نصوص أدبية

البشير النحلي: فَرَسُ الْقُبورِ

فَرَسُ الْقُبورِ تُراجعُ الْمَوتى وَتَزْدَردُ الغُبار

لي في عَيْنِها

وَلَها

في السّواقي

اللّواتي تَجَفَّفْنَ مِنْ صَفْوِهِنّ

اشْتِباهٌ

تُكَثِّفُهُ الْأدْحالُ الّتي لا تفارِقُها أنْباءٌ لِأبْناءِ النّار

*

صِدْقاً

يقولُ عُمَرْ

رَأيْتُ بِعَيْنِنا ما لا يرى

وَلَقَدْ تَرَكْنا مَنْزلي لَيلاً وَكُنْتُ أنا الوحيدُ مِنَ الدّوارْ

داري هناكَ إِلى الجوارْ

قَسَماً رَأيْتُ مَكانَ مَنْبَعِنا

بَعْدَ انْتهاءِ فَقيهِ لَيْلَتِيَ الغريبَةِ

مِنْ جَداوِلِهِ الرّهيبَةِ والْحِوارْ

باباً عظيماً هالَني

وَتَفَتّحَ الْبابُ الْكَبيرُ أَمامَنا فَإذا بِنا وَسْطَ الْمدينَهْ

وَكَأنَّ هَذِهِ فاسُ حَرْفيًّا

بِها الأضواءُ والأَلْوانُ والأوحالُ

في حاراتِها الْجَصّاصُ والرّصّاص والْبَزّازُ والْخَضّارُ والْعَسّاسُ

والْجَزارُ

في بابِ الأخيرِ جَميعُ أنْواعُ الْكَلاليبِ

الّتي

فيها الْكُراعُ وَقُرْبَها نَشِبَتْ رُؤوسٌ في اصْطِفافْ

إِمّا لِتَيْسٍ أَوْ لِبَغْلٍ أوْ لِكَبْشٍ أَوْ حِمارْ

كانوا ثَلاثَةَ زائرينَ مُنَقِّبَيْنِ وَصاحبَ التّقْييدَةِ الْآتي بِإيعازٍ مِنَ الصَّفِّ الْحليفِ

وَكُنْتُ رابِعَهُمْ

ذِبْحاً سَخيفاً بَيْنَهُمْ

وَرَأيْتُنا مُتَخَبِّطينَ كَأيِّ سِرْبٍ مِنْ نِعاجٍ بَيْنَ قَوْمٍ بالظُّلوف وَبِالْخِفافْ

وَقِلالُهُمْ لا يُسْتراحُ لَها

لَكِنَّنا أُبْنا

وَغُلِّقَ ذلكَ البابْ

لا تَنْظروا لِلْخَلْفِ

قال لَنا الْفَقيهُ

لِكيْ تَفوزوا فَالصّناديقُ الّتي حُمِّلْتُمُ ملآى ثمينَهْ

خِفّوا فَلَسْتُمْ لِلسّكينَهْ

لَمّا دَخَلْنا الدّارَ داري مُنْهَكينَ رَمى الْمَفاتيحَ الثّلاثَةَ رِمْيَةَ المُتَأكّدِ الْمُسْتَأْمَنِ الْعاري مِنَ الْحِرْصِ الْمَقيتِ وَقالَ تَبْقى في الْمكانِ حَصينَهْ

حتّى نَعودَ

فَنَحْنُ في الْفَجْرِ الْصّفِيِّ سَنَنْطَلقْ

لَمْ أسْتَفِقْ

إلّا وَرَأْسي يَحْتَرِقْ

لا أَسْتَوي حَتّى يُعاودَني السّقوطُ فَلا أرى

ماذا أرى

لا شَيْءَ غَيْرَ طَلاسِمٍ وَسْطَ الْجِدارْ

وَمَخاوفِ الأهْلِ الّذينَ تَحَلّقوا حَولي بِغُرْفَتِيَ الرّكِينَهْ

يَتَساءَلونَ عَنِ الْمُصيبَةِ أَيِّ خَطْبٍ قَدْ أَلَمّ بِرِجْلِيَ الْيُمْنى فَصارَتْ مِثْلَ دَرْدارٍ ثَخينَهْ

*

دَعْ ذا (وَلا تَسْتَعْمِلِ التّعبيرَ إنْ شِئْتَ الْبِدارْ)

قِفْ وَانْظُرِ الْعَيْنَ الّتي كانتْ هُنا

لا تَبْكِ للذّكرى

لِعَينٍ أَوْ لِبيرٍ مَسْبَحٍ يا ما تَقافَزَ مِنْ جوانِبِهِ وَمِنْ شَلّالِهِ الْأطْفالُ مِثْلَ ضَفادعِ النّهْرِ الْغَزيرِ إلى القرارْ

اُنْظُرْ لِعَيْنِكَ ما لِعَينِكَ لَمْ تَعُدْ ماءً تَسيلُ بِهِ البَساتينُ الْبَهِيَّةُ لَمْ تَعُدْ باباً يُؤدّي بَغْتَةً لِمَدينَةِ الْجِنِّ الّتي تَحْتَ الثّرى

ماذا تَرى

ثُقْباً تَهَدَّمَ وَانْبَرى

وَبِقُرْبهِ فَرَسُ الْقُبور تُراجِعُ الْمَوْتى وتَزْدرٍدُ الْغُبارْ

وَتَحْكي وَما تَدْري جَفافَ بَحائرٍ

وَيُبْسَ الدّوالي في صُدورِ شِعابِيا

*

وَلا غَوْرَ أيّامٍ رَمَتْ بِسِهامِها

جَميعاً وَما شاءتْ لِذاكَ تَتاليا

*

عَنِ الْقَتْلِ غِيلَةً أَتَتْهُ قَرينَةٌ

تَقولُ فَنَفْري في الرّخاءِ تَباريا

*

عَلى الْفَوْرِ تَلْقانا قَبيلَةُ تابِعٍ

فَنَرْضى اقْتِسامَ الْعَظْم مِنهُ تَماديا

*

صَريحاً

أَقولُ لَها

قَدْ كَسَبْتِ الرّهانْ

رَبَتْ في شِعابِ النّواحي الْوَضائمُ إذْ عَمِيَتْ عَيْنُ كُلِّ الْعُيونِ

تَجَيّفَ فيها جَميعُ ذَواتِ الظُّلوفِ ذَواتِ الْخِفافِ ذَواتِ الْجَناحِ وَحَتّى التّوابِعُ وَالْجِنُّ حَتّى الزّوابِعُ

فَلْتَبْلَعي وَحْدَكَ الْيَوْمَ هَذا الْجَميعَ وَكوني لِكُلِّ السُّنينِ الْجَمادِ لِكُلِ طُغاةِ الْبِلادِ امْتِداداً وَسَيْفَ ضَعينَهْ

***

البشير النحلي

في نصوص اليوم