نصوص أدبية

قصي الشيخ عسكر: التمثال.. سيرة حياة الإله شولكي

رواية مزدوجة

الفصل الأوّل

الإنسان الإله

ساحة الفردوس

كان البروفيسور نامق كريم الأستاذ في جامعة بغداد والرئيس للجنة دراسة الآثار في المتحف الوطني يتهيّأ ليوم جديد يتعامل فيه مع باطن الأرض، بطريقة أخرى

يسير أغوارها

يتنفس رطوبة التراب.

ليس عبر الحفر أو المعاول والأدوات الحادة

فالبصر وحده يقوده إلى حيث يشاء.

بعد كلّ ذلك تبقى عيناه شاهدتين على ماكان وما يمكن أن يكون.

ما يُعقَل ومالا يُعقل.

إذ لم يكن أمامه بعد كلّ ما رآه وسمعه، وما حدث بشكلٍ مرعبٍ سريع سوى أن يقابل الرئيس، كما قابله أوّل مرّة في ساحة الفردوس.. في يوم السقوط، وقد تمناه، شأنه شأن الكثيرين، لكن ليس بهذه الصيغة التي افتعلها الأمريكان، كان في ذلك اليوم يراقب باهتمام حركة الجنديّ الأمريكيّ وهو يغطّي وجه التمثال بعلم بلاده ثمّ يلفّ بخفّة متناهية الحبل الغليظ الثخين على رقبة تلك الكتلة الثقيلة فتتهاوى بيد مبسوطة إلى الأمام، عندئذ بانت الساقان المعدنيتان الرفيعتان، مشهد مقزز حقا ومثير للشفقة، راوده بعض النفور حين رآى ىشخصا ما في العقد الرابع من عمره يهوي بنعله على رأس الرئيس[1].

يصفع ويصرخ: ماذا فعلت بالعراق! دمّرتنا..

والحق، حين نكون منصفين، في رواية سيرة التماثيل، والصور نقول: لم يكن البروفيسور نامق مغاليا في حبّه وكرهه.. ، الحبّ والكره عنده مرهونان بالمعاناة وحسن الظنّ دائما، فقد عانى - شأنه شأن أساتذة الجامعة الآخرين - من النظام السّابق، أو الذي أصبح سابقا قيل دقائق، حين جعل جيلا كاملا ينتمي للحزب عن طريق القوة، أو الطمع، وربما الرغبة، فيتحكّم على الرغم من قلة الخبرة في كلّ شئ.

كان هناك خرق للحرم الجامعي

منزلة الأستاذ

مكانته

اختيار عمداء الكليّات ورؤساء الأقسام بمواصفات حزبيّة خاصّة

أساتذة يُعْتَقَلُون داخل القاعات..

مداهمات..

وطلاب حزبيّون يتعاملون بخفة مع أساتذتهم، في مثل هذه الظروف ّسمع من زوجته اقتراحا، قالت له الأولاد كبروا، تزوّجوا وتركونا، البنت مع زوجها بعيدة عنا، فلم لا تتقاعد.. نرحل إلى الإمارات.. أنت خريّج هافارد ولا يُستبعد أن تُصبح مستشارا في إحدى الجامعات بالخارج.. وإن كان لابدّ فكثير من أكاديميّ الخليج يعرفونك فاجأه اقتراحاها.. أمّا رائحة الأشياء القديمة فلها طعم خاص.. الحفر والتماثيل شغلته الوحيدة التي يحبها بمستوى حبّه لبيته، وربما يبالغ فيمنحها الأولويّة..

والذي يقلقه أكثر من أي شأن آخر هو التغيير السلبيّ، حسب رؤيته، الذي فرضته الحكومة في جعل الآشوريات هي الأساس على حساب السومريّات مجال تخصصه ودراسته.

السؤال الذي يقلقه ويمنعه من الهجرة: هل يستطيع أن يعيد الوضع إلى ماكان عليه حسب منطق التاريخ؟ومن دون أن تستفزّ النهج الحكوميّ وبعض مؤيديه؟

ماذا يمكن لخبير في الآثار اختصّ في السّومريّات، ينقّب بحثا عن لآلئ مدفونة بأعماق سحيقة نقرؤ من خلالها ماضينا الذي احتمى بالتراب خوفا من عثرات الزمن؟

ماذا يمكن أن يفعل؟

لقد خشي حقا من أن يحال على المعاش بصورة مفاجأة، أو يُنَسَّب لوظيفة إداريّة، مثلما فعلوا مع كفاءات كثيرة، وهو الذي قضى عمره في البحث والتنقيب. طرد من ذهنه - مؤقتا- فكرة أن يصبح حجارة مثل تماثيل راح يبحث عنها خلال أربعين عاما فعلقت رائحتها بجسده..، وفهمها أكثر من أيّ خبير يعمل معه في حقل التاريخ والآثار، فلا يستغرب إذا ماوجد نفسه تمثالا يبيح له أن يتحدّث بكلّ ما يخطر بذهنه وما يجول في أعماق نفسه، مع كلّ ذلك فإنه تعامل برفق واحترام مع التماثيل. سواء مثّلت ملائكة أم شياطين، مجرمين ومصلحين، ، يقول لتلاميذه في الجامعة لو لم يحطّم المسلمون الأوائل يوم فتح مكّة تمثالي اللات والعزى وتماثيل أخرى في الكعبة لربما استفدنا منها الآن فائدة مطلقة واستتنجنا حقائق تزيل الشكّ عن أفكارنا[2].

ولعلنا نجد الحلقة المفقودة بين العرب والقدامى فأجدادنا لم يكونوا ليجيدوا فنّ النحت بل كانوا يجلبون منحوتانهم من العراق والشام!

لا ينكر أنّه جسد نفسه في كثير من الأحيان. تمثالا يناجيه في فترة الخوف.، وربّما يلجأ إلى زوجته فيفضي ببعض مايجول بفكره. لأنّه عدّها تمثالا، التماثيل وحدها تحفظ السرّ، ولأجل ذلك ساءه هجوم اليوم في ساحة الفردوس. فالتمثال الذي بدا بساقين معدنيتين يمكن أن ينفع الأجيال بعد ألف عام، ساقان قبيحتان، يشكّ في صلابتهما، والغريب أنّه في زياراته إلى روما رآ ى تماثيل من دون رؤوس لملوك وملكات قطعت الأجيال التي جاءت بعدهم رؤوسهم انتقاما وتركت الأجساد من دون تشويه، أمّا تمثال ساحة الفردوس فإنّه جرى عكس التيار.

بقي رأسه

وانخلعت ساقاه.

كريه.. نعم

يبعث على الخوف بلا شكّ

طاغ نعم

متجبر..

يظن نفسه إلها..

يراه محبوه امتدادا لآلهة بابل وآشور التي جعلها تحتل مكانة الآلهة السّومريّة!

بل كاد يلغي دور الأولى.

ليقل البروفيسور مايشاء، فقد وقف أمام تمثال الرئيس المخلوع بضع مرّات قبل أن تظهر دوريات الحراسة التي رابطت عند ساحة الفردوس لحمايته[3].. تأمّله على قلق، كانت هناك دوافع كثيرة جعلته يواجه - عن قصد- التمثال الذي سقط أمام عينيه، في لحظات.

حاول أن يقترب منه..

يحدّق في عينيه بالذات ليدرك سرّهما المبهم[4] تدفعه نظريّته التي ترى أنّ التماثيل لاتظلمنا إذا لم نكن ننوي بها شرّا حتّى الميدوزا نفسه الإله الذي حالما ننظر إلى عينيه نتحجّر فإننا يمكن أن نراه بعد أن يتحوّل هو نفسه إلى حجر فلا نتحجّر[5].

ولعلّ قصة العيون تبدو منذ العهد السومريّ مثيرة للدهشة في الوقت نفسه تدعو إلى القلق إذا ما تأمَّلناها عن بعد..

ركن سيارته أمام عمارة فخر الدين، في شارع تعارف الناس على تسميته بشارع الزعيم، ولفت نظره، قبل أن يقصد إلى التمثال، محلٌّ للرسم والنحت وهندسة الديكور، ربما دفعه الفضول أو هي رغبة أصيلة تدفعه نحو النحت والفن التشكيليّ، في المرسم رتاح إلى المناظر، وبعضها أثار إعجابه، فاختار لوحة لمنظر طبيعي يجسّد الأهوار والقصب. وجاموسا يغطّ فلا تبين منه إلّا رؤوسه على سطح الماء.

وحين وقف أمام محصّلة النقود، ابتسم الشّاب بوجهه، وقال ُمُرَحِّبا:

دكتور نامق تشرفنا بزيارتك!

حاول أن يتذكر، وخطر في ذهنه أنّه أحد تلاميذه:

مرحبا بك هل تعرفني من قبل و لعلك كنت واحدا من تلاميذي؟

سيدي من لا يعرفك؟رأيتك تتحدث مرة من على شاشة التلفاز عن السومريّات وقرأت لك بعض الأبحاث في مجلة التراث!

هل أنت من خريجي الأكاديمية؟

أنا مهندس ديكور تخرجت قبل سنتين.. الرسم والنحت هوايتي، والشقة هي مكتبي في الوقت نفسه جعلتها معرضا للوحاتي وبعض تماثيلي الصغيرة!.

- لكني لم أر تمثالا؟

- إنّها في البيت عدة تماثيل سأنقلها إلى المعرض بعد بضعة أيّام!

