرائيل في فلسطين بل يقول انهم كانوا مجرد مملكة قبلية صغيرة (مشيخة) وليس قوة اقليمية كبيرة كما يبالغ الكتاب المقدس في وصفها. ع ل).
* وستكون صدمة غير سارة للكثيرين أن إله إسرائيل، يهوه، كان له قرينة (زوجة) أنثى وأن الديانة الإسرائيلية المبكرة تبنت التوحيد فقط في الفترة الأخيرة من نظام الملوك وليس في جبل سيناء.
(هنا أيضا نجد تأكيدا لكون الديانة اليهودية تطورت من الوثنية الكنعانية إلى التوحيد بالتدريج وظلت بعض آثار الوثنية فيها، ولم تكتمل توحيديتها إلا في بابل خلال الأسر المعروف.ع.ل).
* ومعظم أولئك الذين يشاركون في العمل العلمي في المجالات المتشابكة للكتاب المقدس وعلم الآثار وتاريخ الشعب اليهودي - والذين ذهبوا ذات مرة إلى الميدان بحثا عن دليل لتأكيد قصة الكتاب المقدس - يتفقون الآن على أن الأحداث التاريخية المتعلقة بمراحل ظهور الشعب اليهودي تختلف اختلافا جذريا عما ترويه تلك القصة.
* اختراع قصص الكتاب المقدس: تطور علم الآثار في فلسطين كعلم في وقت متأخر نسبيا، في أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20. وكان المنقبون الأوائل في أريحا وشكيم (نابلس) باحثين متخصصين في الكتاب المقدس، وكانوا يبحثون عن بقايا المدن المذكورة في الكتاب المقدس.
الأزمة: وببطء، بدأت الشقوق تظهر في الصورة. ومن المفارقات أنه نشأ موقف بدأت فيه وفرة النتائج تقوض المصداقية التاريخية للأوصاف التوراتية بدلا من تعزيزها. ويتم الوصول إلى مرحلة الأزمة عندما تكون النظريات في إطار الأطروحة العامة غير قادرة على حل عدد متزايد من الحالات الشاذة. وتصبح التفسيرات ثقيلة وغير أنيقة، ولا تقفل القطع معا بسلاسة. وفيما يلي بعض الأمثلة على كيفية انهيار الصورة المتناغمة.
عصر الآباء: وجد الباحثون صعوبة في التوصل إلى اتفاق بشأن الفترة الأثرية التي تتطابق مع عصر الآباء. متى عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب؟ متى تم شراء مغارة مكبيلا (الحرم الإبراهيمي في الخليل) لتكون بمثابة مكان دفن للآباء والأمهات؟
* مع ذلك، لم يتم اكتشاف أي دليل يمكن أن يدعم هذا التسلسل الزمني. جادل أولبرايت في أوائل ستينيات القرن العشرين لصالح تعيين تجول إبراهيم إلى العصر البرونزي الأوسط (القرنين 22 و 20 قبل الميلاد). رفض آخرون تاريخية القصص واعتبروها أساطير الأجداد التي رويت في فترة مملكة يهودا. وعلى أي حال، بدأ توافق الآراء في الانهيار.
الخروج من مصر والتجوال في الصحراء وجبل سيناء: الوثائق المصرية العديدة التي لدينا لا تذكر وجود بني إسرائيل في مصر وتلتزم الصمت أيضا بشأن أحداث الخروج.
* الغزو: أحد الأحداث التشكيلية لشعب إسرائيل في التأريخ التوراتي هو قصة كيفية غزو الأرض من الكنعانيين. ومع ذلك، ظهرت صعوبات خطيرة للغاية على وجه التحديد في محاولات تحديد الأدلة الأثرية لهذه القصة.
* أثبتت الحفريات المتكررة التي قامت بها بعثات مختلفة في أريحا وعاي، المدينتان اللتان تم وصف غزوهما بأكبر قدر من التفصيل في سفر يشوع، أنها مخيبة للآمال للغاية. على الرغم من جهود المنقبين، ظهر أنه في أواخر القرن 13 قبل الميلاد، في نهاية العصر البرونزي المتأخر، لم تكن هناك مدن في أي من التلال، وبالطبع لم يكن من الممكن إسقاط الأسوار (التي لا وجود لها اصلا).
وتبين أن الأماكن المعنية (التي ورد ذكرها في التوراة) ماتت أو تم التخلي عنها ببساطة في أوقات مختلفة، تم تعزيز الاستنتاج بأنه لا يوجد أساس واقعي للقصة التوراتية حول غزو القبائل الإسرائيلية في حملة عسكرية بقيادة يشوع.
