نصوص أدبية

مصطفى علي: الهِلالُ الخصيب

(حكايةُ جنّتين وجنايةُ

قريتين)

***

وَلَمّا رأى في الجنّتينِ حَرائقا

وَرُؤيا بها النيرانُ شَبّتْ حقائقا

*

مضى في طريقِ العارفينَ مُنوّراً

مصابيحَ مَنْ لا يُبْصِرونَ طرائقا

*

يُريهمْ أساريرَ الكتابِ جواهرا

كما أبصرَ (السَكْرانُ) فيهِ (رقائقا)

*

وَقيلَ قوافي الروحِ وَحْيُ خَسائرٍ

وَتُرسِلُ أطيافَ الفقيدِ فيالِقا

*

كفاكَ لظى الفقدانِ يُلهمُ عازفاً

لِيَشهرَ آناءَ الغيابِ فَوالِقا

*

يُفلّقُ هاماتِ الحُداءِ مع السُرى

وتُنكرُ أحوالُ السُراةِ مُفارقا

*

يَهزُّ عُذوقاً للكلامِ شهيّةً

لِيُطْعِمَ فلّاحاً كذلكَ سارِقا

*

أذوقُ تُموراً كالعُسيْلةِ نشوةً

وأخصفُ خوصاً للنُخيْلَةِ طافِقا

*

يُفتّقُ أكمامَ البلاغةِ عَلّهُ

إذا وَقَبَ الإظلامُ يلعنُ غاسِقا

*

يُفتّحُ أزرارَ الجوى وَيُخيطُها

فَهرطقةُ التبديعِ تُغْويهِ مارِقا

*

فيخْتَلِجُ الوجدانُ لَحْنَ حمائمٍ

وَتسْلو سماواتُ الفُؤادِ عقاعقا

*

تَبُثُّ يَماماتُ الجَنانِ هَديلَها

تَغاريدَ مكلومٍ تَذكّرَ ناعِقا

*

وَرِثْنا رُؤى الضِلّيلِ قَبْلَ غُواتِهِ

معاً شيّدوا في الماوراءِ جَواسِقا

*

وَمِنْ شَجَراتِ النخلِ طَلْعَ سلائقٍ

وكيفَ طُلوعُ النَخلِ تُؤذي السَلائقا

*

سُكارى مِنَ التَهْيامِ خلفَ إمامِنا

نَشعُّ كأنّ الليلَ شعَّ مَشارِقا

*

فَهيْهاتَ بستانُ النخيلِ بجنّتي

يَخونُ حفيدَ الباسقات وعاشقا

*

فَما بَرِحتْ تُزْكي النُفوسَ طُلوعُها

ورغمَ جنوحِ العادياتِ بواسِقا

*

سأهجرُ من غابوا وأرحلُ لاحقاً

حَداثَةَ مفتونٍ يَرومُ لواحقا

*

أنَرْكَبُ أفلاكَ الحداثةِ كلّما

عَدِمْنَ  بحورَ الأوّلينَ زوارقا

*

ونعزفُ لَحْنَ السابقينَ تِلاوَةً

وتأبى القوافي أن تفوقَ سَوابقا

*

سأتلو مراقي السالكينَ سَلالِماً

وأقفو مقاماتِ المنازلِ تائقا

*

وأجلو المرايا في البصيرة جاعلا

مَدى بَصَري بازاً ينادمُ باشِقا

*

بِقلبٍ على جمرِ الحقيقةِ عاكِفٍ

وقدْ فاضَ تنّورُ الخيالِ بَواتِقا

*

بأجنحةِ الشاهين طافَ مَواكِباً

وَبوتقةُ الخيّال فارتْ خَوارِقا

*

خصيبيّةُ الأمدادِ صوفيّةُ الرُؤى

تطيرُ إلى معنى الوجودِ بيارقا

*

فَلسْتُ حكيماً بل أسيرَ نبوءةٍ

ولم أكُ يوماً بالمواعظ حاذقا

*

وَلَسْتُ فقيهاً بالرواية عالماً

ولكنّني أغزو الحقائقَ ذائقا

*

وحَسْبُكَ شطحٌ حازَ طعْمَ تَزنْدُقٍ

وَرُبَّ مُريدٍ قد تزندقَ صادقا

*

وأسطو على سِرِّ البَداهةِ كاشفاً