خطرت بذهن الدكتور نامق فكرة ما.. فكرة غابت عن ذهنه طوال تلك السنين، تبدو بعض التماثيل، مهما كانت متكاملة مبهرة الجمال، تشكو من نقص في عيونها، أقرب إلى الجحوظ:

لديّ صور التقطتها لتماثيل سومرية، ملوك وملكات، أظنّك تقدر أن ترسمها، بشكل حضاري أقرب إلى روح العصر أو أن تعيد صياغتها بحجم أصغر فتغيّر بعض السِّمات في عيونها!؟

كيف؟ لم أفهم؟

- تجعل عيونها أقل جحوظا، وهذا مالم يكن يقدر عليه النحات السومريّ

- سأبذل قصارى جهدي يا سيدي

- إذن اتّفقنا!

ورفض بكلّ لطف أن تكون اللوحة التي ابتاعها هدية من الرسام الشاب، وغادر ليقف أمام التمثال الذي أرعب صاحبُه رفاقه من وزراء ومسؤلين وأعضاء قيادة، ولا يشكّ في أن بعضهم وضع على عينيه نظارة قاتمة لكي لا يقرؤ سيادته أفكاره من عينيه وما يجول بذهنه من خير وشرّ، ثمّ خاف هؤلاء أن يثيروا شكّ الرئيس، فخلعوا نظاراتهم، لكن كم ملك من ملوك سومر وآشور التقى البروفيسور، فأعجب بعيونهم الواسعة، ونظراتهم الثاقبة، وتساءل مع نفسه ياترى لو قابلهم وجها لوجه، هل يبثّون الرّعب في نفسه. هل يجرؤ أن يقابل الملك (شولكي) من دون نظّارة.

أفكار سخيفة..

يترفع عنها

لكن مهما يكن صاحب درجة علمية فهناك بعض الصغائر تجرفنا للتعامل معها مثل السحر والحسد.. وسوء الطالع.

وحين وصل البيت استخرج بعض الصور من ألبومه، قدّمها إلى صديقه الرستام المهندس في تجل آخر لزيارة تمثال الرئيس، وسأله إن كان يقدر على أن يرسمها بشكل عصري، لعلّه يرى الفرق بين تمثال بهيئته، وهو نفسه على الورق.

مهما يكن فهو مجرّد احتمال، ومحاولة يتحوّل فيها التمثال على الورق إلى صورة عبر آلة التصوير ثم يأتي دور الرسام في مرحلة لاحقة، فهاهو يحاول أن يضفيَ بعض الحياة والهيبة على الملوك القدامى من دون خوف، وفي باله أيضا أنّ خطوته تلك سبقت منشور الحكومة الجديد الذي أذيع من وسائل الإعلام في أنّ الدولة تقدّر حبّ الناس للرئيس، وشغفهم بشخصه، لكنها ترى أن هناك بعض النقص والتشويه يعتري الصور التي يرسمها الهواة بدافع الحب لسيادته فليس هناك أمام الدولة من بدّ سوى أن تكلّف رسّامين محترفين لرسم سيادته ولن تسمح بعرض صور أخرى.

بدا سعيدا بلقائه الشاب الرسام، ، وأدرك من قراءته السريعة لرسومه على الجدار أنّه شاب موهوب، فأخذ، كلّما جاء لاستنطاق الرئيس، يوقف سيارته أمام باب العمارة في شارع الزعيم ويتخذ طريقه نحو ساحة الفردوس إلى حيث التمثال، يتمعن في قسمات الرئيس وعينيه التي أشيع عنها قصص غريبة.. يقال، على وفق مايري الآخرون بهمس مطبق كالصمت، أنّ سيادته يعرف الآخرين عبر النظر إلى عيونهم، وحسب الآراء المتباينة فإنّه بهذه الوسيلة اكتشف مؤمرات وخبايا، فحصد الكثير من الرؤوس، بعض المقربين إليه ارتدى النظارات القاتمة ثمّ استدرك فخلعها خشية من أن يثير الانتباه ثمّ الشكّ..

و في ساعات التجلّي يطلق الحريّة لعينيه ولا يقيّدهما

يقف

لا ليرفع مظلمة أمام سيادته

أو

يشتكي من سوء حال

أو

يطالب بحقّ له غصبه أحد معه في العمل

كان يريد أن يعرف السِّرّ في عينيه، ولماذا لبس الآخرون النظارة ليخفوا عيونهم عنه؟ويبدو أنّه أكبر فعل النحات الذي عمل تمثال السيد الرّئيس، وقدّر جهده وأيّاما من القلق عاشها وهو يطالع شكل الوريث للملوك القدامى بذهنه، ويتخيّل طوله، ويرى صورته على الورق، فأيّ خلل يمكن أن يؤدّي إلى عواقب وخيمة.

تطلّع في العينين..

تأمّل في الملامح

وجد شيئا يخيفه ولا يخيفه.

إنسان عادي ذو قسمات صارمة، وعينين عاديتين، لكنه يمكن أن يكون أليفا مادام أصبح تمثالا، وهي حقيقة توصّل إليها بعد أن تردّد كثيرا على تمثال الرئيس في ساحة الفردوس، زاره زيارة أخرى ولم يقلق، ليس هناك من حرس ولا حماية، بل التماثيل في المتحف أكثر حصانة منه

في كلّ زيارة يتمعن بعينيه الحادتين..

زاره بنظارات وبدونها.

المهم أنّه لم يخف.

وفي هذه اللحظة الحرجة، راوده أسف أقرب إلى الانكسار.

إنّه يحترم أيّ تمثال ولو تحول عدو له إلى حجر، ولو سحل الجندي الأمريكي الرئيس نفسه بشحمه ولحمه وعينيه الحادتين لما اعتراه الضيق ولا الحزن، ولو وقع نعل المتظاهر عل شخصه هو..

أيّ شئ سوى أن تجلد الحجر!

أيّ تمثال ينظر إليه بعين الاحترام. حتّى وإن كان مجسما للشيطان.. الهيبة فرضت عليه الخوف.. سقوط تمثال يعني عند الآخرين سقوط بلد بكامله، انهيار للجيش، والأمن، وسلطة القوة على الرّغم من أنّه حجر، وانهياره أكّد المقولة القديمة أنّه لاينفع ولايضرّ[6]. والذي زاده حزنا وبعث في نفسه بعض الكآبة أنه أبصر قناة تبث صورة لنهب المتحف الوطني ذلك المكان الجميل ذو المهابة الذي احتل ذاكرته الحية قبل السقوط.

امرأة تصرخ..

يحشر ذهنه ليتذكّرها

شخص يقتحم

أشخاص

مجموعة شباب طائشين

الصور مشوّشة.

موظفة، من موظفات المتحف.. تعمل في الأرشيف يعرفها وتساءل ما الذي دفعها للخروج والعمل في هذا اليوم الموعود بالعنف والخطر والملئ بالفوضى، وجدها سمعها تصرخ ثمّ تهرول مرعوبة أمام حشد المهاجمين. صبيّ في الخامسة عشرة من عمره يهشّم بمطرقة عارضة زجاجيّة تضمّ تمثالا سومريّا.. ويصرخ بلغة فظيعة: Democracy yes Democracy

يهول نحو التمثال والسيدة مديرة الأرشيف تركض خلفه وهي تصرخ!

كما لو أنّ لصّا لص يخطف ابنها

من ياترى فاز بتمثال شولكي؟..

شولكي أو شولجي

يحب أن يسمِيَه شولكي.. الكاف أكثر ملائمة للماضي السحيق من الجيم، يحفظ تاريخه عن ظهر قلب يراه كلما زار المتحف في واجهة الممر:

- 2093 2046 ق. م

بنى المعابد والقصور وحفر القنوات واهتمّ بالسحر، خاض بعض الحروب. وأخضع البلدان. في أيّ مكان يراه المؤمنون به حاملا سلة تراب كي يضع حجر الأساس للمباني التي يشيدها.

يضحك بمرارة فالسيد الرئيس الذي سقط اليوم حكم 24 سنة.. نصف مدة شولكي.. انشطر إلى مظاهر وصور غزت الشوارع، وفي انشطاره الفظيع الكثير كانت نقطة ضعفه.

كان يمر به وقتما يشاء يتطلّع في عينيه المخيفتين، لا يسأله لِمَ هو عنيف هائج كالثور.. دموي، فالرئيس التمثال وديع أليف لا حول له ولا قوّة.

رجوعه إلى الحجارة طهّره من العنف، وأبى إلّا أن ينشطر في مظاهر شتى.

هكذا تخيّل الأمر

ليكتشف أنّ الحجارة يمكن أن تهبك البكاء أو المرح.

وتأكّد من حكمته الجديدة إنّ أيّ مخلوق شرس، إنسانا كان أم حيوانا أم حشرة ضارة يمكن أن نأمن جانب الشرّ فيه إذا حولناه إلى تمثال.

صنم.

وثن

التسميات لاتهمّ

لكنّه

من بعد تحاشى..

تجنّب التمثال وزيارة ساحة الفردوس..

إذ كثرت وسط زحمة السيّارات دوريّات الشرطة! وسرى همس أرقّ من خفيّ وصلت إليه بعض شظاياه.

أنّ بعض الطائشين المغامرين لطشوا وهم على دراجات مسرعة وجه التمثال ببيض فاسد كما يفعل الأوروبيّون أو سكارى مرّوا بالساحة فطافوا بالتمثال كما يطوف الحجيج بالكعبة وهم يغنون قبل أن يتلاشوا أغنية مشهورة تحوّلت كلماتها على ألسنتهم إلى كلمات بذيئة.

