نصوص أدبية

مريم عبد الجواد: بقايا حديث..

قالت وهي تعبث بعصبيّة بالأوراق الّتي أمامها بينما تبحث بعينيها عن الاطمئنان بين قسمات وجهه:

أَسَبق أن راودك هذا الشّعور العميق أن لا شيء جديرٌ بالكتابة أو التّخليد؟ لا شيء يستهويك لتجعل من تفاصيله وشْما على صفحات كرّاسك الّتي باتت مهجورة..

كتائه قرّر أن ينسلّ فجأة من بين صفوف التّائهين ويبحث عن ظلّه..

لكن ماذا بعد؟ لا تعرف أين أنت من هذا الّذي يحدث بالخارج، أين تقع وجهتك والى أيّ مدينة تنتمي..

لا شيء تماما. لا شيء يستفزّ عقلك لتفسّره أو تعيره بعضا من انتباهك.

أخبرني كيف أعيش دون أن أغرق. كيف أنسج من الفوضى فكرة دون أن أتبعثر كيف أخطو على سطح الأشياء برشاقة ولا أنصهر.

فلتخبرني كيف أكون!

..ماذا أريد؟ ربّما أريد أن أجد بين أحداث العالم المكرّرة شيئًا ينقذني من عدميّتي الّتي أصبحت قدرًا وشيكا أخشاه..

لكن لا شيء. لا شيء بداخلي سوى اشمئزاز مرير من هذا الانسان المعاصر المبتذل..

الآن تبدو صرخة محمود درويش "لا شيء يعجبني" حقيقيّة أكثر من أيّ وقت مضى..

أنا ايضا "أريد أن أبكي" أحلام الأطفال الدّفينة تحت رُكام بيوتهم

أريد أن تختلط دموعي بدموع أمّهات ثكلى تنعى الوطن والولد معًا..

أنا أيضا، يا درويش، لا شيء يعجبني في عالم يختلط به دويّ المدافع من جهة بضجيج الاحتفالات من جهة أخرى كسمفونية تراجيدية بعثت من حلق الموت تلعن هذا الوجود..

أخبرتك من قبل أنّ هذا لم يعد يعنيني لكنّني أعود في كلّ مرّة ألتمس الأمل في هذا الانسان الّذي ما ينفكّ يقوّض رجائي.. لم يعد هنالك من انتظار لجديد يقدّمه هذا الكائن البائس المتخبّط في جشعة غير الدّمار والهلاك للإنسانية التي غدت وهْما طوباويّا يتغنّى به فلاسفة هذا الزّمن. وأيّ زمن؟ زمن الكلمات الفضفاضة التي يردّدها السفسطائيون ومدّعو المعرفة.. زمن أصبحت فيه الثّقافة محض قشرة تغلّف العهر الفكريّ لقطيع مُعدم..

اتركني وشأني ولا تطلب رأيي أرجوك فما يحتاجه العالم ليس مزيدًا من الآراء..

صحيح أنّه "على المرء أن يتخيل سيزيف سعيداً" فعلى الأقلّ قد وجد شيئا من المعنى في معاناته المكرّرة..

وأنا أيضا لا شيء لديّ أحتمي به من هذا الخراب سوى عدميّتي.. اتركني أنعم بالسعادة في وهمي وأتجاهل تساقط الأحلام في هذا الخريف الحزين كما تجاهل العالم دويّ القصف فوق رؤوس أطفاله.

***

مريم عبد الجواد

 

في نصوص اليوم