فُيوضَ حُدوسٍ في اللُبابِ وفاتِقا

*

يَنِثُّ يقينُ العارفينَ نَيازكاً

وألْفَ شِهابٍ للحوالكِ ماحِقا

*

هَوى مَلَكوتُ الوجْدِ قابَ غوايةٍ

نُجيماً على قاعِ البواطِنِ طارقا

*

فَسَحّتْ عُيونُ الخافياتِ مجامراً

تُحرّقُ في بَهْوِ الجِنانِ نَمارِقا

*

وَرَشّتْ قواريرُ الغيوبِ رذاذها

وفاضت خوابي الدالياتِ دَوارقا

*

يَكادُ فؤادُ الصَبِّ يهطلُ كوثراً

لِيُطفي بهِ قيدَ النفوسِ صواعقا

*

لَعَلَّ غواةَ الحَرْفِ طوْعُ مشورتي

غُباقى يعبّونَ الضياءَ غبائقا

*

تسامتْ نُهى العَرّافِ فَرْطَ درايَةٍ

إذا ما تفادى في الضميرِ عوالِقا

*

وزاغت خُطى القيّافِ قُرْبَ يمامةٍ

هُنا الدمعُ حتى الدمعِ أصبحَ ناطقا

*

متى ما تَذُقْ سِرَّ المُدامةِ من فَمٍ

لِهادِلَةٍ أمسى مزاجُكَ رائقا

*

عَتقْتُ هَديلَ الساجِعاتِ بداخلي

ألا ليْتَ ألحاني تُروّضُ عاتِقا

*

أيا جارتا ويْلَ العروبةِ بعدما

مَحا الصنمانِ الأكبران علائقا

*

سألْتُ فُراتَ اللهِ قَبْلَ جفافهِ

لماذا بَكينا يَوْمَ زيفاً تَعانقا

*

أكُنّا كما الغرقى بِوهْمِ عُروبَةٍ

على رُقْعةِ الشِطْرنْجِ نعدو بَيادقا

*

بِخيْلٍ وراء الرُخِّ حينَ تَرادَفتْ

لَها عَمّقَ (الفيلانِ) تلكَ الخنادقا

*

وحولَ الضفافِ الحاضناتِ فُراتِنا

لَمَحْتُ ظلالَ الناطحاتِ عوائقا

*

نَطحْنَ سَماءَ اللهِ حتى تَهدّمتْ

على الجانبينِ الأخصبينِ طوابقا

*

فَيا حَبّذا الأحلامُ تُسْعِفُ واهِماً

وَرُبّتَما الأوهام صارتْ مَشانقا

*

أينسى فُلولُ الجائرينَ صَنيعَهمْ

سَلوا ياسَمينَ الشامِ ثُمَّ الزَنابِقا

*

وَذَكّرْ يَتامى الذابِحينَ نخيلَنا

وَكمْ دفنوا قُرْبَ السَديرِ شَقائقا

*

بأنّي على نارِ الجنائنِ لم أَزَلْ

أزُخُّ القوافي كي تقومَ حدائقا

*

أعوذُ بشعري والمعوذةُ فرقدٌ

يَراهُ فُؤادي في القصيدةِ شاهقا

*

وَيرنو الى كُنْهِ العَدالةِ جوهراً

فَلَمْ يَرَ ما بينَ الأنامِ فَوارِقا

*

ولستُ بِراءٍ للخليقةِ مُنقِذاً

وألعنُ طاغوتاً يُذِلُّ خلائقا

*

وأرشقُ تمثالَ الزعيمِ حجارةً

جُزيتُ عَدوّاً للعُتِلِّ وراشقا

*

وأوما لِأقسى قريتينِ تَراءَتا

ثَعابينَ أرضعْنَ الجِنانَ بَوائقا

*

وَأوصى فراديسَ الهلالِ حصانةً

مَخافةَ عَوْدٍ للضباعِ دَقائقا

*

فَبِسَكَ وزّانا يَكيلُ مُطَفِّفاً

وكائلَ غِشٍّ لا يَهابُ مزالقاً

*

أتيتُ مَكائيلَ المُطفّفِ ناعياً

لِأنصُبَ في ذكرى الضميرِ سُرادِقا

***

د. مصطفى علي

في نصوص اليوم