نصوص أدبية
جودت العاني: الضوء والعتمة ورهاب الزوايا!!
ابتعد عن جسده حين حلق في غرفته المظلمة التي تطل على فناء خلفي تحفه اشجار البلوط الضخمه، لم يكن يرغب في الخروج الى العالم الخارجي المملؤ بالضجيج والفوضى التي لا نهاية لها. حتى انه بات يشعر بعدم الارتياح من جسده الثقيل الذي يملؤه الملل. شعر انه يسبح في فضاء الغرفة كخفاش يعرف الزوايا والفضاءات المظلمة التي يمكن فيها ان يلتصق وربما يتدلى لينام وهي عادة الخفافيش حين تخلد الى النوم.. ثم، ما لبث ان استقر في تلك الزاوية المقابلة لسريره القديم الذي تنبعث منه رائحة غير مريحة تماماً.. هكذا كان الخارج يبدو له وكأنه لعنة لا يريد ان تستوطن ذاته، ومع ذلك فقد اخترقت جسده ذات يوم عندما حاول أن يتحاور عسى ان نافذة بين عالمه والعوالم في الخارج قد تنفتح، عندها شعر بأنه محاصر ومن الصعب الإفلات من أسر ضجيج الكلمات والمفردات والأفكار المتقاطعة والمتلاطمة كالأمواج في بحر يبدو أنه لن يهدأ، وأدرك أن الإنسحاب والإبتعاد عن اللعنه إلى حيث لا ضجيج يبعث على القرف. لكنه وجد نفسه يطل على عالم هلامي لا حدود له يغمره ضوء النهار وتسبح في ليله النجوم التي لا احد يسطيع عدها أو يحصيها وما ورائها وما وراء الوراء الذي يتصوره العقل ولا يصدق كيف تسبح الأشياء في هذا اليم اللآمتناه.
حملق في جدران الغرفة المظلمة فوجد نفسه محاطاً بظلمتين الأولى داخل نفسه إلا من بصيص ضئيل من الضوء والثانية في خارج ذاته، وهما ظلمتان نقيضتان ومختلفتان ولكن يجمعهما اللون الاسود. ثم تسلل الى ذلك البصيص من الضوء وهو ممتد ولا يعلم مداه، ومع ذلك واصل الزحف بإتجاه نهاية النفق. وعندما داهمه الضوء الباهر لم ير شيئا غير العتمة، عندها سأله أحدهم في الخارج:
إلى أين أنت ذاهب؟
الى الضوء، وأضاف ولكني لا ارى شيئا من هذا الضوء.
ولماذا انت تريد رؤية الضوء؟
يقولون إنه في نهاية النفق؟
وسألة بعصبية، وهل تصدق كل ما يقال؟
وتابع يقول، اجبني.. قل الحقيقة، ماذا ترى الآن؟
أرى؟.. إني أرى عتمة ولكني لا اصدق ان ورائها ضوء.!!
وأنت، وكما اتصورك تبدو مغمور بالضوء، هل تراني اخرج من النفق أم لا زلت اقبع فيه، قل لي من أنت؟
لا اعرف، لو كنت اعرف لقلت لك.
ولكنك تعرف بأنك تسبح في الضوء.
نعم، ولكن الذي لا يعرف الظلام، لا يعرف غير الضوء.
صدقت، كلينا يعيش في عالمه لوحده.
ولكن، لماذا لا تتسلل مرة واحدة الى عالمي كما تسللت أنا؟
لماذا؟ وهل رأيت شيئاً غير العتمة؟
يا الله... العتمة التي اجدها امامي تتربص بي في كل ثانية وتتلون في طريقي وتتراكض كسحابات سماء على وشك ان تزخ مائها.. احيانا تجد كل شيء فيه عتمة ولكن من نوع آخر.
دعنا من هذا الكابوس.. دع كل شيء في مكانه وتعال معي الى عالم الضوء ولا تخف من العتمة التي سرعان ما تزول حين يصفو الضوء.
هل تمزح؟ والى متى وانت تظل تخوض هذا المضمار من العبث في واحدة من اهم دعابات العصر ايها المفكر؟
انزع جلدك وسأنزع جلدي وسنبقى عرايا في بحر الضوء ولا احد يرانا في العتمة.!!
***
قصة قصيرة في حلقات (من وحي كابوس في ليلة يغمرها الظلام).
د. جودت العاني
22/06/2024