آراء
إسماعيل مكارم: عدوانية النفاق.. ونفاق المعتدين
دفاع الجيش العربي السوري عن بقاء الدولة السورية خلال أكثر من إثني عشر عاما في الحرب الكونية ضد سورية، وتجارب الشعوب الأخرى في نضالها للحفاظ على السيادة وحماية الوطن تثبت و في التاريخ ما يؤكد أن الأعداء سيذهبون إلى النفاق السياسي والإعلامي والكذب والدعاية التي لا أصل لها على أرض الواقع. إنّ للنفاق السياسي جذورا تاريخية وصفحات مليئة بالأمثلة. ففي التاريخ القديم، حيث عرف العداء الدائم بين دولة روما ودولة قرطاج الفينيقية وقد جرت حروب وصدامات بين الدولتين وأشهرها حملة هاني بال على روما من خلال جبال جنوب أوروبا عام 218 قبل الميلاد، حيث انتصر هاني بال في معركته، وحاصر روما ذلك الحصار الشهير.أتهمت روما أعداءها في قرطاج بأنهم يقومون بوأد البنات بعد الولادة، وهذا ليس له أي علاقة بواقع العادات والتقاليد، بينما ذهبت أوروبا والغرب إلى أتهام الجيش العربي السوري خلال دفاعه عن سيادة الوطن ووحدة ترابه /ووقوفه جدارا منيعا أمام تنظيمات داعش والنصرة وغيرها/ أتهموا هذا الجيش باستعمال المواد الكيميائية وأعلنوا إتهاما مبنيا على أفلام قامت بفبركتها منظمة الخوذ البيضاء، التي تأسست برعاية وخبرة الإستخبارات البريطانية، ورعتها كلا الدولتين إسرائيل وتركيا.....
ألمانيا النازية في عدوانها على أراضي الإتحاد السوفييتي 1941 -1945 كانت تعلن ومن خلال مكاتبها الإعلامية بزاعة غوبلز أن ألمانيا صديقة لشعوب الإتحاد السوفييتي، وأنّ عدوها هو النظام الشيوعي الحاكم فقط، بينما كانت معسكرات النهاية والأسر مليئة بأبناء وبنات الإتحاد السوفييتي من روس وجورجيين وداغستانيين وتتر وأوزبيك وغيرهم إلى جانب أبناء فرنسا وغيرها من الشعوب الأوروبية. مقولة الغاية تبرر الواسطة مقولة جاءتنا من العالم الغربي. لا ننسى حملات الصليبيين على المشرق العربي 1095-1270 م التي كانت أسبابها المباشرة هي الترزق وإيجاد مصادر للعيش والثروة على حساب موارد الأخرين ودمائهم وأملاكهم.لذا بدأ رجال الكنيسة وكبار رجال الفلسفة والعلم بنشر أفكار حول إضطهاد مسيحيي المشرق العربي، ونهب أرزاقهم والإعتداء على محاصيلهم ومواشيهم من قبل المسلمين في المشرق، إلى أن جُهزت الفرق والجيوش وتوجهت إلى أقاليم المشرق العربي وفي الطريق نحو الشرق تعرضت التجمعات اليهودية إلى الضرب والنهب والسلب قبل الوصول إلى المشرق. حدث ذلك كون العدو هو الإنسان إبن معتقد آخر وديانة أخرى.أقول ذلك كون المشرق العربي حينذاك كان أكثر تقدما، وأحسن حالا في قوته الإقتصادية والتقنية والعلمية.إن ما يتم التركيز عليه في النفاق المعاصر هو دع الكذبة تمشي، دعها تفعل فعلها، أما الإعتذار فلا يسمعه أو يعرفه أحد. هكذا صرحت القوات الأمريكية – البريطانية التي غزت العراق : أن الشعب العراقي هو شعب صديق للغرب، وأنّ الغرض من الغزو هو تخليص الشعب العراقي من حكم الطاغية صدام حسين!!! بينما منذ اللحظات الأولى لغياب الحكم المركزي في بغداد وعلى أعين الجنود الأمريكان نهبت المتاحف العراقية بموجوداتها التي لا مثيل لها، ونهبت مؤسسات الدولة، وعمت الفوضى مع إستثناء وزارة النفط العراقية. القرار الأول الذي أصدره الحاكم العسكري بريمر كان حل الجيش العراقي وكل مؤسسة تابعة لهذا الجيش ترفع العلم العراقي، كل ذلك لإثبات المحبة تجاه الشعب العراقي.وفي ذات الوقت وضع الأمريكان خطة لإنهاء العلماء العراقيين جسديا.