ولم يكن بإمكان البروفيسور نامق كريم أن يقصد ساحة الفردوس ويقف أمام التمثال ليتجلى صورته من دون خوف.. ففي صبيجة أحد الأيّام أوقف سيارته أمام باب العمارة، وصعد فوقع بصره على رجلين مسلحين، أحدهما ينظر إلى اللوحات ويتحرّك في الشقّة كأنّه يبحث عن شئ.. حالة أقرب إلى التحري، والآخر يتحاور مع المهندس الرسام ماهر وحال مغادرتهما، رحّب، الرسام بالأستاذ الدكتور، ولكي يزيل الدهشة عن وجه الزائر، بادره بالحديث:

- هؤلاء عضوان في جماعة مجاهدي خلق من سكان الشارع نفسه، ومعهم صلاحية تفتيش أيّة شقّة أو شخص.

لم يستغرب الدكتور نامق إذ يرى دوريّات تفتيش في الشوارع، فهي الحرب التي اندلعت ولم تكن في بال أحد، ، لكن استغرابه، عن المكان نفسه، وشقّة الرّسام:

- ولم شارعكم بالذات. ؟

- لقد أصبحوا من أهل المحلّة، منحتم الخكومة هنا شققا، وصلاحية تفتيش العايرين، والبيوت!

فاكتفى الدكتور بذلك ولم يسترسل، ووضع على الطاولة بعض صور لملوك سومريين قائلا:

- هي التماثيل القديمة، هل تستطيع رسمها برؤية حديثة، تضيف إليها تصوّرك لقسمات الوجه وملامح الجبين، وصفاء العيون بدلا من جحوظ عيني التمثال، فقد راودتني فكرة تُعنى برؤية تمثال قديم تُعاد صياغته من قبل نحّات معاصر. .

- ذلك يتطلّب وقتا، ولا أظنني أستطيع أن أنجز المهمة لأنّ عليّ أن ألتحق بالجيش فقد دعيت مواليدنا.

- وماذا عن مكتبك؟

- لا أعرف متى تنتهي الحرب العلم عند الله، وليس بمقدوري أن أتصل بصاحب العمارة لأدفع له الإيجار الشهري، ولا أعرف في أي قاطع أكون.

فالتقط الأستاذ الصور ومدّ يده مصافحا، كأنّه يودّع المهندس الرسام الوداع الأخير:

- آمل أن تنتهي الحرب وألتقيك ثانية في مكتبك أو في أيّ مكان.

وهبط من البناية إلى حيث التمثال، كانت أفكاره تفصله عن ضجّة الشارع وزحمة المرور فوصل وقابل سيادته، أسرع في التأمّل عن بعد خشية من أن يثير الانتباه ولعلّه يجد عذرا لمن يسأله من أصحاب الدوريات حين يُسأل عن سرّ وجوده فيدعي أنّه عالم آثار معروف أعجبه مايراه ومن الممكن أن يتعاقد للمتحف على تمثال مثله، وينوي أن يدرّس جماليّات التمثال لطلبة الجامعة فيقارن بينه وبين تماثيل أجدادنا الملوك القدامى.

عذر …

حجّة تبدو مقبولة

قد لايفهم كبير الدورية

لكنه

منطق مقبول يخترعه على عجالة لأنّه في هذه الحالة لابدّ من أن يصل إلى نتيجة متوازية بين ملوك سومر ذوي العيون الجاحظة وتمثال الرئيس الذي تحجزنا عنه نظارات قاتمة

يبتسم

تخطر أمامه الإلهة شمش

إله أم إلهة

الإله شمس الذي لانقدر أن نتطلع فيه إلّا من وراء زجاج قاتم نتفادى عبره العمى والشلل الدماغي ويزداد سعار ذلك الإله إذا أصيب بالكسوف أمّا على الأرض فيمكن أن نراه بكلّ وضوح ولا نخشى الخطر[7].

وإذ وصل البيت بعد رحلة التأمل، نادى على زوجته، فلم تسمعه، حدّثها، فلم تردّ، فدخلت عليه وهي تُعجب من سكوته المطبق وتقول:

- قبل أن تأتي بنصف ساعة حدثني جلال وزوجته من الإمارات هما بخير وزوجته حامل ياللحسرة:  ّ المكالمة لم تدم إلا بضع دقائق !

- حسنا من سوء حظي أنّي لم أكن في البيت.

فجأة تطلعت فيه، وهتفت بدهشة وانفعال:

- مابك؟

قال مستغربا:

- هل من شئ؟

زادتها حالته استغرابا، فصرخت:

- يا إلهي مابك؟ هل أإصِبت بسوء، شفتاك تتحركان ولا أسمعك ! هل تسمعني؟

- أسمعك أسمعك جيدا، لا تقلقي !

- ياللمصيبة!هل تشعر بألم؟ أين ذهب صوتك!

عندئذٍ استدرك اكتشافه الأخير[8]

سيتأكّد بزيارة أخرى

تمثال الفردوس ينطق بشكل يختلف: إذا ماتمعنتَ فيه أصبتَ بالخرس، عليه أن يغامر مثل طبيب يجرب اكتشافه الجديد على نفسه قبل الآخرين، هل يمكن أن يلمّح القدامى، حين نتأمّل فيهم مدّة أطول، إلى خفايا في الحجر والمخلوقات الحيّة تؤثّر فينا مثل شعاع الميدوزا الذي يقلبنا إلى حجر؟نتواصل عن بعد نقطع مسافات طويلة بدقائق وساعات نخترع آلات تعمل لنا اللامعقول وفي جسد كلّ منا سرٌّ لاندركه؟

نحن نعيش زمنا انقلبت فيه الخرافة إلى حجر، والحقائق تسرّبت مِنّا فأضحت خرافة، ولا يكفي أنّ القدامى ظنّوا روح الميت تحلّ في التماثيل، فانهالوا على أنوفها بالتهشيم والتشويه والكسر، واكتشافه الجديد يثبت أن الأحياء تقمّصوا الحجر فأصبحت العيون هي موطن السّرّ فلكلّ عصر أسطورته[9].

وفي اليوم التالي أوقف السيارة في المكان نفسه، فوقع بصره وهو يترجّل على أحد الشابين اللذين فتشا المرسم االمكتب يوم أمس، ابتسم الشابّ من دون أن يستوقفه فردّ عليه التحيّة بابتسامة وهزّة رأس، وخمّن وهو في طريقه إلى الساحة أن يكون مهندس الديكور حدّثه عنه، وعلى الرغم من أن الصمت كاد يتآكل، بفعل الضجيج إلا أنّه واصل التأمّل، كان ينظر إلى عيني سيادته، أمسِ ضبط مدّة ساعته خمس دقائقـق لتكن اليوم عشرة.. زمن مضاعف.. البنتاغون يتضاعف.. على طريقة الجيوش القديمة.. أو على طريقة البيت الأبيض، ومن أعرف منه بالتاريخ.

تأمّل

نظر إلى عيني التمثال، وتجاهل أيّ أثرٍ آخر له..

عيناه تحدّقان فيهما.. ثابتتين كمسمارين

لايعبأ بالدوريات ولا تشغله زحمة المرور، وأصوات السيّارت ولا يغيب لحظة في وَهْمٍ بعيدٍ أَمْ قريبٍ حتّى آذنته الدقائق العشر بالغياب، مضاعفةُ البنتاغون القويّة، فحاول أن يرفع صوته، فلم يستطع النطق، شُلّ لسانه، وغاب الحديث، فَفَطِنَ إلى أنّه سيظلّ صامتا عشر ساعات كاملة، تلك هي قوّة البنتاغون التي أخرسته.. لمح في عيني الرئيس حدّة الشماتة، والقهر فاستدار، راجعا، ولم تكن لديه الرغبة في أن يذهب إلى البيت فيثير قلق زوجته آلى أن يقضي الساعات العشر في أماكن مختلفة،

المطاعم

الحدائق العامة

ساحل دجله

المديريات والمؤسسات التي نصبت أمام أبوابها تماثيل أصغر من تمثال ساحة الفردوس

كانت أشبه بالآلهة الصغيرة التي تصنعها االعوائل السومرية لبيوتها

آلهة شخصية

مرّ على مديرية الريّ فلمح تمثاله المنتصب عند الباب يحمل جرّة.. مثل الإله القديم لوشكي..

وقصد الصناعة فوجده بزيّ عامل يحمل منجلا

وأمام مديرية الإحصاء تأبّط سجلا ضخما

ثمّ

راح إلى وزارة الزراعة فرآه وبيده منجل

وذهب إلى المشفى ليجده بملابس طبيب[10]

وفي كلّ تلك التجليّات الصغيرة الكثيرة فقد قدرة السطو والفتك بعينيه!

ومنذ تلك اللحظة - لحظة غياب صوته الطويل- أعرض عن زيارة شارع الزعيم، ومقابلة تمثال الرئيس واستنطاقه والبحث عن سرّ عينيه اللتين لم تكونا جاحظتين كعيون الملوك السومريين

واقتنع أنّه وسط الضجّة والزحام لايقدر أن يتبيّن أيّ أمر أو يكتشف سرّا.

مع ذلك،

مع تآلُفِهِ وتمثالا سقط اليوم فإنّه لا يجرؤ أن يسمّي شولكي الذي تحاشى الحروب وانشغل بالبناء صديقا

ولا يعدّ نفسه تابعا له..

