نصوص أدبية

سنية عبد عون: مفاجأة

لنفترض اننا تزوجنا. فما هي أمنيتكِ التي تودين ان أحققها لك.؟؟ وسأكون مرهفا للسمع بما تطلبين..

امتعضت وبانت على ملامحها مسحة الغضب، زمت شفتيها ثم بادرته بقولها: يبدو انك لا تمتلك عاطفة نبيلة تجاه قراراتنا. لماذا نفترض؟؟.

ألم نقرر موعدا للزواج!!.

بدرت منه قهقهة عالية ثم قال لها: بكل تأكيد عزيزتي لكنها صيغة لفظية شائعة الاستخدام. سامحيني ربما كانت زلة لسان أو خانني التعبير لا أكثر.

أجابته والارباك باد على حركة يديها وقد احمرت وجنتاها خجلا وقضمت طرف شفتها السفلى. سأجيب عن سؤالك اذن: نعم ان الأماني كثيرة وأهمها ان نمتلك بيتا صغيرا وأنيقا وأمامه حديقة نزرع فيها انواعا من زهور الياسمين والجوري والليلك كي أجمع كل يوم باقة متنوعة وأضعها بجانب سريرنا. وان يهبنا الله طفلا جميلا نداعبه ونمنحه حبنا وحناننا وهذا كل ما أتمناه.

وأنتَ ماذا تتمنى؟؟ أجابها: اتمنى ان أحصل على اجازة لمدة شهر بعد زواجنا. نسافر خلالها أنا وأنت ونلف مدنا كثيرة لم نشاهدها من قبل ونؤجل فكرة الانجاب فيما بعد والحياة أمامنا طويلة..

قالت: لا. بل أتمنى ان يكون عندنا طفل وأتمناه ان يكون ذكرا ويشبهك تماما..

الا ان إرادة الله جعلتهم ينتظرون فيما بعد سنينا عديدة. عندها شعرت هي بحالة من اليأس الذي بدأ يتسرب الى روحها بعد ان فشلت محاولاتها في مراجعة الأطباء. كانت تتمنى ان تمنحه احساسا بالأبوة وذلك بسبب حبها الصادق له. طلبت منه وبجدية تامة ان يتزوج من امرأة أخرى. لكنه رفض فكرتها ووعدها ان يحقق حلمه بالسفر. ثم أنه ظفر بعمل اضافي في المساء لكي يجمع مالا يكفيهما مؤونة السفر خارج حدود بلده للنزهة.

وذات مساء لا يشبه كل المساءات، وحين حلّ فصل الربيع وعاد السنونو الى عشه الذي هجره في بلكونة دارهم عاد ليعلن ان حلمه يتجدد وانه يشعر بالرضا من تلك السيدة التي يحط في شرفتها كل عام لكنه لا يدري ما سبب حزنها الذي تبثه للريح دائما وخلال كل فصل يسمع تأوهات روحها وهو يسترق السمع لدعائها أحيانا ولغنائها الحزين احيانا أخرى. تنتظره في شرفتها وهي ترتشف قهوتها وحيدة دائما وتندهش حين تراه يطعم صغاره وتسمع زقزقتهم و ترى تدافعهم فيما بينهم لحصول كل منهم على نصيبه من الطعام أو الماء.

عاد زوجها على غير عادته وكان يشكو من ألم أصاب رأسه فوجدها جالسة في تلك الشرفة التي زينتها بأصيص الفخار لنبتة متسلقة والتي أضفت جوا مليئا بالبهجة وراحة النفس وكانت تتحدث بصوت خفيض بكلمات الغزل الرقيق بأسلوب شاعري رقيق وتغني بأغنية عاطفية تأسر القلوب مما اضطره ان يختبئ خلف ستائر النافذة المطلة على الشرفة وأخذ ينصت باهتمام الى كلماتها وهي ما زالت تتحدث تارة وتغني تارة أخرى تسرب الشك الى روحه رغم العلاقة المتينة التي جمعتهما. لكنه أخذ يحدث نفسه يا الهي ليس معها أحد في الدار وهذا الكلام الرقيق والغزل لمن يا ترى ومع من تتحدث في هذه الساعة. ؟؟

فهمس مع نفسه: كم مغفل كنت ايها الأحمق. انها تتصل بهاتفها النقال الذي أهديته إياها في عيد ميلادها الأخير. عندها ضرب على أم رأسه بكلتا يديه. نعم انها لا تستحق ثقتي. ثم اخذ يدنو قريبا منها ودون ان تراه. شعر عندها بارتفاع حرارة جسده وتسارع ضربات قلبه. انه يعمل صباحا ومساء كي لا يتسرب اليأس الى روحها. وليحقق لها السعادة ويعوضها عن حرمانها للأبناء.

ولم يفكر ان يتزوج بامرأة أخرى لأن قلبه قد تعلق بهذه المرأة بالذات دون غيرها.

أخذ يدنو منها أكثر فأكثر حتى أصبح خلف كرسيها مباشرة. وهو يتابع حركة يديها بدقة متناهية ودون ان تراه تفاجأ انها لا تحمل أي هاتف بيدها. اذن هل أصيبت زوجتي بالجنون. فقرب رأسه منها ليراها تمسد على بطنها وهي تقول: ستكون فرحة غامرة لأبيك حين أخبره بهذه المفاجأة الغير متوقعة.

***

قصة قصيرة

سنية عبد عون رشو

في نصوص اليوم