نصوص أدبية

محمّد جَواد سُنبَه: أَنَا وحِمَاري وأَزْمَةُ الكَهْرَبَاءِ

(مقامة)

في صَبيْحَةِ يَومٍ شِتويٍ بَردَهُ يَقْرِسْ.

ذَهَبْتُ لأَتَفَقَدَ حِمَاريَ أَبَا (الحَيْرانِ) المُؤْنِسْ.

فَوَجدْتُهُ قَدّْ غَادَرَ مَربَطَهُ دُونَ أَنْ يُنبِسْ.

تَصوَّرتُ أَنَّ عِصابَةً خَطفَتْهُ بالليّْلِ المُبلِسْ.

جُنَّ جِنُوني ورِحتُ بَيْنَ الأَزقَةِ أَبحَثُ عنهُ ولأَخبَارِهِ أَلتَمِسْ.

فَوَجَدّْتُ حِمَاريَ أَبَا (الحَيْرانِ) قَدّْ أَقامَ بالنَّاسِ مَجْلِسْ.

يَخْطُبُ في القَوْمِ وبأَعلى الصَّوتِ؛ دون خَوّفٍ يُخْنِسْ.

يَهتِفُ بصَوّتٍ جَليٍّ تكادُ روحُهُ تَخرجُ ويَفْطِسْ!!!.

يَصيحُ بالنَّاسِ:

أَينَ الكهْرَباءُ .... يا عِبَادَ اللهِ؟؟؛ إِنَّ حَالَنَا مُقرِفٌ مُبْئِسْ.

صَرَفتُمْ آلافَ آلافَ الملايين؛ والكهرَبَاءُ وَضعُها مُيْئِسْ!.

قُلْتُ يَا حَبْيّبَ رُوْحي يَا أَبا (الحَيْرانِ) قولُكَ الحَقُّ والحَقُّ يُخْرِسْ.

قَالَ لي عَزيْزي أَبُو (الحَيْرانِ):

يا (ابْنَ سُنْبَه)، اسْكُتّْ ... واجلِسّْ مَعَ النَّاسِ ولا تَهْمِسْ.

فإنَّ السُكوتَ هو الرَدَى .... والسُكوتُ أَمْرٌ مُنْحِسْ.

وَ اسْتَمَرَ حَبيبي أَبو (الحَيْرانِ)، يَخّْطُبُ بالنَّاسِ وبسَاقِهِ يَرفِسْ.

مُسْتَرسِلاً بنَقّْدِ الحُكُومَةِ؛ لا يَفْتِرُ ولا يَهدَأ ولا يَهْمِسْ.

يُحَدِّقُ بوجُوهِ النَّاسِ، ويُحَمّْلِقُ كأَنَّهُ عَرّافٌ مُتَفَرِّسْ.

يَحثُهُمّْ على مُواجَهةِ الحُكومَةِ بوَجّهٍ مُكّْفَهرٍ مُعّْبِسْ.

وَ كأَنَّهُ رَئيْسَ حِزبٍ قويٍّ مُحْمِسْ. (أَحمَسْ: شجاع).

لَطَمّْتُ وَجْهي وصَرَخْتُ صَرْخَةَ مَلْسُوعٍ أَخْرَسْ.

قُلتُ:

يا حَبيْبي يا حِمَاري يا (أَبا الحَيرانِ):

مَاذا تَقُولْ؟، فقولُكَ خَطيرٌ بِذَا المَجْلِسْ.

سَتُحارِبُكَ الحُكومَةُ والأَحزابُ ... وسَتَعلَمُ أَيُّها الحَبيْبُ المُؤنِسْ؛

أَنَّ قَوّلي هَذا؛ هُوَ قَوْلُ صَّديقٍ مُخّْلِصْ.

قَالَ حِمَاريَ بغَضَبٍ شَديدٍ أَهوَسْ:  (أهْوَسَ: مَنْ أصَابَهُ مَسٌّ مِنَ الجُنُونِ).

صَهٍ (يا ابنَ سُنْبَه)؛

إِنَّ النَّصيحَةَ عِندَنا واجِبٌ وطنيٌ أَقّْدَسْ.

فَخِطابُنَا بالنَّاسِ قولٌ جَميّْلٌ لا يُوْكَسْ. (وكَسَ الشَّيءُ: نقَص).

فَهَلّْ نَترُكُ النَّاسَ يُعيْدونَ التَّجارِبَ مَعَ كُلِّ سَارقٍ مُخْتَلِسْ؟.

قُلتُ نَعَمْ يا عَزيْزي يَا (أَبا الحَيرانِ):

قولُكَ الحَقُّ والحَقُّ أَبْلَجٌ مُشّْمِسْ.

قَالَ رَفيْقِي (أَبُو الحَيْرانِ):

إِذَنْ (يا ابْنَ سُنْبَه)، أُسّْكُتْ وانْصِتّْ ومَعَ النّْاسِ إِجّْلِسْ.

أَلمْ يُوافِقُ مَجْلِسُ النُوّابِ على اختيارِ هَذا الوَزيْرِ المتَمَرِسْ؟.

أَلَمْ تُثْبِتُ وِزارَةُ الكهْرَبَاءِ؛ فَشَلَها المتَغَلِّسْ؟. (الغَلَسْ: ظُلمة آخر الليل).

قُلتُ: نَعَمْ يَا صَديقي، يَا حِمَارَنا العَزيزَ المُخلِصْ؛

يا خَيرَ مَنْ تَحَدَثَ بهذا المَجْلِسْ.

لَقَدّْ قُلْتَ وقَولُكَ الحَقُّ يَا حِمَارِيَ الكَيِّسْ.

إِنَّ للحَيَاةِ رِجَالاً غَيْرَنَا     يَبْغُونَ الْيُسْرَ مِنَ المُفْلِسّْ.

***

محمّد جَواد سُنبَه

كاتب واعلامي

في نصوص اليوم