أو من رعاياه

بين الإثنين حاجز زجاجي سميك شفاف حطمته مطرقة الفوضى اليوم. و هناك حاجز من القرون وكدس تراب..، وإن كان اكتشافه على يديه.. معظم التماثيل اوالنفائس الصغيرة والكبيرة أخرجتها من باطن الأرض بعثات أجنبيّة، إلّا شولكي أخرجه نامق من باطن الأرض في ممارسته الأولى للحفر بعد عودته من هارفارد عام 1959 يوم قاد بعثة جامعيّة للحفر في أور.. اتخذوا مواقعهم ونبشوا الأرض برفق حتى وقف على رأس طالب وجده يتردد في عمله. همس له: توفق سآتي لأكمل المهمة..، وراح يخفر بحذر وتؤدة وصبر.. أزاح التراب عن وجه التمثال، وصدره ويديه:

كان يرقد على ظهره

يتأمل الكون

يتأمل سماء، اخترقت عيناه سطح الحفرة إليها.

يتلاعب، وعلى كتفه جرّة، بالنجوم، والشمس، يغازلها بالماءّ.

متى وارته الأرض ياترى[11]

فكلّ ما رآه قبل أن تنتقل الكاميرا إلى مشهد آخر أن امرأة صرخت وطاردت أشخاصا باشروا النهب، فرّوا من صراخها مذعورين، لم يضربها أحد، كانت جريئة.. طاردت الناهبين وهي تصرخ فيهم..

يعرفها

قابلها من قبل في أروقة المتحف..

رئيسة أرشيف المتحف، كلادس عبد الله ذات اللهجة الموصليّة الأصيلة. لا تعرف التعب كما يقول عنها مسؤولوها..

وحسب ما ينطق عنها هو في صمته الأخير!

لا يلوم نفسه.. إذ ليس من الحكمة أن يغامر ويخرج، ليوقف العابثين عن نهب المتحف. فهو يشغل منصبا مهما في دائرة الآثار يشرف على الحفريّات القديمة، ويحاضر في جامعة بغداد، أمّا علاقته مع المتحف الوطني فليست أمرا وظيفيا.. كان ينسّق وضعيّة التماثيل وأماكنها، ويكتب عناوينها، وتربطه بالمدير علاقات لا تتعدى العمل الوظيفيّ فحسب.

كانت المشاهد تنتقل من أمام عينيه بفوضى واضطراب،

مفاجأة ودهشة..

سقوط التمثال

نهب المتحف

مجوعة هائجة من الشباب تداهم فندقا ضخما، ترمي أثاثه من الطوابق العليا إلى الرصيف.. شاب يرتدي قبعة بيضاء يتباهى أنّه نهبها من خزان ملابس وزير الخارجيّة.

يرى جنودا أجانب يحرسون بوابة وزارة النفط.

وجنديا أجنبيا يرابط عند قبر ميشيل عفلق، ثمّ يطلّ عليه الرئيس الأمريكي ويبشره بابتسامة ذات رونق ملئ بالنشوة أنّه فخور بهذا البلد الذي علّم العالم القراءة والكتابة!

لم يبالغ الرئيس المنتصر أو يكذب

ولا تهمّ االبروفيسور نامق المناظر التالية الأخرى، ففي دقائق انقطعت الصورة تماما، ثمّ عادت صور الفوضى، واستعان بالمذياع فسمع من إذاعات دول عربيّة وأجنبيّة أنّ 15000 قطعة سُرِقَتْ من المتحف وتماثيل منها تمثال الملك السومريّ.. المذيع القطري غلط في قراءة الاسم.. أكبر تمثال في المتحف، كيف يسرقون تمثالا بوزن 272 كيلو غراما..

لغز جلي غامض جديد

هُدِم الجدار ثمّ انطلقت شاحنة بالملك الإله.

هكذا بكلّ يسر وسهولة..

من بعدُ،

يتجاهلُ

ويفكّر بالتمثال المنهوب جلالة الملك شولكي الذي اكتشفه بنفسه وأحضره معه إلى المتحف!

والذي لم يكن يراه صديقا قبل اليوم!

لقد بدأت صداقته معه في هذه اللحظة فقط

لحظة أبصر المطرقة تهوي على زجاج صلب حماه بعد خروجه من باطن الأرض!

بعدئذٍ

خرج النّاس من خوفهم

وطاردوا تماثيل المؤسسات التي كان يمر عليها ولا يعيرها اهتماما[12].

الفصل الثاني

الإله الإنسان

المتحف

مرت بضعة أيّام على حادث ساحة الفردوس

بضعة أيّام فقط

ولم تكن الضجّة قد خفتت بعد

طارد الناس التماثيل، وانتهى عصر انشطار التمثال.

ونهبوا المتحف الوطني..

سرقوا صديقه الإله شولكي[13]

وقد انجلت غبرة ساحة الفردوس عن ظواهر جديدة يمكن أن يستغلها ليدرك العالم الخارجي الذي اختفى عن ناظريه زمن الحصار ولم يكن لديه سوى الهاتف المنزلي الذي يوصله على حذر بولديه وابنته.

ولم يكن هناك من حلّ بين يدي الأستاذ نامق سوى أن يخرج ليتبضّع، ويعرف مدينته، وأماكن عمله، وليتيقن أنّ الأحداث بعضها، إن لم يكن جميعها، تسير على مايرام. لايلوم نفسه في التزامه البيت منذ يوم السقوط، لا لخوف اعتراه أو حالة جبن، فقد عزّ عليه سقوط المتحف، وحالات النهب، فقد غلبته _ وهو في الحقّ تجاوز سنّ التقاعد- الفوضى في أن يخرج وليس بيده حلّ ولا يمكن أن يزج نفسه بين حشود الجنود الأجانب، وعصابات النهب والسلب.

هي أعذار يمكن أن يقبلها على نفسه ويقنع بها الآخرين.

كان يعيش في عزلة عن ولديه، وابنته. هناك من يعيش في استراليا، والأوسط والكبير في دبي، وأمريكا.. كانوا خلال الحصار يرفدونه بهباتهم التي لولاها لاضطر، شأنه شأن بعض الزملاء الأساتذة أن يقبل بأيّ عمل ثانوي بعد عمله الجامعي، يجعل سيارته للأجرة، أو لاضطرّ أن يتقبّل هدايا الطلاب من أبناء الأغنياء، فيرسلون إلى منزله الخيار والطماطم والخضروات.

مع ذلك لم يكن التذمّر الذي يكنّه للحكومة في كون راتبه الشهري - وهو بآلاف الدنانير المزيفة - يعادل دولارا أو ربع دولار.

أبدا لا يبدو هذا الأمر سببا لخلافه الخفيّ مع الدولة.

كان هناك خلاف فكريّ عميق لا يستطيع البوح به، يتحاشى المساس به والاعتراض عليه على مضض. وجد نهجا تبشيرا عند الدولة، والحزب الحاكم، يمسّ السومريّات حقل اختصاصه. ويبشّر أن السومريين، دخلاء على البلد، أجانب جاءووا من بلاد فارس.. أو أرمينا، والمستشرقون هم من روّجوا لهم وجعلوهم صنّاع أوّل حضارة في العالم..

ومنذُ

آخرِ مكالمةٍ تلقاها من ابنه (ناصر) في دبي في اليوم الأوّل لدخول قوات التحالف من الجنوب، أبي هل أنت بخير؟ لاتخافوا لم يصلوا بغداد بعد.. المكالمة انقطعت بعد قائق، وبعدها توقفت خطوط الهاتف.. وظهرت قنوات فضائيّة جديدة بدل فضائيّة النظام السابق القديمة التي طمسها قصف التحالف

وجوه أخرى

السواد الذي يغلّف الشوارع..

بغداد تلوح مثل عجوز.. تغطي التجاعيد وجهها فتستعيد ذاكرتُه وجهَها القديم

السمة المشتركة التي تخيم على الوجوه هي الحزن.

التعب

والغبار

والصفرة

أين هي فرحة عارمة اجتاحت الغاضبين يوم سقط التمثال؟

ربما نسي الناس، ساعة السقوط حزنا، امتدّ من حرب الخليج الأولى فلم يصدقوا ماحدث فرقصوا وهللوا وانتقموا ثمّ

فجأة

تذكروا، فعادوا إلى شجونهم، القديمة الجديدة.

ليكن ذلك

وأوّل مافعله الدكتور نامق أن قصد مقبرة الأعظمية االقريبة من سكناه، لا ليطمئن إلى أن اللصوص يوم السقوط لم يسرقواالمرمر على قبر زوجته مثلما فعلوا سنوات الحصار بقبر أخيه الأكبر بل ليقرأ الفاتحة بعدُ ويلتقط أنفاسه قليلا مثلما يفعل حين تراوده الهموم.

ربما هي مهنته وهوايته التي تدفعه لأن يجد العزاء الواسع مع التماثيل والموتى!

وهو بطن الأرض الذي يظلّ يدعونا دائما، وإلّا لما فضّلت آلهة السماء أنا تلبس التماثيل فتهبط إليه وترقد بسلام حتّى يجئ شخص مثل الدكتور نانق ليستخرجها بعد دهور؟

في ذهنه سؤال: هل هو الماضي السحيق تململ ليفرض علينا وجوده من جديد، وفكره مشغول بصديقه الإله الملك شولكي[14].. وصراع الزمن: فهل يستطيع أن يلغي الفكرة المحمومة المتعصّبة التي أشاعها نظام الحكم السابق.

