نصوص أدبية

حيدر كرار عدنان: ما الذي سيحصل؟

أسير وحدي، راكبًا جوّالتي،

أقطع الطريق نحو الأرض المفتوحة،

حيث النخلُ يحرسُ الفقراء،

وحيث المجانين يحادثون الله دون وسيط.

هناك، في أطراف المدينة،

في البقعة التي يسمّونها "الشبانات"*

أذهبُ لأتأمل،

أفرش نظري على خضرةٍ لم تمسسها يدُ الإسفلت،

أسحبُ نفسًا من سيجارتي،

ثم ألتفتُ،

فإذا بالأطفال يركضون في العراء،

يلعبون كما كنا نفعل ذات زمن،

وحينها…

يسرقني التفكير.

*

ما الذي تغيّر؟

الألعابُ ذاتُها،

لكنَّ اللاعبين يتبدّلون،

كبرنا…

ثم كبرت الحياةُ علينا،

ثم لعبت بنا كما لو كنا دمى،

ثم رحل بعضنا إلى وادي السلام*

والباقون ينتظرون دورهم في قائمةٍ طويلةٍ بلا ترتيب.

*

أتذكّر جدتي،

المرأة التي حرمتها الأقدار من أن تكون أمًّا لأكثر من واحد،

فوهبتها الحربُ لقبَ أمّ الشهيد،

وجلستْ تطرقُ ساقيها بأسى،

تنشدُ مرثيةً جنوبيّةً بصوتٍ موجوع:

"من يومها گلبي ولا طاب"

"ومليت أناطر دگة الباب"

"ثاري الهوا والباب چذاب"

"ردّ النه مو غادين عطاب!"*

*

أتأملها وهي تكرّر الأبيات ذاتها كل ليلة،

كأنها تحاول أن تستعيد صوت ابنها من ظلمة القبر.

*

وأنا؟

أضع يدي على وجنتي،

وأغرق في أسئلتي التي لا تنتهي:

*

ماذا لو منحت المقابرُ يومًا إجازةً للموتى؟

لو عادوا إلينا كما يعود العاملُ بعد نهاية الدوام؟

كيف سيكون شكلُ اللقاء؟

هل سيفزع الأحياء أم يحتضنون الغائبين؟

هل ستبكي الجدّاتُ بفرحٍ أم بخوفٍ من وداعٍ آخر؟

*

ماذا لو تحوّل صراخُ يوم القيامة إلى معزوفة؟

هل سيظلّ الحساب رهيبًا أم يصبح الكون حفلةً أبدية؟

*

ماذا لو قَبِل اللهُ توبةَ إبليس؟

هل ستنهار خطط العذاب؟

هل ستُطوى جهنّمُ كما تطوى الصحفُ بعد انتهاء الأخبار؟

*

ماذا لو وضعوا قنبلة غازٍ مسيلٍ للدموع في يد مَلَك الموت؟

هل سيرجعها كما فعل "أبو علاوي الحلاق"؟

يردّها عليهم ضاحكًا، قائلًا: "خذوها،..

لا حاجة لي بها، الموت يكفيكم!"

*

ماذا لو استبدل الموت الظاهر بالحياة الظاهرة؟

لو لم نرَ القبور، بل رأينا أهلها يتجوّلون بيننا؟

*

ماذا لو لم يكن اللون الأحمر موجودًا؟

هل سيبقى للحبّ عيد؟

أيّ لونٍ سنختار له؟

أم سننسى الحبَّ كما نسي العالم الرحمة؟

*

ماذا لو…

ماذا لو…

ماذا لو…

*

أشعل سيجارة أخرى،

أنفث الأسئلة مع الدخان،

وأعود من "الشبانات"،

كما جئت…

وحيدًا، ممتلئًا بأشياء لن تحصل أبدًا.

***

حيدر كرّار عدنان

.....................

 * الشبانات: منطقة مجاورة لمنطقة الشاعر في كربلاء، يقطنها أناس بسطاء، يعيشون في ظروف متواضعة، تملأ شوارعَها ضحكاتُ الأطفال وهم يلهون ببراءة، وتنبض بالحياة، وسط بساتينها الغنّاء، التي تضفي عليها سحراً خاصّاً.

* وادي السلام: مقبرة مدينة النجف، أكبر مقبرة في العالم

* يذكر الشاعرُ جدته التي أعدمَ النظامُ الفاشيُّ السابق إبنَها، فظلَّتْ تحنُّ اليه حتى يوم رحيلها.

في نصوص اليوم