آراء
طه جزاع: حرب تحطيم الأساطير
يستغرب البعض من ردة فعل الكيان الصهيوني المبالغ بها تجاه ما حدث يوم السابع من تشرين الأول / أكتوبر، حين بدأت عمليات طوفان الأقصى، ومعها بدأت حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل التي لم تستثنِ طفلاً ولا شيخاً ولا امرأة ولا مريضاً ولا حجراً ولا بشراً. وعلى الرغم من السجل الاجرامي للصهاينة في تاريخ حروبهم مع العرب، وما احتواه هذا السجل من مجازر جماعية مروعة منذ الإعلان عن تأسيس إسرائيل وقبلها، وبعدها على امتداد 75 عاماً من الحروب والمعارك والمنازلات، إلّا أن ما حدث خلال 35 يوماً من الحرب المستمرة على غزة قد فاق كل التصورات، لاسيما في اعداد الأطفال الشهداء حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة السيد انطونيو غوتيريش قال أن غزة تتحول إلى مقبرة للأطفال.
لكن من يتمعن في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، والأساطير والخرافات التي قامت بموجبها إسرائيل، يجد أن يوم السابع من أكتوبر قد حطم الكثير من تلك الأساطير والأوهام الزائفة، لعل في مقدمتها أسطورة الجندي الذي لا يُقهر، والمقصود به الجندي الإسرائيلي الذي اعتاد على أن يكون هو الطرف الرابح في الحروب مع العرب، وبالأخص في حرب العام 1948 التي سميت بيوم النكبة العربية حين ضاعت فلسطين، وفي حرب العام 1967 التي سميت بنكسة حزيران التي فقد فيها العرب ما الضفة الغربية والقدس حيث مسجد قبة الصخرة، والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، فضلاً عن احتلال واقتطاع أراضٍ واسعة من مصر وسوريا وجنوب لبنان، لذلك فإن الصهاينة قد جنَّ جنونهم حين تهاوت اسطورة جنديهم السوبرمان بين ليلة وضحاها، إذ ظهر على حقيقته أثناء المواجهة المباشرة، وحتى حين حاولوا أن يصححوا الموقف فإنهم تعرضوا للمزيد من المقاومة الشرسة التي تابعها العالم أجمع في محاولات الجيش الإسرائيلي لاقتحام غزة بالهجوم البري الذي طال أكثر مما يتوقعون، وتكبدوا في محاولاتهم المتكررة خسائر فادحة في الأرواح والمعدات العسكرية، من دون أن يتمكنوا من تحرير ولو أسير واحد، كما هو هدفهم من هذا الهجوم مثلما يزعمون.
إن الأمر الذي أفزع الإسرائيليين، هو عدم استيعابهم لصدمة أكتوبر، ومحاولاهم محو ذكرى فجر طوفان الأقصى من الذاكرة والتاريخ، حتى لو كان ذلك عن طريق ارتكابهم لجرائم حرب بشعة، وجرائم تطهير عرقي لم يسبق لها مثيل، وقد يقتلون المزيد من الأطفال والمدنيين الأبرياء، عبر القصف بالمدافع والبوارج الحربية والطائرات والتهجير وتهديم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، لكنهم في المواجهة المباشرة يعلمون علم اليقين ان جنديهم السوبرمان الذي لا يُقهر هو الخاسر حين تصبح المسافة صفراً بينه وبين المقاومين. وبذلك سقطت هذه الأسطورة السمجة والخرافة السخيفة في فتحات أنفاق غزة، وبين أنقاضها ودمارها.
***
د. طه جزّاع – كاتب وأكاديمي عراقي