لكن عليه أن يزور مقبرة الأعظمية فيطمئن من أن العبث لم يصل إليها. [15]

لاحت لعينيه المقبرة هادئة متسامحة مع الزمن. لا تعيش المأساة، مثل تمثال ينظر إليك بعينين، صافيتين، وإذا بك تصمت. صمتك يقيس الوقت، الأشجار ترفّ بنعومة، والطيور تبعث زقزقتها الهادئة. كلّ شئ صامت، بعض أقارب الموتى يدخلون وآخرون ينصرفون. وحزّ في نفسه التشوه الذي حدث زمن الحصار لقبر أخيه، وآلى أن يصلحه حين تستتب الأمور وينتهي التشنج، والفوضى كان الناس يسرقون حجر المقابر ثمّ انصرفوا إلى سرقة التماثيل والمتاحف، وفي غدٍ يميلون إلى لون آخر.. قبر زوجته سوف يبنيه بالمرمر. لايدري لمَ يستقرّ المرمر في ذهنه سكنا يرافق القبور، ربّما هي هيبة النحت القديم ولعلّه هو صفاؤه ونعومته.. قرأ الفاتحه، والتزم الصمت دقائق ثمّ اتخذ طريقه إلى المتحف العراقي.

وحين توغل أكثر، طالعته الخدوش التي ارتسمت على الجدران.. بعد النهب والسلب، وكسر التماثيل، التفت الناس إلى صور التمثال.. الرئيس.. أربعون مليون صورة حكّوها بالأيادي والأظافر والمدي، والقاشطات.. صور في كلّ مكان على الجدران والهواء والبالونات وأسطح المنازل فكأنّ بغداد شُفٍيًتْ من جدريّ ترك مخالبه القاسية على وجهها.. رسامون محترفون، يتسابقون زمن الحصار لرضا تمثال ساحة الفردوس. [16]

ولم يكن الدكتور نامق ليرتاح لمدير المتحف الجديد عبد المجيد الأخضر الذي أنهى دراسة التاريخ وأصبح مديرا للمتحف كونه من الحزبيين القدامى ممن شاركوا في انقلاب عام ١٩٦٣ في شبابه، واعتقلوا في عهد عارف، كانت علاقة السيد نامق بالمدراء قبل ١٩٦٨ اكثر من طبيعية يراهم أصدقاء قبل أن يكونوا زملاء عمل ذوو اختصاص وخبرة، وهم الذين اختاروه ليصبح رئيسا للجنة فحص التماثيل ودراستها ومن ثم تصنيفها، لا يخفي هاجسا من الشك والتردد.. ستار بينه وبين المدير الأخضر، لقد حاول الانقلابيون الجدد ومنهم مدير المتحف قلب النظرية المقدسة القديمة في أن الآثوريين هم أهل الحضارة وهم من علم البشرية الحرف، وطلعوا على العالم بالحضارة والمدنيّة. التشكيك في حقل تخصّصه والتجديف على الدنيا بعذرٍ واهٍ.. أوالضحيّة منهجٌ دراسي عريق تابعه منذ كان طالبا في جامعة هارفارد على يدي استاذه جيمس كلمان، الدكتور نامق يحب الاشوريين ويعجب بحضارتهم غير ان الحكومة بدافع قومي ونزعةٍ ما كلّفت بعض الباحثين من المقتدرين أن يقلبوا عنصر الزمن ويتطاولوا عليه، هكذا بقدرة قادرٍ، وانفعال أكثر مما هو افتعال يعدّ السيد الرئيس، صاحب تمثال ساحة الفردوس حفيد الملك نبوخذ نصّر وقادة السبي البابلي، ومثلما فعل الجدّ الأعلى قام الحفيد الذي شخص في ساحة الفردوس بقذف بضعة صواريخ على سلالة المسبيين إلى بابل.. ولعل ما يخفف عن البروفيسور تلك الريبة الثقيلة التي لا يجرؤ على البوح بها ان علاقته بالاثنين السيدة كلادس عبد الله التي رقيت إلى مديرة الأرشيف ومعاون المدير الدكتور محمد البطران كانت متينة جدا، ولا يخفي أنّها علاقة تدخل في صراعه الخفي بين من يروم أن يسحب البساط من تحت أقدام السومريين الذين هم أقرب إليه روحا من البابليين[17].

هكذا تصوّر، فالسيدة كلادس آثوريّة، خالة لاعب كرة معروف، وعمّة شابة جامعيّة استدعاها الأمن بتهمة مريبة ولم تعد إلى المنزل، ولم يعرف عن الآشوريين أنّهم عرب.. كانوا يفخرون أنّهم ساميّون، عمّدوا ملوكهم الأوائل الوثنيين ببركة المسيح، أمّا السيد محمّد البطران، فهور رجل وظيفيّ مسلكيّ، وقد انهمك الثلاثة في تذمّرهم الخفي وابتعدوا عن الاعتراض العلني لا سيّما أنه هو بالذات يعمل في الجامعة وحضوره بتكليف ورتبته في المتحف رتبة شرف يمكن أن يعفوه منها.

حين وصل المتحف، وجد البوابة سليمة، سيّارة همر وجندي أمريكي يقف عندها تحيطه مجموعة من المسلحين.. مشهد غريب يلوح لعينيه إذا ما عرف أن الأمريكان لم يبالوا بالمتحف يوم السقوط[18]، استقبله الشباب بترحاب وهرع أحدهم إلى الداخل ثمّ عاد ومعه السيد البطران.

تعانق الرجلان واحتضن أحدهما الآخر. لم يجد إلا بضعة موظفين، منهمكين في جرد الخسائر. وحالما خطا وقعت عيناه على شئ مثير..

باب لفاترينا العالية الطويلة التي تحفظ الإِله الملك أنوشكي محطّمة بالكامل، والتمثال نفسه يقف على بعد يسير منها..

معجزة

أم

سحر؟[19]

هل يكذّب عينيه

فوضى ترتسم على الممرات والجدران، وكانت كلادس، والمدير قد بذلا جهدا في لملمة الفوضى خلال الأيام التي تلت سقوط إلهة ساحة الفردوس.

- كيف حدث الأمر، وماهذه الحراسة؟

الأمريكان تركوا المتحف للنهب في اليوم الأوّل وفي ثاني يوم أرسلوا سيارة همر.. جندي أمريكي واختاروا بضعة أشخاص من بقايا الشرطة يحرسون المتحف.

- عجيب، كان عليهم أن ينتبهوا منذ اليوم الأول وأ يعرفوا أن المتحف أهم من قبر عفلق.

- ليس هناك داع للعجب دكتور. شكّ في أن بعض الموظفين اشتركوا معهم في الجريمة.،

- أتشكّ في المدير؟هل كان معكم في يوم سقوط التمثال؟

- لا هذا جبان هرب تفادى اختفى منذ اليوم الأوّل، احتجّ قبل أسبوع بالمرض ثمّ عرفنا من بعد أنّه هرب إلى سوريا كي ينجو من الاغتيال.

- إذن عليك أن تأخذ فرصتك.. أنت الآن المدير!

- على أيّة حال دعنا من هذا فالحديث يطول كيف هم االأبناء في الخارج؟

- ليس هناك من اتصال بني وبينهم وأنت تعرف.. الهاتف الأرضي اختفى تماما!

- لا عليك بدأ البلد ينفتح على العالم والهواتف النقالة بدأت تنتشر الأفضل أن تسارع وتقتني واحدا لتتصل بالداخل والخارج، فلا أرى الهواتف الأرضيّة تعود للعمل عمّا قريب..

فهزّ رأسه، وعقّب:

- اليوم فقط خرجت من البيت، سأتدبّر أمري.

وتساءل السيد البطران بحزن:

- دكتور إلى متى ترى تستمر هذه الفوضى التي بدأنا نعتادها كل يوم؟

فهزّ نامق كتفيه، وأجاب بلا مبالاة:

ربما خمسين عاما أو أكثر!

- معقول؟

- طبعا بعد الفوضى سنمرّ بمرحلة الانتقام ثمّ الهدم وبصفتي قارئا جيدا للتاريخ، لابدّ من مرحلة اللصوصية، العامة، سرقة المتحف، والمؤسسات ستنتهي لتبدأ سرقات كبرى وهات ليل وخذ عتابة.

- أظنّ أنّ الوضع مهما يكن سيئا فإنّه أفضل من السابق على الأقل ذهب الرعب والخوف.

- ليس هناك أسوأ مما كان. لا أظنّ

وكأنّه انتبه إلى شئ غريب سرقه الحديث عنه:

- قل لي محمد، هل السيدة كلادس في قسم الأرشيف.

- للأسف، منذ أن تعثرت وهي تعمل في الممر، أصيب ظهرها برضوض، واضطرت إلى أن تسألني إجازة بضعة أيام. كانت حين داهمتها الآلام في حالة يرثى لها.

فقال الدكتور بتواضع:

- من سوء حظي أنا.. أبارك شجاعتها.. كانت صرختها مؤثرة رأيتها وهي تقابلهم بشجاعة[20]

- كانت حقّا هجمتهم سريعة، أنا لا أتهم أحدا، لكن هناك من يقول إنّ هناك بعض الموظفين تواطؤوا.. معضمهم هربوا وعادوا في اليوم التالي.. قالوا إنهم خافوا، فاضطررت أنا وكلادس وبعض من بقي من الموظفين أن نجمع ما يمكن حمله في الغرفة ذات البوابة الحديدية[21]..

هل ضربها أحد؟

- لا لكن النهب كان سريعا وعنيفا مثل التيار، والشاحنة التي أذهلتنا..

فهزّ البروفيسور رأسه وعقب بلهجة حزينة.

- أمر دُبِّر بليل فتحقق في النهار!

بتردّد قال البطران:

- رأيي دكتور- لو سمحت- أن تطلب تفرغا من الجامعة لتأتي إلى المتحف وتعيد صياغة اللجنة.

