نصوص أدبية

قـدّور رحماني: مشتاقة إليك

مشتاقة أنا إليكْ..

مشتاقة أنا إلى تقاطع السيوف بـيـن ساعديكْ..

مشتاقة أنا إلى تطريز قامتي

بأحلى ما تشظى

من حضارة العصور في بروج مُقـلتيكْ..

مشتاقة ..

أريد أن أسكُـبَ موسيقى أصابعــي

عناقيدا تـمُـوج كالعذارَى في الندى

فوق ضفاف راحتيكْ..

مشتاقة..

أريـد أن أمْـرَحَ ـ دون رجعة ـ

من غير سَـرْج أو لِـجَام عابـرٍ

كالمُهرة البـرّيّـة البلقاءِ ..

أعدو.. ثم أعلو.. ثم أحْلــو حين أغـدو

ديمَـة ً ورديّـة ً

تُطـرّزُ الهواءَ والمدى

بما يفيـض من زُمُــرّدٍ، يضيء كالمجهول

في غيــوم ناظـرَيكْ..

ياطائرَ الفيـروز كَـمْ من خنجـرٍ

سافـرَ في أوردتي

لكنني رفضتُ أن أموتْ

لأنني مشتاقة إليكْ..

مشتاقة..

كأنني رنـينُ وشْـمٍ في حنين عالقٍ

في سِــدْرَة ٍ راعفــة ٍ

يكتب ما لم يَــرْوِه الــرّواةُ

عن خرائط الأحزان والجَــوَى..

مشتاقة..

كأنني قـبيلــةٌ من شُهُـب

تلهث كالأجراس في منزلـق الدمع الذي

يُعشب بالأملاح والتَّــذكار والنّــوَى ..

مشتاقة..

قد يبستْ كل قوافي الجُلّـنَار في فمي

ونجمُ عمــري قد هــوى

لكــنّ قلبي عن دروب الأقحوانْ

ما ضــلّ يوما أو غَــوَى ..

مشتاقة أنا إليكْ ..

منذ مليكُ الحب فوق عرشه استــوَى..

مشتاقة..

تجرحني وسادتي بعشبها..

وهاتفي النقالُ في الدجى يفرّ من يدي مرتجفا

كالقمر المبلل..

مشتاقة..

من شفتي تطيرُ كم لؤلؤةٍ

تسبقني كسرب نوْرَس إلى شُـطآن ذاك الرجل..

أحبّـه في كل ضـدٍّ قد تلاشى طـرَبا في ضدَّه

كأنه عرجون حنظل مسافــرٌ معي

في أفـق من عسـلِ ..

مشتاقة..

تخطَــفني صراحة المرآة من أنوثـتي

مَجَــرّة ًغافلة ً

تزخرفتْ بالشّـُـهْب والرماد والتخـيّــل..

مشتاقة..

وحدي معي يؤنسني ..

يسحبني تنهّــدُ المصباح من دمي

كـوَردة الصّـدَى..

يجرحني نُــوّارُ صدري والندَى

ولـؤلــؤ ُ الأشـواق يجري كالغروب هائما

في شفتي وأنـمُــلي ..

مشتاقة..

تعْـبَثُ في شَعري

أصابعي وأمواجٌ وبَــرّ ٌهائم ٌ

وكم وكم من نجمة نائيـةٍ وجـدولِ ..

يا سيّــدَ المقام كُـلّمَا

خبأتُ كفي في يديك اغْـرَوْرَقـتْ

كالكوكب الورديّ، ثم احترقتْ

كطائر الفينيق، ثم أينعت بأدمع الرماد

بين مَجهل ومَجهل ..

تنثر من وميضها المبحوح عطرا غامضا

مثـلَ رَذاذ الليل عندما

يهيـج نحلـُـه في مذبــح التّـبَـتّـل ..

مشتاقة..

ألقاك في مُنكسَــر القلب الذي

نَحَـتّـهُ من كتب الأطلال موعدا مؤجلا

ومن تكسّـر الرماح بين أضلعي

تلمّـني مثـلَ بقايا من ضباب في دمي..

تـلـقُــطني من نَـبَــق البرق

ومن توهّـج الياقوت في تَحنان كل أصبع ..

مشتاقة..

تـشعلني نوافــذ ٌ

تشهق في أوردتي..

تنثرني على حقول صدرك الصيفيّ

صحوا ماطرا

كــرَشّــة السراب بين حيرتي وأدمعي..

ألقاك في بُــحّة خاتمي الذي

زخرفـتُه بنبضتي.. نمّـقْـتُـه بدمعتي..

زوّقْـتُه بقُبــلة بطيئـةٍ

نازفةٍ بالشّهْـد والنيران والشذى

في أرَقِـي وفي لواعج الرياح الأربعِ ..

ألقاك كم ألقاك

في مآذن النسيانِ .. في صوامع الهجرانِ ..

في تنهد الأشجار والـذُّرَى

ترتّبُ الأقمارَ والبحارَ والدنيا معي ..

ياطائر الفـيـروز كُلّمَا

نقشتَ لي أغنية بريّــة في عنقي

تنهدتْ

معابدُ المَرجان ثم اشتعلتْ

في غرقي

وحينما

تطايرتْ أناملي مع الندي

أقبلتُ مـن كـل كواكـبي عليكْ

أنزفُ كالكمنجــة البيضاء

ما بين يديــكْ..

مشتاقة ..

من فَـرْط ما بكيتُ

أمسَـتْ كلُّ نجمة

في الكون دمعة ًمشتاقة ً إليكْ..

من فرط ما فَـنِـيتُ

كلُّ خانة عسّـلتُها بالصمت

أصبحتْ بقايا نحلــة

ترتاح كالخلود في رحيق وجنتيكْ..

من فرط ما قبّـلتُ

فيك جُـرحيَ المفتوحَ كالرمّـان

كـلُّ قُـبلــة تحوّلتْ

في أرَق الشّـطآن وردةً، وذكرى من دمي

وسُـكّري في شفتيكْ ..

***

د. قـدّور رحــماني

في نصوص اليوم