نصوص أدبية

قصي الشيخ عسكر: الخاتم والرماد

قصّتان قصيرتان جدا

الخاتم والرماد

في بداية علاقتهما لم يسألها لكي لا تسئ فهمه عن الخاتم الغريب في يدها..كان من الذهب بشذرة ذات سواد، في بعض الأحيان يمسك يدها ويطبع على راحتها قبلة ولا ينسى أن يمرر شفتيه على الخاتم، وفي أحد الأيّام، بعد أن تعلقت به سألها:خاتم جميل يثير استغرابي، لم أر من قبل شذرة تحيط بسواد.

فابتسمت بمرارة، أو بشئ من الأسف:

حين توفيت أمي، ذهب أغلب رمادها إلى المقبرة، وأخذت خالتي بعضا منه لتضعه في شباك غرفتهاوطلبت بعضا يسيرا منه، وذهبت إلى صائغ محترف سألته أن يصوغ لي شذرة على الرماد

كان جوابا أخرسه، فقد عجز عن أن يقول شيئا فقط تحسّس شفتيه!

**

رائحة ما

خلال الحرب العراقية الإيرانية، عملت، شأني شأن أيّ من العمال العرب، في إحدى الشركات الفرنسية في تعبيد أحد الطرق الحيوية، وكان على السيارة التي تقلنا إلى ماكن العمل أن تمرّ بمكز تفوح منه أحيانا رائحة كريهة تشبه رائحة الشواء، عرفت فيما بعد أنّه مركز يجمع فيه الجيش جثث الشهداء قبل أن يرسلها إلى أهاليهم.

ذات يوم ارتفعت فيه الحرارة إلى درجة الخمسين، كنا نعمل على بعد كيلومتر واحد من مقر الجثث، سمعت الفرنسي المراقب يقول بلسان ثقيل:

- جو لا يتحمله إلا الحيوان

حينها

هبت نسمة هواء نثرت معها رائحة الموتى، فمال علي وسألني:

هل هناك كلب ميت قريب منّا

فبعث سؤاله فيّ الخوف والنفور، فهززت رأسي، وقلت مترددا:

لا أدري ربّما

***

د. قصي الشيخ عسكر

في نصوص اليوم