نصوص أدبية
مروان ياسين الدليمي: أطفال لم يكبروا أبدًا

في المساء،
يستيقظ الضوء من تحت الطاولة،
يتثاءب مثل كتابٍ نسي أحدهم أن يفتحه.
*
الكؤوس على الرفوف ترتعش بلمسة الهواء،
كأنها تسمع خبرًا لا تريد تصديقه.
*
المدينة تجلس على حافة النافذة،
تعد أنفاسها بحذر،
وتضع قناعًا من غبارٍ أبيض على وجوه المارة.
*
كنا نظن
أنّ الحجر سيكفّ عن التقيؤ دمًا من جدران البيوت،
وأن الأطفال سيكتبون أسماءهم على دفاتر نظيفة
بدل أن يعلّقوها على صمت القبور.
*
لكن الظلّ
يمد ذراعيه مثل أبٍ غائب،
يعانق ما تبقّى من العراء،
ويتركنا في منتصف الطريق،
نحدّق في لافتةٍ مقلوبة،
تقول:
هنا يبدأ وهم الارتقاء.
2
في الصباح،
تسقط الصحف على العتبات مثل طيورٍ ميتة،
تحمل أخبارًا
لا يجرؤ أحد على قراءتها بصوتٍ مرتفع.
*
النافذة تتنهّد،
تفتح عينيها على شارعٍ بلا أسماء،
تراقب عربات الخضار وهي تعود فارغة،
كأنها تحمل ذاكرة السوق وليس بضاعته.
*
الأمّهات يخبزن الخبز
بأصابع مرتجفة،
يضعن الملح كأنهن يذررن رمادًا على جسدٍ لا يبرد.
*
في المقهى،
الفناجين الصغيرة تصغي،
تشمّ رائحة البنّ
كأنها تبحث عن معنى لم يكتب بعد في أي كتاب.
*
كنا نظن أنّ الأرض سوف تنصت أخيرًا إلى صراخنا،
أن الأشجار ستنحني لتظلّل القوافل الهاربة من الدخان،
لكن السماء أغلقت بابها الأزرق،
وتركتنا نتسكع
تحت شمسٍ لا تفرّق بين القاتل والقتيل.
3
في الليل،
يجرّ القمرُ نفسه على السطح
مثل مصباحٍ قديم نسيَ كيف يضيء.
الأبواب تنام واقفة،
تحلم بخطواتٍ لن تعود،
والسلالم تئنّ من ثقل الغياب،
كأنها تحمل قوافل مجهولة
إلى مدنٍ لم تُرسم على الخرائط.
*
الأسماء التي كتبناها بالطبشور
على جدران المدرسة تلاشت مع المطر،
لكن صدى الحروف ما زال يركض في الرواق،
يبحث عن أطفالٍ لم يكبروا أبدًا.
*
كنا نظن
أنّ البشرية ارتقت،
أنها ستغلق عينيها أمام المذابح
كما يغلق العاشق باب بيته ليحمي لحظةً هشًّة من الضياع.
*
لكنّ الشاشات
تفتح أفواهها كل مساء على غزة ،
تمضغ الصور ببطء،
تبتلع المدن كحباتٍ صغيرة،
وتعيد لنا وجوهًا شاحبة كأنها مرايا متكسّرة،
تقول بلا صوت:
كل ما صدّقتموه لم يكن سوى أوهام.
***
مروان ياسين الدليمي