نصوص أدبية

عبد الله الجميل: تعجبت من كفي العرافة

تعجّبَتْ من كفّيَ العرّافةْ،

وحدّقَتْ بها كثيراً عندما لم تجد الخطوطْ،

كيفَ امَّحَتْ؟ قالتْ كأنَّها خُرافةْ،

قلتُ لها: لرُبَّما أنا خُلقتُ هكذا،

أو رُبَّما من غادروني عندما احتجْتُ لهم،

قد أخذوا من كفّيَ الخطوطَ كي تُرشدَهم،

كما الطيورُ تأخذُ الحكمةَ من صفصافَةْ،

فقالت العرّافةْ:

يا ولدي مصيرُكَ المجهولْ،

لا أبصرُ البدايةْ،

لا أبصرُ النهايةْ،

*

وعندما غادرتُها نزعتُ من شُجَيرةٍ فتيّةٍ ما مسَّها الذبولْ،

وُريقةً خضراءَ فيها تنضَحُ العُروقْ،

ألصقُتها بباطنِ الكفْ،

وقلتُ فلْأقتبس العروقَ دونَ خوفْ،

وعدتُ للعرّافةْ،

فعدّلَتْ جِلستَها واستعجبَتْ،

قالت: أرى نُسغاً غريباً جارياً،

كأنّما الأشجارْ،

تجيرُ من يأتي إليها هارباً،

فيدخلُ الجذورَ والغصونْ،

كأنّما الأطيارْ،

فاكهةٌ تخفّفتْ من قيدِها،

وألهمتْ بقيّةَ الثمارِ في السجونْ،

لكي تذوقَ لذّةَ الأسفارْ،

وفجأةً توقّفَتْ ووجهُها تجهّمْ،

وقطّبَتْ جبينَها وصوتُها تلعثَمْ:

يا ولدي،

إنيّ أرى الغِربانْ،

تحوِّلُ الأغصانْ،

مشانقاً للبانْ،

ويحكمُ الدخانْ،

وسيّدُ الألوانْ،

الأسودُ الفتّانْ،

وتصدَحُ الألحانْ:

الموتُ للإنسانْ!

*

فقمتُ أمسحَ العروقَ بالحجرْ،

لعلّهُ يُورِثُني سُلالةَ الشررْ،

وعدتُ للعرّافةْ،

فأمسكت يدي،

يا ولدي يا ولدي،

إنّي أرى المطرْ،

عروقَهُ التنسابُ في جلدِ الثرى،

معاتباً يقولْ:

لماذا لا تختارُني كفُّ الفتى؟

لَقطرةٌ منّي سترسمُ العروقَ في حوافرِ الوعولْ،

سحبتُ كفّي غاضباً،

وقلتُ للعرّافةْ:

سأتركُ الكفَّ بلا عروقْ،

خيرٌ ليَ المجهولْ،

من أن أرى مستقبلي،

***

عبد الله سرمد الجميل شاعر وطبيب من العراق

 

في نصوص اليوم