نصوص أدبية
قصي الشيخ عسكر: حالة كسوف
كانت هناك سعادة غامرة انطبعت بشكل مذهل على ملامح الخفافيش والبوم؛ سعادة قد لاتقدر بأيّ وصف.
إذ حالما تلاشت الشمس بكسوف كلّيّ توقعه الفلكيون منذ زمن حتى عدّلت الخفافيش من وضعها المقلوب الذي اعتادت عليه في النهار وحلقت بشكل مفاجيء في المدن التي شملها الكسوف أما طيور البوم فقد توسعت عيونها وهي تستوعب الظلام وتنطلق في جميع الاتجاهات ...
فئران
وحشرات تزحف أو تطير
جنادب وصراصر تغرّد في الحدائق العامة وبين ثقوب الجدران
أصبحت الخفافيش والبوم تملأ أجواء المدن المصابة بداء الكسوف.
في حين أوت عامة الحيوانات من طيور وقطط الى أعشاشها وجحورها كي تتمتع باسترخاء لذيذ من دون ان يهمهما أن تعرف لماذا قدم الليل مبكرا قبل موعده بساعات طويلة.
توقفت السيارات على جوانب الطرقات.
وبدأ الركّاب وروّاد المقاهي والحانات يتمتعون بالسماء الغارقة بالخفافيش والبوم.
أغلق الموظفون نوافذ مكاتبهم خوفا من ان تتسلل النسور والخفافيش الى داخل غرفهم. كانوا يراقبون المشهد المثير من أماكنهم المحصّنة البعيدة وهم مبهورون بالحرب الدائرة بين الخفافيش والحشرات والبوم والقوارض التي اندفعت من جحورها.
كلٌّ يبتلع
وكلٌّ يفترس
قالت أم لابنتها الصبيّة التي وقفت عند النافذة تراقب باهتمام:
لا تنظري من دون النظارة القاتمة باتجاه الشمس وإن تلاشت تماما كي لا تصابي بالعمى.
ردت الصبيّة بذهن شارد:
لا تهمني الشمس لقد حل ظلام دامس لكن ما أجمل المشهد.. في السماء آلاف الخفافيش مثل أسراب السنونو تحلق أظنها تنقض على ذباب وبعوض يطير.
أووه مهما يكن استمتعي ولا تنظري لمكان الشمس من دون نظّارة.
وفي إحدى الدوائر قالت موظفة في الثلاثين من عمرها وقفت تتطلع إلى الرصيف من نافذة المكتب:
كم هو مثير للاشمئزاز أن تنقض بوم على فئر مسكين
همس الشاب الثلاثيني في أذنها:
هناك مشاهد أجمل
وامتدت يده تمسح على ساعدها.
ارتسمت الدهشة على الوجوه من دون أن يعوا أنّ هذا المشهد يحدث كلّ ليلة حالما تغيب الشمس لكنّهم لم يعوه لأنهم في ذلك الوقت يكونون قد غطّوا بنوم عميق لا يمارسون فيه إلا بعض الأحلام.
***
قصة لمحة
قصي الشيخ عسكر