نصوص أدبية

سعد محمد مهدي غلام: هُيامًا بالنَّهرِ العَتيق

مَسحورٌ بِهَمْسِ الرِّيحِ يَخترِقُ الْمَدَى

فَيَذوبُ صَوْتِي فِي الْفَضَاءِ مُسَافِرَا

وَأُمَدُّ لِلْأَنْوَاءِ نَافِذَةً تُشِعُّ،

فَيَعُودُ رُوحِي مِنْ خِطَابِ الْعَوَاصِفِ مُنَوَّرَا

2

أَنْقُشُ لِلْعِشْقِ انْبِعَاثَ حِكَايَتِي،

وَأَصُوغُ مِنْ شُعَلِ الضُّلُوعِ مَسَارَهَا

وَأَخُطُّ فِي لَيْلِ الْمَسَافَةِ نَبْضَنَا،

وَأُطْلِقُ النَّجْمَ الْبَعِيدَ مُبْتَدِرَا

3

يَغْتَسِلُ الصَّبْرُ الَّذِي شَاخَ الْأَسَى فِيهِ،

وَيَرْفَعُ حُلْمُنَا لِلْغِيَابِ أَعْتَابَهُ

فِي منْفَايَ يَصْعَدُ مِنْ دَمِي ضَوْءٌ،

فَيَمْحُو وشْلَ أَيَّامِي وَيَمْنَحُنِي سَبَبًا

4

أَمْلِكُ هُدُوءَكِ.. اسْكُنِي أَنْفَاسِيَا،

قَدَّسْتُ شَوْقًا فِي دُمُوعِي يَزْهَرُ

وَمَدَدْتُ رُوحِي فِي انْسِحَابِ حَنِينِهَا،

فَتَفَتَّحَ النُّورُ الَّذِي كانَ انْطَفَى ثُمَّ انْكَسَرَا

5

مَفْتُونُ نَبْضِكِ.. لَا أَرَى إِلَّا الضِّيَا،

تَتَصَدَّعُ الشَّمْسُ الْحَزِينَةُ فَوْقَ دَمِي

وَيَهِيمُ ثَعَبٌ فِي جِهَاتِ الرُّوعِ مُنْفَلِتًا،

وَيَمْشِي فِي شُرُوخِ اللَّيْلِ يَمْلَأُنِي نَغَمًا

6

أَبْسُطُ جَنَاحِيَ.. ثُمَّ أَلْثَمُ سُحُبَهَا،

وَأُمَدُّ ظِلِّي نَحْوَ سَهَرٍ مُقْمِرِ

تَحْتَ الْغَمَامِ يَنَامُ وَجْهُكِ سَاكِنًا،

وَيَفِيضُ لَيْلُكِ فِي الْفَضَاءِ كَمُنْبَعِ النَّوْءِ الْمُثْمِرِ

7

كُونِي سَكِينَةَ نَبْضِيَ الْمُتْعَبِ،

كُونِي طُيُوبًا تُسْكِرُ الرُّوحَ الْغَوَى

قُولِي لِقَلْبِي: "هَا أَنَا أَجِيءُ"،

فَإِنَّ دُخُولَكِ فِي الْمَسَافَةِ يَهْدِمُ الْمُنْحَدَرَا

8

قُولِي لِلْحُبِّ: "نَعَمْ".. أَوْ قُولِي: "هُوَ ذَا"،

فَالْمَدُّ يَخْمُدُ حِينَ يَغْتَالُ الْغِيَابْ

وَامْنَحِينِي حِينَ تَرْجِعِينَ حُظْوَتِي،

ظِلًّا يُعِيدُ لِلْحَيَاةِ تَعَبَهَا، وَالْعُودَ يَشْتَعِلُ اقْتِرَابًا

9

عَيْنَاكِ نَبْضُ النَّارِ فِي لَيْلِ الْهَوَى،

وَالْكَفُّ تَعْبُرُ فِي الْعَوَاصِفِ مُبْحِرَهْ

وَأَنَا الَّذِي مَا زَالَ يَسْتَوْقِدُ نَارًا،

تَأْتِي مِنَ الْغَيْبِ السَّمِيِّ وَتَرْفَعُ الرُّوحَ إِلَى مَجْرَاهَا

*

الكودا

يَا نَهْرَ رُوحِي.. أَيُّ وَجْدٍ أَلْهَمَا

فِي لَيْلِنَا نُورًا يُشِعُّ وَيَنْهَمِلَا

*

يَا سِرَّ عِشْقٍ فِي جَنَاحِ ضِيَائِهِ،

عَادَ الْجَزَعُ.. فَتَفَتَّحَتْ أَحْلَامُنَا وَانْبَهَلَا

*

هَذَا هُيَامِي.. لَا يُفَرِّطُ فِي النَّدَى،

وَيَسْقِينِي الشَّوْقُ الَّذِي لَا يَنْفَصِلَا

*

حَتَّى أَرَى رُوحِي تُحَلِّقُ نَاعِمًا،

فَوْقَ الزَّمَانِ، وَيَسْتَقِرُّ لَهَا السَّبِيلَا

*

نَهْرًا.. جَسَدًا.. قَصِيدَةً لَا تُفْنِي السّنَى،

تَبْقَى تُقَبِّلُ عُمْرَنَا.. وَتُعَطِّرُ الْأَبْدَ كُلَّهُ وَتَتَّصِلَا

***

د. سعد محمد مهدي غلام

في نصوص اليوم