المدن الكنعانية: يعظم الكتاب المقدس قوة وتحصينات المدن الكنعانية التي غزاها شعب إسرائيل، فإن الوصف التوراتي لا يتفق مع الواقع الجيوسياسي في فلسطين. كانت فلسطين تحت الحكم المصري حتى منتصف القرن 12 قبل الميلاد. وكانت المراكز الإدارية المصرية تقع في غزة ويافا وبيت شاان. كما تم اكتشاف اكتشافات مصرية في العديد من المواقع على جانبي نهر الأردن. لم يتم ذكر هذا الحضور اللافت للنظر في الرواية التوراتية، ومن الواضح أنه لم يكن معروفا للمؤلف ومحرريه.
* تتناقض الاكتشافات الأثرية بشكل صارخ مع الصورة التوراتية: لم تكن المدن الكنعانية "عظيمة"، ولم تكن محصنة ولم يكن بها "جدران عالية إلى السماء".
*هوية بني إسرائيل. إذا لم يكن هناك دليل على الخروج من مصر ورحلة الصحراء، وإذا كانت قصة الغزو العسكري للمدن الكنعانية المحصنة قد دحضها علم الآثار، فمن هم هؤلاء الإسرائيليون إذن؟ أكدت الاكتشافات الأثرية حقيقة مهمة: في أوائل العصر الحديدي وهي المرحلة التي تم تحديدها مع "فترة الاستيطان"، تم إنشاء مئات المستوطنات الصغيرة في منطقة التلال الوسطى، يسكنها مزارعون عملوا في الأرض أو قاموا بتربية الأغنام. إذا لم يأتوا من مصر، فما هو أصل هؤلاء المستوطنين؟ اقترح إسرائيل فينكلشتاين أن هؤلاء المستوطنين كانوا الرعاة الذين تجولوا في منطقة التلال هذه طوال العصر البرونزي المتأخر (تم العثور على قبور هؤلاء الأشخاص، بدون مستوطنات).
* ووفقا لإعادة بناء أواخر العصر البرونزي حافظ الرعاة على اقتصاد مقايضة اللحوم مقابل الحبوب مع سكان الوديان. ومع تفكك النظام الحضري والزراعي في الأراضي المنخفضة، اضطر البدو إلى إنتاج الحبوب الخاصة بهم، وبالتالي نشأ الحافز للمستوطنات الثابتة.
*تم ذكر اسم "إسرائيل" في وثيقة مصرية واحدة من فترة مرنبتاح، ملك مصر، يعود تاريخها إلى عام 1208 قبل الميلاد. يشير مرنبتاح إلى البلاد باسمها الكنعاني وتذكر العديد من مدن المملكة، إلى جانب مجموعة عرقية غير حضرية. وفقا لهذا الدليل، تم إعطاء مصطلح "إسرائيل" لإحدى المجموعات السكانية التي أقامت في كنعان في نهاية العصر البرونزي المتأخر، على ما يبدو في منطقة التلال الوسطى، في المنطقة التي ستنشأ فيها مملكة إسرائيل لاحقا.(كنت تطرقت الى هذا الموضوع في مقالتي عن المقابلة بين فاضل الربيعي واشرف عزت قبل بضعة ايام ووثقت ان كلمة ازرايل في اللغة المصرية القديمة الميدونتروا كانت تعني مجموعة من الناس بلا وطن أي ربما كانوا من البدو الرحل).
مملكة لا اسم لها..الملكية الموحدة: كان علم الآثار أيضا المصدر الذي أحدث التحول فيما يتعلق بإعادة بناء الواقع في الفترة المعروفة باسم "الملكية الموحدة" لداود وسليمان. يصف الكتاب المقدس هذه الفترة بأنها ذروة القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية لشعب إسرائيل في العصور القديمة. وفي أعقاب فتوحات داود، امتدت إمبراطورية داود وسليمان من نهر الفرات إلى غزة. تظهر الاكتشافات الأثرية في العديد من المواقع أن مشاريع البناء المنسوبة إلى هذه الفترة كانت ضئيلة في نطاقها وقوتها.
تم حفر المدن الثلاث حاصور ومجدو وجازر، المذكورة بين مشاريع بناء سليمان، على نطاق واسع في الطبقات المناسبة. في جازر لم يكن هناك على ما يبدو سوى قلعة محاطة بجدار يغطي مساحة صغيرة.
ولم يتم العثور على بقايا المباني من فترة الملكية الموحدة، فقط عدد قليل من شظايا الفخار.