- بالتأكيد، اطمئن ممكن من الآن

ونهض الرجلان لبدآ جولة في القاعات والممرات، ويراقبان سير العمل والموظفين المنهمكين في الجمع والالتقاط، والترتيب، والكنس، ولملمة ماتناثر من مزهريات، غرض معالجتها، وقصدا الجدار الذي تهدّم، وتسلل منه التمثال الأكديّ الثقيل البرونزي[22]، والحائط الذي فتحه المغامرون.

حائط صلب.

بأيّة أدوات تضاهي الديناميت فتحوه.

ليصبح مثل فم واسع منخور تهدمت أسنانه، فامتدت إليه رافعة شاحنة[23].

لم يكمل الدكتور نامق جولته على القاعات الخمس والعشرين إذ شعر بالتعب من الفوضى، والآثار الفظيعة للسلب15، 000 قطعة اختفت. مزهريا.. وسجلات مبعثرة. كانت معظم المسروقات من القاعات الآشورية. الزمن الذي أرادت الدولة تقديمه على بقيّة الأزمان السابقة له.. الضرر قليل إلى حدّ ما في بقيّة القاعات، فهل انقلب الزمن على نفسه، فأدان بشكل فوضويّ جهودا أرادت إلغاء زمن على حساب آخر.

هل هو جنون أصاب الحجر والناس؟

كيف نقلب الزمن وهو الذي يأتي إلينا بتجليات لا ندرك كنهها.

لا يستبعد كلّ شئ..

هناك ماكنة من العمال والموظفين.. خلية نحل لتحافظ على هذا الكون الصغير الصامت الذي يحاول أن ينقذ نفسه من الفوضى.

الآن فهمت: الآتي يصبح ماضيا، ونحن نتلاعب بالقديم يهبط علينا بشكل فوضى ليصبح حاضرا.

ثمّ التفت إلى الآخر:

- سأباشر عملي من الآن. يمكن أن تضع تمثال أنوشكي في الغرفة ذي البوابابة الحديدية.

أمرك دكتور:

سأدخل وحدي هل من مانع أبدا لا.

وصاح البطران بثلاثة موظفين وضعوا الملك الإله على آلة حمل بعجلات، فقادوه إلى الغرفة الحصينة، فاستقر وحالما خرجوا، طلب من زميله أن يخرج ويغلق الباب خلفه ليتأمل وحده - كما ادعى - التماثيل فيجد رؤية لوضعها الجديد بعد أن يتمّ ترميم المتحف بشكل جديد.

عيناه تجولان في الغرفة المحصّنة

فتقعان على القطع والتماثيل المتناثرة حيث وضعها موظفو المتحف والعمال كيفما اتفق ليحموها ولا بدّ من أن تأتي ساعة تبدو في القاعة بشكل آخر.

ترتيب يتناسب وهيبتها..

وروحها

15000 قطعة نهبت وقد تكون في ذلك الكم المسروق بعض قطع ومزهريات عثر عليها ذات يوم.

هو وحده في هذا العصر المختلط من زمن سومري وبابلي وأكديّ وإسلامي و.. زمن اتحدت فيه كلّ الأزمنة واختلطت لتحمي نفسها لا من القتل فلا أحد يقدر أن يقتل روحا تجسدت في حجر لكن تحاربُ حتّى لا تصبح رقيقا في المزادات وهي الآلهة التي مارست العبودية فاشترت بشرا وباعت وأهدت قبل أن تصبح آلهة ثمّ جاء دورها، فسعى الإنسان نفسه لبيعها في مزادات العالم، والجيل الجديد لا يفكّر باقتنائها، وإن صرف مبالغ طائلة غير معقولة، حتّى تحميه بقوتها المبهمة.. يبتاعها يتسلى بها ويتباهى[24]..

والتفت إلى التمثال الذي وضعه

أصبح وحده مع لوشكي..

وأخيرا التفت إليه..

تحسسه

دقائق والتقت عيناه بعينيه[25]..

أطال النظر

كان يعد..

1، 2، 3، 4

يركّز في نظرته

يرى عوالم مختلفة

بلادا بعيدة

وقوما آخرين

الرقم 5 البنتاغون

أمامه جلّاد، وأب رحيم، يشتري آخرين، ويهبط ليصبح حجرا يُرْتَهنُ للعبودية، إله وبشر، عينان جاحظتان ورقيقتان. عالم خفيف بخفة الريشة، وثقيل جدا.. التناقض يُشيع بنفسه الراحة، يَبْعَثُ السّرور، يشعر أنّ جسده أصبح رقيقا وإنّ عليه ألّا يظلّ يحمل هموما تكاد تقضي عليه، ففي الحياة قتل ونهب وسلب وطغاة وموت، في الجانب الآخر رقّة، ونعومة وحياة، وسلام، ومشاعر مفرطة في الطيبة والحنان.

ينسى كلّ مامرّ.

ينسى همومه، ويوم ساحة الفردوس، وجبروت الطغاة، ينسى أويتجاهل عندئذ يدرك أنّ التطلع في عيني الإله الملك حسب القاعدة الخماسية (البنتاغون) يبعث على الابتسامة ويطرد الهموم.

ابتسم على الرغم من الفوضى

النهب والسلب

مارآه من موت واغتيال

وماسمعه..

حالة عابرة

تحدّث مع نفسه بصوت عال

فوجد صوته كما هو

وتردد في أن يخرج.. لا يريد أن يكشف سرّ اكتشافه الجديد الآن.

المخمّس الجديد.. (البنتاغون) الذي اكتشفه السوموريون القدامى يوحي إليه أنّ النظر يوحي بالابتسامة خمس ساعات من دون أن تلوح عليه خفّةٌ ما أو طربٌ يثيرُ مِنْ حَوْله الشبهات[26].

إيها الإله الجميل القدير (شولكي) شكرا لك لقد جعلتني ابتسم.

ابتسم لا عن شماتة أو انتقام

لا سخرية

ابتسم عن طيبة

وخرج من الغرفة تلوح ابتسامة على شفتيه، ويشيع وجهه بالحيويّة والحبور، فاستقبله السيد البطران بارتياح متسائلا:

- أراك مبتسما سيدي البروفيسور أظنّ أنّك متفائل في أن يعود الوضع على ماهو عليه.

فأكّد بهزة من يده وراحت يده تربت على كتف السيد البطران:

- بل أفضل بكثير، اطمئن، بغض النظر عن فقدان 15000 قطعة، بعيدا عن ماحولنا من فوضى فإنّ الوضع يبشر بخير.

كانت اللوحة ترقص أمامه عمال وموظفون يعملون بهمة وحماس، لوحات تعود إلى بعض الغرففي تنسيق جديد، وعلى الرغم من كل مايجري، فإنّ المتحف بحاجة إلى جهود كلادس المرأة ذات الصرخة بوجه الغزاة، كانت تحاول أن تحمي العصور التي امتزجت في المتحف بعصر واحد:

- أيّ يوم تتوقّع تستطيع كلادس مواصلة العمل؟

- لا أظنّ غدا.. سيدي البروفيسور تذكّر إنّه انزلاق الغضروف!(وأضاف) أظنّها قبل أن يأتي الموظفون أرهقت نفسها بحمل بعض الآثار الثقيلة.

- لابأس.. سأحاول أن أزورها أمرّ عليها غدا قبل أن آتي إلى المتحف.

و غادر وفي ذهنه أشباح مضيئة كثيرة، غدا يمرّ على كلادس، نعم غدا ففي الغد[27]، سيشرح لها بالتفصيل مارآه وما وعته عيناه من الإله الملك شولكي، تمثال اكتشفه، فصدتْ عنه جعلته ينجو من النهب، وسوق الرّقيق، فهي شريكته فيه ولن يخفي عنها اكتشافه الأخير، وقد فضّل أن يخرج قبل أن يشكّ فيه السيد البطران. خمس دقائق.. خمس ساعات.. خمس سنوان هي قوة البنتاغون[28]، يودّ لو يأخذها بأحضانه، فقد حققت ما لم تستطع جيوش كاملة أن تفعله. سقطت الدولة، وسقط تمثال الإنسان الإله، وبقي تمثال الإله الإنسان، وما كان له أن يظلّ في مكانه الآمن لولا صرخة كلادس.

هو السرّ الذي سيبوح لها به ويرجوها أن تقف أمام تمثال الإله الإنسان شولكي وحدهما وتتطلع في عينيه مدة من الزمن، لتصدّق قوله، فيبقى السرّ بينهما، فإذا ما سار كلّ شئ على مايرام، فإنّه سيدعو أفضل النحاتين ليقف أمام شولكي فينحت عينات كثيرة له يضعها في مراكز المدن جميع المدن:

سيكون هناك في البصرة

في النجف

في الحلة

أربيل

بغداد

سامراء

كربلاء

كلّ مركز مدينة وقرية

..

كان يقود سيارته إلى المنزل والابتسامة مازالت ترتسم على شفتيه [29]، ويتمتم مع نفسه:

- غدا.. سأمرّ عليك.. غدا. [30]

***

د. قصي الشيخ عسكر – شاعر وروائي

.....................

[1] من حديث التمثال نفسه:  مهما حدث، فعليّ أن أتحدّث بصراحة ولا أخفي الحقائق، نحن الحجر فينا قوّة واحدة لاغير، كلّ حجارة حالما تنفصل عن الأرض تجد فيها قوة تختلف عن الأخريات اللائي يرفلن بالحريّة.. لا أعرف كيف جئت، ومن هو الذي جعلني بهذا الشكّل، فكلّ ما أعرفه أنّي وجدت نفسي في ساحة الفردوس، والعابرون يتطلعون فيّ ينظرون إليّ بإعجاب، وقرف شديد. أحسّ أنّي - من خلال النظرات- إله قديم أو امتداد للآلهة القديمة، لكنّ ماحدث اليوم شئ فظيع هزّ قوتي التي في عيني، وهناك فوضى ورعب وفرح. جاء جنديّ، وناقلة، غطّى الجندي الذي لم يتطلّع كثيرا في ملامحي، غطّى وجهي بعلم بلاده وتحركت الشاحنة تسحبني. انفلتّ من رجليّ. عليّ أن أقرّ بالأمر الواقع.. هناك آلهة جديدة هزمتني.. ستحلّ محلي..