كلنا نذكر حادثة سقوط طائرة بوينغ التابعة لشركة بان أميريكان عام 1988 المتوجهة نحو الغرب، سقوطها فوق ضيعة لوكربي، وكيف استثمرت أمريكا وحلفاؤها في هذه الحادثة، ظهر الإتهام الموجه نحو نظام القذافي بعد عدة ساعات من سقوط الطائرة المنكوبة. بينما أسباب الحادث تكمن في خلاف داخلي بين عناصر من الإستخبارات الأمريكية يعملون في المشرق العربي ، إذ أن جهة من هذه العناصر أرادت إنهاء عناصر جهة أخرى وتصفيتهم كي يحسم الأمر، وكان الحساب والخطة المعدة أن القنبلة المؤقتة يجب أن تنفجر بعد أن تقلع الطائرة وتصبح فوق المحيط، تأخر الطائرة على أرض المطار جعل الخطة فاشلة وانفجرت الطائرة قبل تجاوزها اليابسة، وسبب النزاع بين عناصر الإستخبارات الأمريكية هو أمر في تجارة المخدرات.
نعود إلى سورية، تقوم أمريكا والغرب اليوم بإثارة موضوع المخدرات وبأن مصدرها سورية، في نفس الوقت تقوم أمريكا ويقوم الغرب جهارا نهارا بدعم الفرق والتنظيمات الخارجة عن القانون، التي ليست تحت سيطرة الدولة: من بقايا داعش، وبقايا النصرة... وغيرها من التنظيمات المتواجدة في منطقة التنف، ومناطق محاذية لسيطرة قسد، ومنطقة إدلب، ونحن نعرف كيف أن هذه المناطق تعتبرها أمريكا مناطق صديقة لقواعدها على الأراضي السورية، مصادر التمويل لدى بقايا التنظيمات الإرهابية في هذه المناطق لا تعتمد على المساعدات الواردة من بعض الدول بما فيها أمريكا فقط، بل أيضا من إنتاج المخدرات. لو كان الغرب مجتمعا وأمريكا حريصين على منع تجارة المخدرات لكان من واجبهم التوقف عن دعم جهات خارجة عن القانون وعن سلطة الدولة المركزية وهذا الف باء العمل الأمني.
في السابع من أكتوبر، بعد فشل إتفاقيات أوسلو وتحولها إلى تاريخ منسي، وبعد سخرية الحكومات الإسرائلية المتعاقبة من المبادرة العربية عام 2002 الصادرة عن قمة بيروت، وبعد عقود من التنكيل بالشعب الفلسطيني، ونهب الأراضي، واعتقال من هم في سن ما قبل سن المدرسة من الأطفال، مع إعتقال النساء والشيوخ وزجهم في السجون الإسرائيلية دون قرار من أي جهة لها صلة بالعدل، بعد كل أنواع القهر الممارس من قوى العدوان الصهيوني الدائم على الشعب الفلسطيني، وبعد النسيان المقصود لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة في قضية شعب فلسطين من قبل أمريكا والغرب .. بعد كل هذا قامت قوى حماس والجهاد الإسلامي يوم السابع من أكتوبر بالهجوم على فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي وحققت هذه القوى نجاحا باهرا في تحطيم قوة إسرائيلية مدججة بالعتاد والسلاح وأحدث الأدوات الإلكترونية ومحمية بالجدران العازلة والكاميرات وأجهزة الإنذار.
بغرض التغطية على هذه الهزيمة والفشل الكبير تقوم جهات إسرائيلية وجهة أمريكية متحالفة مع الصهاينة تقومان بفبركة فيلم مليء بالصور البشعة عن قتل الأطفال والإعتداء على النساء والقاصرات والقصر ويصدّق العالم كله هذا الفيلم المفبرك مع العلم أنه لم يتم ذكر أي إسم، أو أي عنوان بيت، أو عنوان شقة، أو رقم بيت، أوحارة، أو منزل، أو إسم شارع، أو إسم أم مع طفلها. تلك هي صناعة الخبر الكاذب على مبدأ دع الكذبة تفعل فعلها، دعها تمر وتؤثر في وجدان وعقول الناس!! أما الإعتذار فلن يسمعه أحد. الحدث الأخير الذي يدمي القلوب هو قصف المشفى الأهلي الفلسطيني /بقنابل مدمرة أمريكية الصنع/، وقد ذهب ضحية هذا التفجير مئات الضحايا، إنه فعل بربري جديد يثبت جوهر الحركة الصهيونية الهمجي الأسود.... الرحمة لأرواح شهداء فلسطين.
***
بقلم الدكتور إسماعيل مكارم