* من الواضح أن القدس في زمن داود وسليمان كانت مدينة صغيرة، ربما مع قلعة صغيرة للملك، ولكن على أي حال لم تكن عاصمة إمبراطورية كما هو موضح في الكتاب المقدس. وهذه المشيخة الصغيرة هي مصدر لقب "بيت داود" المذكور في النقوش الآرامية والمؤابية اللاحقة.
* كانت إسرائيل ويهودا منذ البداية مملكتين منفصلتين ومستقلتين، وفي بعض الأحيان كانتا في علاقة عدائية (الباحث هنا يرفض نظرية الملكة اليهودية الموحدة والتي انقسمت لاحقا الى مملكتين). وهكذا، فإن الملكية الموحدة العظيمة هي خلق تاريخي خيالي، تم تأليفها خلال فترة مملكة يهودا على ابعد تقدير. ولعل الدليل الأكثر حسما على ذلك هو حقيقة أننا لا نعرف اسم هذه المملكة!
يهوه وقرينته: كم عدد الآلهة، بالضبط، كان لدى إسرائيل؟ إلى الشكوك جانب في الجوانب التاريخية والسياسية، هناك أيضا شكوك حول مصداقية المعلومات حول الإيمان والعبادة. نشأ السؤال حول التاريخ الذي تم فيه تبني التوحيد من قبل مملكتي إسرائيل ويهودا مع اكتشاف نقوش باللغة العبرية القديمة تذكر زوجا من الآلهة: يهوه وعشيرة. وكان المؤلفون على دراية بزوج من الآلهة، يهوه وقرينته عشيرة.
ولكن في الوقت نفسه، نشهد ظاهرة مدهشة يتم فيها تجاهل كل هذا ببساطة من قبل الجمهور الإسرائيلي.
* قبل حوالي عام، نشر زميلي، المؤرخ البروفيسور نداف نئمان، مقالا في قسم الثقافة والأدب في صحيفة هآرتس بعنوان "إزالة الكتاب المقدس من رف الكتب اليهودية"، ولكن لم يكن هناك احتجاج عام. أي محاولة للتشكيك في موثوقية الأوصاف التوراتية ينظر إليها على أنها محاولة لتقويض "حقنا التاريخي في الأرض" وتحطيم أسطورة الأمة التي تجدد مملكة إسرائيل القديمة. وتشكل هذه العناصر الرمزية عنصرا حاسما في بناء الهوية الإسرائيلية بحيث تواجه أي محاولة للتشكيك في صحتها العداء أو الصمت. ومن المثير للاهتمام أن مثل هذه الميول داخل المجتمع العلماني الإسرائيلي تسير جنبا إلى جنب مع النظرة المستقبلية بين الجماعات المسيحية المتعلمة.
* اتضح أن جزءا من المجتمع الإسرائيلي مستعد للاعتراف بالظلم الذي لحق بالسكان العرب في البلاد ومستعد لقبول مبدأ المساواة في الحقوق للمرأة - لكنه لا يصل إلى تبني الحقائق الأثرية التي تحطم الأسطورة التوراتية. يبدو أن الضربة التي تلقتها الأسس الأسطورية للهوية الإسرائيلية تشكل تهديدا كبيرا، ومن الأنسب التعامي عنها. (من الملفت للانتباه الجرأة والتي يكتب بها الباحثون في الكيان الى درجة الاستفزاز للمتدينين كالدعوة "لازالة التوراة من رف الكتب اليهودية" بعد ان وجه علم الآثار ضربات مدمرة لتأريخيته وحولته الى كتاب أسطوري ليس إلا، والغريب أننا نجد من يقول هذا الكلام وينسف الرواية التوراتية يبقى متمسكا بتعبيرها السياسي متمثلا في الحركة الصهيونية ودولتها العنصرية القائمة على الاربارتهايد. وهذا بحد ذاته يؤكد ان الحركة الصهيونية ودولتها خرافة سياسي رجعية مستمرة بفعل القوة العسكرية والاحتيال والتمويل الغربي لا غير. ع.ل).
علاء اللامي
........................
الصورة: خريطة قديمة فلسطين باسم أرض كنعان في عهد الأباء ابراهيم واسحق ويعقوب... كما تسميهم التوراة.
* نشرت هذه المقالة ويبدو انها قديمة نسبيا في جريدة هارتس و أعيد نشرها سنة 2020/ النسخة الانكليزية وقد ترجمها الصديق ماجد علاوي ... فله الشكر الجزيل.