[2] أعترف إذن أن الحجر إذا تحوّل إلى بشر يصبح شريرا، يخرج عن صمته وهدوءه.. يفقد رزانته.. تتلاشى حتّى إله الحرب نفسه تموز حين يصبح إنسانا يكون منتقما، وأجد نفسي بريئا فقد تحوّلت من إنسان إلى حجر، وبقيت معي من الإنسان قوّة عينيه الفتّاكة بقدرة أقلّ من الفتك.

بقية حديث التمثال:  الذتب ذنب الأستاذ الجامعي، كلّ الذين مروا بي لم يحدِّقوا طويلا في عينيّ، الكثيرون مروا بي مرورا عابرا، وبعض الفضولين استطلعني بنظرات عابرة، الوحيد هو الاأستاذ لأكاديميّ الذي أطال النظر في عينيّ.. حدّق طويلا، مرّة بنظارة قاتمة ومرّة بعينين مجرّدتين، في الوقت نفسه نسي أنّي من صنف الآلهة القدامى التي تتمتّع بخصلة ورثتها عن الحجر، والأدهى أنّي منقلب عن إنسان، حدّق دقائق ولم يرتعب،

سخر

وهزّ كتفيه

ثواني حدّق.. دقائق.. ومن حسن حظه أنّ النظر إلى عينيّ يبتلع صوت الناظر خمس ساعات هي القوة الوحيدة التي امتزت بها أنا الإله الجديد.. القوة الخماسيّة.. ولو فعلها الجندي الأمريكي لابتلعت صوته، ولو حدق بي الأستاذ البروفيسور عشر دقائق لغاب عنه صوته عشر ساعات.. هذه هي معجزتي الوحيدة التي ورثتها بصفتي إلها من مادّة الحجر.

[3] سأقول الحقيقة وأظنّ الدكتور الجامعي كاتب سيرتي يتحرّج من بعض العبارات، ذات ليلة قبل قيام حرب الخليج التي لم يكن لي ذنب بها أنا الحجر الإله، بل صاحبي الذي سبقني، ولو سبقته لما حدث المكروه، تلك الليلة، حضر سكارى إليّ غائبون عن الوغي فقدوا عقولهم فجانبوا الخوف، أخذوا يطوفون بي كما يطوف الحجيج بالكعبة، يرددون لحن أغنية تخصّ كرة القدم تقول: تسلم يا بو رجل الذهب تسلم يا هداف العرب، أمّا الحجيج القادم من الحانات فكان يطوف بي ويغنّي:  تسلم يابو زب الذهب تسلم يا نيّاك العرب..

لا أبالغ

ولا أحابي وقد رأيتهم بعينيّ يلوذون بالفرار. ثمّ في ليلة أخرى بعد منتصف الليل بساعة مرت بي سيارة مسرعة رماني ركابها ببيض فاسد، وهربوا..

خامرني إحساس أن هناك من يكرهني بصفتي إلها أيضا.

[4] يواصل التمثال حديثه: هي الخصلة التي ورثتها عن الأرض وعن الشخص الذي نسبوني إليه، لكلّ إله كبوة ولكلّ إله ضرر، كانت قوتي الخارقة في عيني.. اكتشفت بها أعدائي، كشفت ما في نفوسهم، هناك من الآلهة، قلت لا أدري كلّ مايجري حولي بل الذين انتقمت منهم من خلال النظرات حين تحوّلت من حجر إلى دم ولحم.

[5] كنت أقرؤ العيون وأنا صغير، قبل أن أصبح في مصاف الآلهة تطلعت في مدينتي الصغيرة إلى عيني رجل أعرفه قرأت في عينيه شرا وحدهنهكذا تصوّرت، المقهى عامرة بزبائنها، وحده نظراته تنوي شرّا، وعندما خرج من المقهى، وجهت إليه طعناتي، الحالة تلك جعلتني أفكّر في أن أقرأ العيون، وأعرف أسرارها لأصبح فيما بعد في مصاف الآلهة، فأثبت للبشر أنّ أحدهم يمكن عن طريق التأمّل في أفكار الآخرين أن يصبح إلها ذات يوم.

[6] كنت نصف إله ونصف بشر، نصفي البشر هو الذي تصرف بشكل عنيف، أنا فقط أخرس من ينظر إليّ حسب القاعدة الخماسيّة البنتاغون، أجعل من ينظر إليّ مُصابا بالحرس، كان النصف الآخر يخرج عن إرادتي فيلجأ إلى العنف.

[7] حين كنت بشرا قبل رحلتي الألوهية كنت أرمي أسناني اللبنيّة إذا سقطت باتجاه الشمس، وأخاطبها ياشمس خذي سنّ الحمار وأعطني سنّ الغزال، في الوقت نفسه نفسه حين أنظر إليها تكون هي في مكان آخر، لذلك فكّرت أن أكون في كلّ مكان.

[8] هذه هي المشكلة التي تعيقني في أن أصبح إلها أتمتّع بالخلود.. لست نصف إله.. فالآلهة الذين سبقوني انفطروا من الصخر وحده أما أنا فقد لوثني الحديد، وشدني إلى التراب، فلم أقدر على الهرب، وتفتت، ولو أساء أيّ من الرعايا لإله غير مشدود إلى الأرض مثلي بمعدن لعاقبته بداء ومرض، وعاقبه الناس أقسى العقوبات، لا أحبّ أن أتهم صديقي الأثري أنّه يجهل هذه الحقيقة، وأثق فيه، ربّما يتجاهل أنّي لست من الصخر، وأنّ هناك معدن آخر، فأنا إله انقلب عن بشر فان، فإذا ما تأملني أحد أصيب بالخرس. 

[9] مادمت حجرا لا أكذب: حاولت أن أكون أسطورة العصر، ولكي أحقق ذاتي الإلهية، لجلأت منذ صباي إلى العنف، استعملت قبضتي.. مارست القتل. زوإذ ملكت انتقمت ولكي أكون أسطورة لا بدّ أن أتحوّل إلى حجر.. أصبح إلها وحين فعلت وصرت تمثالا فقدت معظم قوّتي ماعدا عينيّ.

[10] يدّعي التمثال حسب اعترافه قبل السقوط: كانت الوزارات تتسابق في انشطاري، ولم يعرفوا أنّ هذا سبب ضعفي كنت في كلّ مكان أسيرا مقيّدا بمعدن مثل الأسير.. المكان الوحيد الذي لم أنشطر فيه حسب رغبتهم هو ملعب الشعب. أصبحت هناك نكتة مكبوتة: ليتخيّل الناس أنّ إلها يصبح حارس مرمى وبيده كرة قدم.. من يجرؤ على أن يسجل في مرماي هدفا؟

[11] هي المرّة الأولى التي أخرج فيها إلى الأرض. عيناي في عينيه، طالعني بتأمل. لم تكن صدمة لي ولا مفاجأة، أعرفه وأميّزه من بين الملايين، كان منبهرا بملامحي، أمّا عيناي فلم ينتبه لهما، نظري إلى البعيد. كلّ من يخرج من الظلمة إلى النور، لا يرى لبضعة ثوان إلّا نحن الآلهة القدامى فلا رموش تفصل عيوننا عن الظلام والضوء فنرى في كلّ الحالات، رأيته فرحا بي وخصل لاكتشافه على ترقية وشكر. لقّبه المحبون له في العمل بمكتشف الملوك.

[12] يواصل ملاحظته السريعة:  سيكون هذا آخر حديث لي، بدأت أتبعثر وستغمرني الأرض على النقيض من إلهة أخرى حكمت العالم من قبل ثمّ بدأت تخرج وتطلّ على العالم برؤية قديمة، لن تهبّ لنجدتي تجلياتي الأخرى التي ملأت بوابات المؤسسات بصوري المختلفة، فأرجلها كلّها مشدودة إلى الأرض. هناك إله حقيقيّ آخر يرافق الشحص الذي أصبته بالخرس، إله حاولت أن أحتلّ مكانه فأخفقت لأنني انحدرت من بشر خليط ولم أكن من سلالة آلهة في يوم ما.

[13] اسمي شولكي لا أحب أن يناديني أحد شولجي.. في عصرنا الإله يصبح بشرا حجرا، جئت من الماضي والآتي هو الماضي، كلّ الأوقات، فلا وقت إلّا ويصبح ماضيا، ولو فهم البشر أنّ الماضي كان مستقبلا لعاشوا سعداء لكني بصفتي إلها أقدر على حماية نفسي، وهو اللبس الذي وقع فيه صديقي الدكتور.

[14] عشت في صراع وجودي بعد أن خرجت من باطن الأرض، ولم يعرف عدوّي الحاضر وهو الزمن الذي ذاب فيّ فأصبح ماضيا أنّه لايقدر أن يقدّم أو يؤخّر، وها هو من يعترف أنّي وقومي اخترعت الكتابة. لم أكن من عنصر سامي، غير أنّ إلهة عصركم حاولت أن تضع الأمور في غير ميزانها. نحن آلهة جئنا من الهضاب، وهم سكنة السهول، والحاكم المخلوع صاحب التمثال، قال إنهم أجداده وهو حفيدهم، ففتح باب التهجير ولم يقبل وطرد الآخرين بصفتهم غرباء. أعداء.. وجعل أصل الحضارة بابل مع أننا نحن القدامى بصفتنا آلهة نتآلف مع أيّ إله ولو كان عدوّا مادام ينحدر مثلنا من عنصر واحد.

