آراء
فساد دولة الإسلام بعد محمد الرسول
من يتعرض لدراسة اسباب فساد الجماعة الاسلامية بعد انتقال الرسول محمد(ص) الى الرفيق الاعلى، لابد ان يوطن نفسه على مواجهة حشد كبير من المشاكل والصعوبات قبل ان ينتهي الى رأي معين يمكن الأعتماد عليه.. شأنه في ذلك شأن كل الموضوعات الخاصة بالجماعة الاسلامية على مدى تاريخها الطويل.. ان هذه الجماعة ودولتها الجديدة وكل ما يتصل بها وما وقع للمسلمين خلال مدة حكمها يتعذر على الدراس ان يقول قولا ثابتا فيها، الا بعد الجهد البالغ لأن الأصول التي تبنى عليها الدراسة السليمة واسعة ومختلفة ومتضاربة، فالأصول والمراجع كثيرة جداً، لكن الدراسات التي تمت بشأنها يفتقر بعضها الى الاصالة والمنهجية التاريخية، فبعض الاصول يمكن ان توصف بالزيف، والموضوعات التي كتبت بخصوصها يدخلها الهوى من كل جانب دون تحقيق.
هذا التوجه الناقص في تلك الدراسات البعيدة والقريبة المتأئرة بالنص المقدس وتحريم الاقتراب منه وتفسيره بما يتلائم والصيرورة التاريخية يحتم علينا اليوم التدقيق واعادة النظر فيها بعيدا عن التـأثيرات او الاهواء الشخصية، لان الاخبار التي تناقلتها كتب التاريخ وتصرفات رجال الدولة الاسلامية بعد محمد(ص) التي نشأت بلا مؤسسات قانونية كان بعضها مبالغا فيه ولربما مخترعاً.
ورغم الاقرار الحقيقي بان بواد الضعف والتغيير قد بدات منذ وفاة صاحب الدعوة.. وقد حاول بعض رجال المسلمين احتواءها فلم يتمكنوا، وخاصة بعد الخلاف بين المهاجين والانصار على الخلافة.. لذا ظلت الدعوة ترافقها أحداث جسام كضرب الشورى وحروب الردة والتأسيس القرآني للمجتمع، وأكتشاف القانون الذي يحكم الظاهرة الجديدة لنشر الاسلام الذي طالبهم بالرأي والرأي الأخر... فقد انتهت العصبية القبلية وحل محلها قانون السماءالمحدد بأعتباره التطبيق الامثل للنظرية الجديدة وأنتهاء عصر القبيلة لكنهم كانوا بعيدين.
ان الذي لم تفهمه القيادة الاسلامية الجديدة هي الظاهرة الجديدة بعد الرسول التي كانت محكومة بظروفها وتطورها.. من هنا كانت اهمية التجديد على مستوى الرؤية التاريخية لتكون قابلة للفعل في ظروف العصر الجديد.. لتتحول الى مشروع بنمطلقات وتوجهات في مستوى النظر والعمل معا في التطبيق.. وعلى مستوى المعيار الزمني المتحرك في التغيير.. بأعتباران أنتهاء نظام النبوة والرسالة وهو الأيذان بأن الأنسانية قد بلغت سن الرشد وبدأت مرحلة تحمل الأعباء.. فلم تعد السلطة والمال يحركان الدعوة كما فهموها أنذاك.. بل نظرية التطبيق في الأعتقاد بعد ان صار العقل حراً مختارا يتوجه بهدى القرآن.
وبأكمال الرسالة "اليوم أكملت لكم دينكم..." وهذه الاشارة القرآنية اوحت للجميع الى بدء مسار جديد للانسانية بأكمال الدين واتمام النعمة وقد كان الرسول شاهدا، فعلى المسلمين ان يكونوا شهداء وهم حاضرون الحدث.. فكيف انقلبت الامور ؟ علينا هنا ان نبحث في التفاصبيل التي غيبها المؤرخون.
