نصوص أدبية

أيمن الخراط: عزاء واجب

الشمس تسحب آخر خيط أحمر لها من فوق أسقف الموقف القديم، البحث عن سيارة تحملك الي قلب المدينة البعيدة أصبح الآن هو شاغلك الأهم حتي يمكن اللحاق بآخر ربع من جلسة العزاء المنصوبة علي حدود المدينة.

عرفته منذ سنوات بعيدة، كان يأتيني مع المريدين من رواد الليل، نعتلي سطح البيت القديم المجاور للصهريج ولضريح الشيخ الجليل.. نحتضن الكلمات ونلهث كالفراشات خلف مفردات النوروفي آخر السهرة كان يدندن بأغنيات كارم وفوزى ورشدى حتي يأتينا صوت الشيخ الأتربى من المسجد القريب مناشدا بأن الصلاة خير من النوم.

حين أريد الموت سوف أترك الزحام وآتى اليك لأموت كأوزوريس في أحراش الدلتا.. يضحك.. تنساب كلمات العتاب كنهر من الأحزان أمام الشارع المظلم الذي اختاره علي حدود المدينة منفى الى حين.. لم تكن تؤلمه غير ابتسامة أمانى التي ستفارقه كل صباح قبل أن يأخذ الطريق الى مبناه الحكومى الكئيب

عدد الركاب يكتمل، الرحله طويله والنسمات القليله الآتيه مع سقوط أوراق آخر أيام الخريف تخترق الأنف والصدر المتعب مع طائر الذكريات الأليمة

فى آخر لقاء على باب صيدلية الشفاء والغروب كطائر خرافى يفرد علي المدينة التي سكنتها الوطاويط أجنحته الداميه يسألنى: بتشوف جمال.. لم يعد يأتي الينا

أجيبه: الدنيا مشاغل.. الخط مقفول طول الوقت

تعاودنا الذكريات.. كان ثالثنا حين حاصرتنا الكلاب وأوحال الشتاء وعربة الدورية الزرقاء وأوراق الجريدة المطبوعة فى أيادينا تنتظر الصباح

يهز رأسه في أسى وهو يشاهد عمال الهدم يأتون على الجدران الباقية من المبنى الذى احتضن ثورة المدينة منذ مائة عام بينما كانت اجراس الكنيسة القريبة تدق لتشييع متنيح جديد

الصمت والسكون هو التابوت الذى نسكنه حين تطول بنا المسافات ويمتد بنا الطريق، لاشئ غير صوت العجلات فوق الأسفلت واختفاء النجوم خلف سحابات الأفق

فى أيامه الأخيرة أكدوا لي بأنه رغم ألمه الشديد كان يمسك العود ويغنى.. واستمر يسأل عنى وعن أمانى وجمال ويغنى.. والسيارة على حدود المدينة لاح وجهه من بعيد يعاتبنى.. مع اقترابى كان نفر قليل من ذويه يرفعون ماتبقى من كراسى ويطفؤن الانوار

***

قصة قصيرة

أيمن الخراط

 

في نصوص اليوم