[15] من الطريف ذكره كتحصيل حاصل أنّ البشر في النهاية ينزلون إلى الأرض، أما نحن الآلهة فالأرض تغطينا بعد أن ينتهي دورنا فوقها، ونخرج بهيئتنا الحاضرة. نصبح حاضرا ومستقبلا، وفينا سرّ اكتشفه صديقي الدكتور متأخرا، سوى أنّي لا أريد أن افشي سرّ الرواية لكي يتابعها القارئ إلى النهاية.

[16] الحقّ أقول، أنا الإله أنوشكي، هؤلاء ليسوا آلهة ولا أنصاف آلهة كان الذي يتغلّب علينا من ملوك وآلهة لايحطموننا يتركوننا كما نحن عليه خشية من الانتقام ولايجرؤون على أن يمزّقوا صورنا خشية من انتقامنا، فأرواحنا وصورنا تنبض بقوة سرمدية تبارك من يباركها وتنتقم ممن يدمّرها ولولا هذه القوة لما خرجت من باطن الأرض صورنا وتماثيلنا ومنها صورتي.

[17] أقسم بشرفي الإلهي وشرف الآلهة البابلية والسومريّة أننا لم نكن غرباء، بل تركنا الهضبة لننزل في أرض الرافدين التي وجدناها مقدسة وحين أكملنا مهمتنا انسحبنا بهدوء، فزحفت الأرض وغطتنا، ولم يكن بيننا وبين الأقوام الأخرى التي جاءت بعدنا أيّ عداء بل كانوا قبل أن تجذبهم أرض الرافدين يأتون إلينا لنصنع لهم تماثيل آلهتم رضا ونوحايا ودايا وعطار سمين و قرمة..، كانوا لايجيدون فنّ نحت الآلهة، فعملنا لهم، آلهتم تلك التي جددها لهم ملك آشور وإلهها أسرحدون.

[18] أسخر دائما ممن يجهل بوابات السماء ويعبث بالبروج، نحن الذين وضعنا أسماء الأيام، ومن جهل الأسطورة نسي أن أعداءه جاؤوه مدجّجين بسلاح رهيب يوم الأربعاء كان كأسلافه القدامى يتشاءم من الأربعاء يعدّه نحسا، فكيفلم يلتفت.. أظنني نطقت بالحق. فأهل الزمن الحاضر لاىيعلمون ان الانسان اذا حاول أن يصبح تمثالا تشبه بنا نحن الالهة وهو يعلم جيدا انآلهتنا ونحن ملوك هي التي خلقت الزمن فتفاءل به وتشاءم حسب هواه هل اقول ان المخلوقات التي تتحرك من حولي الآن ولا أبرِّؤ أحدا تشاءمت بيوم الأربعاء الذي اوجدناه.. هو يوم عطارد ويوم زميلي الاله انكي الواقف معي في هذا المكان رب الحكمة والعلم والسمع هو يرى بغداد التي يكره أهلها يومه سقطت في هذا اليوم فاية حكمة بعدءذ يمكن أن تقال

[19] لا أظنّ أحدا يستطيع قراءتي وإن كان المختص في علم السومريات الدكتور نامق.. لم تكن رجلاي مقيدتان بالأرض فأتهشم وأتفتت، وكانت هناك قوة في جسمي الصخري الصلب تمنع من نهبي، صخر من صُلب، سماويّ، ولو سُرقت فلا أحد يقدر على تدميري، سأكون مع قوم آخرين، أحلّ بينهم فيدركون بركتي، ويحاولون فكّ أسراري، ولا يروني رجسا أو دنسا.

[20] الحقّ أقول إنّي أقرؤ السماء لأنني ابنها، ليس الوضع سوء حظ بل هي إرادة السماء، برجك ياسيدي هو السرطان، وبرجها الدلو، والجوزاء والدلو، لا يلتقيان إلّا في أيّام الخير، أنا صاحب الجرّة أختبر البروج واحدا واحدا، أليوم هو آخر أيّام الجوزاء، وهو برج نحس فأنتم لا تلتقيان إلا غدا أو بعده ليعم الخير. سلام لبرجيكما.

[21] هل يصدّقني أحد إذا قلت إنّي أسفت لتلك اللحظة التي تمّ فيها نهب بعض مقتنيات المتحف، أنا إله، منذ أن أصبحت تمثالا حلّت روح الألوهيّة فيّ. كنت ثقيلا يقدر على حملي أربعة أشخاص، وراقبت وضعا يسري كالنار في الكون.

[22] مامن شكّ أنّي أعدّ الحجر مناسبا ليتخذه الإله حين يتحوّل من السماء إلى الأرض، البرونز يأتي في الدرجة الثالثة وفي عصركم تضعون البرونز بالدرجة الثالثة، لا ألوم أمير أكاديا الذي عمل له تمثالا من البرونز، وقد سرق ولم يتحطم. أنا أكبر اللصوص الذين سرقوا فهم سيبعون تلك المسروقات، لا ليحطموها. ليس هناك من كره في نفوسهم على الآلهة.

[23] لا أستغرب.. لا تصيبني الدهشة.. أتكلّم بصفتي إلها يلمس الزمن ويروّضه: كنا نفخر باللون الأسود وتمثال الملك السومري أينتمينا زميلي في الألهوية بعد التحجّر من الحجر الأسود كنا نفتخر بشعرنا الأسود ونضع السواد في ياشماغ نغطي به الرأس، ولا أشكّ أن زميلي الإله نسي فغطى نفسه كلها بالسواد حبا به، فكان ذلك بعض الشؤم عليه حيث تحقّق الآن.

[24] أختلف مع صاحبي الذي استخرجني من باطن الأرض، أصلي إله نعم غير أنّي مادمت قبلت أن أصبح تمثالا، وأخضع لقوانين خلقتها بنفسي فتحوّلت من إله إلى تمثال من حجر، أصبحت ذا قيمة مادية، أعترف أنّي مارست العبوديّة اشتريت نساء ورجالا لخدمة مملكتي أتحدّث الآن في لغرفة المحصنة التي خالطت العصور فيها بعضها ببعض، باسم الآهة جميعها، آلهة كلّ الشعوب، البشر يمارسون تجارة الرقيق معنا والمزايدات بملايين الأموال.. إنّهم يخدموننا نحن الصامتين ولا يكتشفون سرّنا. لايعرفوننا، ويظلون يركضون خلفنا.. يقدسوننا..

[25] كأنّه يبحث عن شئ.. علامة ما.. ظلّت عيناه ثابتتان في عينيّ. صديقي القديم.. لايبحث عن تجارة الرقيق.. لايراني جامدا يفهمني في كثيرا من الأحيان ولا يفهمني في كثير من الأحيان أيضا.. نظر إليّ.. أطال النظر..

[26] هل يسئ الظنّ بي أحد؟هي قوّة منحتني إيّاها السّماء.. ليست مخدرا من مخدرات اشتهرت بها الشعوب بعد آلاف السنين من تميّزي بهذه القوة. بعد أن أصبحت صخرا سرت في صلابة عينيّ نشوة غامرة، جعلتني نظراتي تشيع البسمة في كل من يثبت نظره عليهما. هي السحر وعلم الأقدمين، يبتسم من يراني ولا يفقد إحساسه بما حوله.. لا ينقلب له القبيح جميلا، ولايتبلد فلا يهمّه ماحوله.. أؤكّد للعالم أنّها ليست مخدّرا قويّا يفقدك الإحساس لكنْ يجعلك تتفاءل ولا تتداعى عند تكالب الهموم.

[27] قلت منذ البدء إنها ليست الرغبة، إنّما هي إرادة البروج، لو زارها اليوم على اختلاف عطارد والسرطان، لوقعت كارثة عليه وعليها، يمكن أن تعدّه مجنونا، فقانون الابتسامة الذي حكمته به سيستمر على شفتيه وقسماته خمس ساعات ولو شرح لها ما اعتراه لشكّت في سلامة عقله، غدا ينتهي انطباق الشؤم بين البرجين، فيجد عندها ترحيبا هائلا.

[28] أعيد وأقول أنا لست ساحرا، لا أعطي محدّرا بالمجان، قوّة بصري من الصخر الجامد والصخر حمل رسالة الآلهة إلى البشر. إنّي أنفي التهمة عن نفسي، فللزمان القديم آلهة تحميه لئلا يشعر المنكسرون بالإحباط.

[29] أنا الإله شولكي. زأقرّ أن من يراني يبتسم، من يتطلع بعينيّ يبتسم، البروفيسور صادق لاشكّ في صدقه وبراءة نيته بيد أنّه ساذج حسب اعتقادنا نحن الآلهة.. هناك تماثيل الآلهة زملائي الذين معي في هذا المكان، وفي مدن شعوب أخرى أخرجتنا من باطن الأرض، فاستأثرت بنا وحدها، كل تمثال إله له ميزة تخصه وحده هناك من يجعل الإنسان يضحك مثلي، وهناك من يجعله يبكي، وآخر يدفعه للجريمة، .. الصراخ.. الهذيان.. الحب.. لسنا ذي أثرة فنحن من أوجدنا الحضارة فكانت لنا ميزة لاتمتلكها آلهة أمم جاءت بعدنا.

[30] حسنا يفعل.. منذ البداية قلت له غدا يلتقي برجاكما على خير!

 

في نصوص اليوم