نصوص أدبية
أمان السيد: صحن ورق دوالي

السماء تمطر..
نعم تمطر..
ليس المطر الذي نعرفه، أحيانا لعنات، أحيانا أشكال خرافية، وأحيانا صحن ورق دوالي، وفي لبّ الأوقات رصاصا!
ذات يوم في إحدى جلسات ذلك البائد، كان هناك رجل عنتري، أتعرف كيف يكون الرجل عنتريا؟
سترد سريعا، هو قبضاي مثل عنترة بن شداد، وسأهز رأسي نافيا، وستكمل إذا هو عاشق مثله أيضا، وعندما تراني أسخر من إجابتك بأن أمطمط شفتي.. انتبه، أنا لم أخرج لساني، اكتفيت فقط بأن زممت شفتي، وحركتهما في كل اتجاه، كما تفعل أم أربع وأربعين..
لن أقول لك ماذا قصدت بالأخيرة، سأترك لك محرك البحث في شاهد رمضان، أثق أنك ستكتشفها!
لكن..
إن لم يكن عنترة الشاعر الأسود، فمن هو؟
الأسود.. ولا تنابزوا بالألقاب، نحن في رمضان!
ها ها لقد أمسكنا بطرف الخيط
هو أبيض، ووسيم وينتمي إلى فئة تطلق الرصاص متى رغبت، وحتى لو كان السبب لا سبب..
وماذا بعد؟
حلا لذاك العنتري..
على فكرة.. لديه مكتب فخم تزينه لوحة محفورة بحرفية وبراعة تحمل ألقابا انتقاها بنفسه، وخطها له أهم الخطاطين في المدينة، وعندما حاول أن يعترض..
من؟
الخطاط.. المسكين حلا له أن يعترض على واحد من الألقاب فقط، لشكله ليس غير..
لعلك تريد أن تخبرني؟!
نعم.. هي رصاصة في جبهته، لقد جلبها لنفسه..
كيف يفكر أمثاله بالاعتراض، وهل حصل ذلك قبل أن ينهي اللوحة أم بعدها؟
ما أسخف استنتاجك!
بعدها بالطبع..
ماذا إذا حين نصل إلى صحن الورق دوالي؟
ستكون بمنتهى الغباء كما أراك!
في ذلك المكتب كل وسائل الراحة، ومنها ثلاجة فارهة طولا وعرضا، وفي ذلك اليوم كان يزينها صحن ورق دوالي جلبه العنتري من بيته بعد أن قامت طباخته الماهرة بطبخه، وأسالت عليه الدهن، وأشبعته بالحامض، ووكأته فخذ خروف ورؤوسا من الثوم.. هكذا يطبخونها في مدينتي..
ثم ماذا؟
بعد أن أكل بضعة أمشاط منه......
لن أبتعد في الوصف إن قلت إن أصابع ورق الدوالي لا تختلف عن أمشاط الرصاص شكلا، وتأثيرا، خلّى الباقي ليمزمز به في السهرة برفقة كأس عرق صك/ أعني صافيا لم يمزج بالماء/ اسأل عنه سكارى مدينتي أيضا/ وخرج لبعض شأنه محذرا حراسه من الاقتراب من الصحن، أو حتى محاولة شم رائحته..
لكن عندما جاعوا نبحت بطونهم تطلب الطعام، ففقئ الاحتراز بعد أن تغلغلت رائحة ورق العنب/ هنا لمن ما يزال يجهل مسمى الطبخة/.... وهممم.... همممم... التهموا الأمشاط ماسحين المحظور على بكرة أبيه!
يا للهول..
وماذا بعدما رجع؟
لم يعترف أحد منهم بذنبه، فخطرت له فكرة جهنمية لن تخطر إلا لأمثاله.. قرر أن يقوم بتحليل لبرازهم..
ماذااا؟
ألم تُجر تحليلا لبرازك من قبل؟!
بلى، ولكن أيعقل..
وما الذي يمنع؟ّ
ألم أقل لك إنك ساذج جدا!
سرعان ما صار موظف المخبر الذي يعمل عند الطبيبة في الطابق الذي يعلوه بين يديه، وسحب عينات البراز بنفسه.. لا تستغرب، فالبودي غاردز الذين يخصونه تخضخضت سراويلهم من الخوف، وعملوهااا.. تحتهم/ هي بعض المصطلحات من مدينتي أيضا/ فألتمس عفوك إن سقطت من لساني بحكم التداول، أو إن عبثت بمنخارك..
السماء التي بدأت تتوشح بغروب يسحب قفطانه فوق البحر القريب في ذلك الوقت وقفت تراقب مشهدا اعتادته..
تعالت أصوات ركلات، ورفس تدحرجت على أثرها العضلات المنفوخة فوق السلم ترافقها قذائف، وشتائم الدكتور ذو الألقاب المتسلسلة.
***
أمان السيد - أستراليا
18-3-2025