ولربما يتسائل البعض عن هذه الاحداث التي انهت عصر الرسول(ص) واستبدلته بعصر السلطة والمال والعصبية القبلية التي أماتت الدعوة الاسلامية منذ البداية.. ولا زلنا نقدس عصر الراشدين دون تحقيق.ففي عهد الخلافة الراشدة التي دامت 29 سنة "11-40 للهجرة " وحكم فيها اربعة من الخلفاء تحولت الخلافة الى مؤسسة نزاع وقثل وتصفيات متخذة من الردة وابعاد الشورى واحلال المحاصصية وابعاد الرأي الأخر دون رقيب اوحسيب.. فأصبح الاموي هو البديل.. والمعارض سموه بالخارج عن الدين.فتوقفت الدعوة منذ عهد بعيد.. فكان السيف في الانتظار للمطالبين بالشورى والحقوق فأختلف الامر على المسلمين حتى ندم الخليفة الرابع على قتل المعارضين.. يقول الخليفة الرابع :"اللهم أجعل بيني وبين الذين قاتلتهم مودة" فلا ندم ينفع ولا تراجع يصلح.. وهكذا كان.. سيف وقتال وخصام على مدى عمر دولة الاسلام.. وأختفاء القانون.. من هذا الواقع المر تريد منهم ان يصنعوا دولة.. ؟
كل هذه الحقائق عتم عليها المؤرخ ليصبح الخليفة راشدي والاموي عضوض والعباسي يستمد السلطة من الله:حسبما يقوله الخليفة ابو جعفر المنصور "انما انا سلطان الله في ارضه...اطيعوني ما أطعت الله" حتى احيط باسوار العصمة والقداسة وليبقى الخطأ دون تعديل.. وحتى اصبح الكفر السلوكي اي الاعتداء والظلم واقعا دون تغيير.. من هنا يجب ان تكتب حقائق التاريخ.. حتى لايصبح التاريخ ملاذاً آمناً في ظل واقعٍ غير جدير بالأحتفاء.وما دروا ان كتابة التاريخ الاسلامي هو رحلة هذه الامة وقصة ظهورها.. فكراً وفقهاً وفلسفةً وعقيدةً وليس روايات وأساطير الآولين.
من هنا اصبح تاريخ الاسلام لا يمثل تاريخ محمد(ص) الامين ودعوة المخلصين والعلماء المجاهدين.. بل يمثل عقيدة تخمة الانتهازيين المزيفين الزاعقين بالشعارات التي لا يفهم منها الا العنف والظلم وعنصرية الطائفيين.. كما ارادته البويهية والسلجوقية ومن جاء من بعدهم من المزيفين من رافعي شعارات المذاهب الموضوعة التي لا اساس لها في الدين والى اليوم.. حتى أصبح تاريخنا يكتب بلقة المنتصرين.. في غزو الشعوب وأخذا السبايا، وجز الرقاب، وما ملكت ايمانهم لتباع النساء في سوق الاربعاء بلا حقوق (كداعش والقاعدة وطالبان اليوم) لنسميها حضارة المسلمين.. لاندري عن اية حضارة يتكلمون.. وعن اية مؤسسات قانونية يتفاخرون سوى السيف وجز الرقاب للمعارضين.. فلم يعد لدينا ما نفتخر به.. بل نفتخر ونتشرف بما يُخزينا في العالمين.
نحن نكتب للقارىء العربي والمسلم النبيه لا للمتعصب العنيد، لكي يصحى على ما يقرأ ويسمع.. ليبتعد عن المبالغات واقاويل مؤسسة الدين ومن يواليها من الحاكمين ومرجعيات الدين.. وبعد ان اصبح التسامح بعيدا عنا.. والتعصب عقيدة لنا.. فهل سنقرأ النص قراءة رأسية ليكون فكرنا رافضا للتزوير.. بعد ان كتبت سيرة الرسول (ص) بخمسة اقلام هي سيرة ابن اسحاق، وابن هشام، وابن سعد، وموسى بن عقبة، وعبدالله الانصاري وغيرهم كثير بعد مائة سنة من الدعوة، كل منها يعادي الاخر ويصف السيرة بما يخالف الواقع في التحقيق.. فأين تاريخنا المعتمد الصحيح.. ؟ سنوالي التحقيق.. مهما يقولون فينا من الناقضين.. على الواعين ان يحترموا قول الحقيقة او بعضها وان كانوا لها من الكارهين....
املاً في البحث والتدقيق في اصول التاريخ الاسلامي لنصحح ما يحتاج الى تصحيح وتصفية ما يحتاج الى تصفية مما شابه من عدم الدقة ومن سوق الاخبار على عواهنها مما اساء الى امة الاسلام والمسلمين.. ولا زلنا الى اليوم في دور التخلف متراجعين.. بعد ان غلفت السلطة كل باطل بغلاف الدين حتى اصبح رأيهم الناقص الذي لا يمكن منعه.. هو المباح.. فاصبحنا لغزُ محيرُ ملفوف بالغموض.. فمتى نصحى على حقيقة التصحيح...؟
***
د.عبد الجبار العبيدي