نصوص أدبية

سعد غلام: الجِهةُ البَاهِتةُ مِنَ الكَوْكب

(بيانٌ عن هامشِ الضَّوْءِ وظلالِ مَنْ عَبروا)

هُنا،

في هَامِشٍ مُغبَّرٍ مِنْ خَارِطةِ الضَّوْءِ،

لا يَراني غَيْرُ رَجُلٍ تَخْنُقُهُ رُؤاهُ،

يَسيرُ بِأَثرِ نُجومٍ أُطْفِئتْ قَبْلَ أَنْ تُولَدْ،

يَتحسَّسُ مَسامَ الحُلْمِ كَمنْ يُفتِّشُ

في دفْترِ الرَّمادِ عَنْ وجْهِهِ

2

وحينَ يَبْلُغُ حَافَّةَ اللَّيْلِ يَسْقُطُ مِنْ ظِلِّهِ،

يَسْمعُ صَدى انْكِسارِ النُّورِ على مِرْآةِ نِسْيانِهِ؛

فَكَّرْتُ: زَهْرةٌ في قِدْرِ صَفْحٍ مِنْ صَفيحٍ قَديمْ،

يتغيَّرُ الشَّكْلَ كُلَّما بَعُدَتْ يَدايَ

عَنْ كُتيِّبِ النَّارِ القَديمْ

3

قَرأْتُ: فِئْرانُ فُنْدُقِ: الحُلُمِ، تَنامُ على قُطْنِ الدُّولارِ،

تُصفِّرُ لِلبشرِ الرَّخيصِ كيْ يُصفِّقوا؛

وخَنازِيرُ تَسْكُنُ الحرْفَ

تَدُوسُ القَصيدَةَ بِلِسانٍ مُهْشَّمٍ

4

رَأَيْتُ: كُلَّما وصلتْ خُطايَ إِلى جِهةٍ،

خَرجتْ لي: العَاصِمةُ الطِّينيَّةُ، مِنْ فُتْحةِ البَريدِ،

تُبلِّغُني: أَنْتَ الآنَ في مَعْرِضِ الطِّينِ المُعوْلمْ

رَأَيْتُ: كَأَنَّ الخَريطةَ فَرَسٌ يَجُرُّ سَوَاقيَ الذِّكْرى،

وكأَنَّ زَمانَنا كيسُ أَعْلافٍ مَشْقُوقٌ

يَسيلُ لِمقْبرةٍ بِلا عُنْوانْ

5

في كَرْكُوكَ تَتعرَّقُ مَعادِنُ النِّسْيانِ،

في الرِّياضِ أَدْهَنُ جَبْهةَ الذَّاكِرةِ

بِزَيْتِ الْإِغْفالِ والطُّلْسُمِ،

في عَمَّانَ أُقيمُ مَكْتبًا رَابِعًا لِإِحْصاءِ الْكوَابيسِ

6

ونُعِدُّ لِلْحرْبِ الجَديدةِ بِكُلِّ رَتابةٍ ورقْمٍ مُسْتقيمْ:

١ – في زَاويةٍ: مُوسيقَى مِنْ صَفيحْ،

٢ – في السَّطْحِ: شَاعِرٌ لا يَمْلِكُ إِلَّا رَمادهْ،

٣ – في التَّحْتِ: عُصْفورٌ يُدرِّبُ لَحْنهُ الأَخيرْ؛

*

وَنُعْلنُ بِاسْمِ اللَّائِحةِ الرَّابِعةِ:

١ – الْفَضاءُ صُنْدوقُ الخَوْفِ والخَشبْ،

٢ – الزَّمانُ يُقاسُ بِمِشْنقةٍ،

٣ – والْأَخُ يَذْبحُ أَخاهُ لِتنْجحَ خُطَّةُ الشِّعارْ،

٤ – الشَّمْسُ: وَجْهُ الحاكِمِ،

والقَمرُ: عُمْلةٌ في جَيْبِ خَليفتِنا الكبيرْ!

7

رَأَيْتُ أَسْماءً مِنْ قَمْحٍ تَتَوَهَّجُ في الغُرْبةِ،

لكِنَّها كَكوْكبٍ لا يَعْرِفُ نَسبَهْ؛

هُنا في الحافَّةِ البارِدةِ مِنْ كَوْكبِنا أَعْترِفُ:

أَحْببْتُ زَهْرةً أُسَمِّيهَا الحَياةَ فَقتلْتُها،

ثُمَّ سَمَّيْتُها: بِلادي

8

أُقَشِّرُ رِيحكِ كَيْ أَصْنعَ مِنْها رَايةً لَا تَرِفُّ،

أَصْفعُ كُلَّ مِرْآةٍ وأَقُولُ لها:

ضِدَّكِ يا بِلادي!

أَهْبِطُ نَارَكِ لِأُقَطِّرَ لَكِ سُمًّا

يَليقُ بِخُلودِكِ

9

وأَعْترِفُ: لكِ في بِلادي سريرٌ،

ولكِ كُرْسيٌّ يُلفُّ الرَّأْسَ بِاسْمِ الصَّداقةِ؛

كُلُّ شَيْءٍ مَعْروضٌ: نَهارٌ في مَزادِ الشَّرِكاتْ،

لَيْلٌ في خِزانةِ مَخْزنٍ قَابِضْ،

حَجرٌ منْ مَكَّةَ، وماءٌ مِنْ نَهْرٍ بِلا مَاءٍ

10

ومعَ ذلِكَ تَلْهثينَ كَأَنَّكِ القُدْسُ في دَمِنا،

وسَايِغونَ وأَنْفاسُ المَغارِبِ والشُّرُوقِ،

والغَرْبُ لا يَدْرِي اسْمهُ ويُقلِّبُ الأُفْقا

11

كُلُّ البَشرِ مُنْذُ المَعْمودِيَةِ الأُولَى

يَحْمِلُونَ رُؤُوسهُمْ في صَحْنِ مَذْبحِهِمْ،

ويُنادُونَ:

الوِلادةُ غَيْرُ آتيةٍ،

ونُرَاجي* الفُرْقا

*

الكودا

عُدْنا إِلى طِينٍ يُسمَّى وَطَنَنا،

وَظِلٍّ يُسمَّى مَجْدَنا وَهْنا،

وقَمرٍ مَهْشومِ الوَجْهِ يَدُورُ في سَماءِ اللَّاوَطَنِ،

في الجِهَةِ الأُخْرى مِنَ الكَوْكبِ تُزْهِرُ ذِكْرى وَحيدةٌ

كَنُقْطةِ مَاءٍ على زُجاجِ العَدمِ

***

د. سعد محمد مهدي غلام

 

في نصوص اليوم