نصوص أدبية
الحسين بوخرطة: تدجين بطعم الجنون
بعد فترة ممارسة طال أمدها، امتاز قس متدرب بأكبر الكنائس غربا قبل عصر الأنوار بإيمانه الصافي الحق. اسمه فيليب. في منتصف يوم معلوم، استقبله كبير القساوسة قبل تناول وجبة الغذاء. وجه إليه سؤالا واحدا لا ثاني له: ما هي نتيجة الجمع "1+1". فأجاب المتدرب بسرعة "1+1" سيدي تساوي 2. فعقب عليه سيد الكنيسة بابتسامة مبهمة: "لا يا ابني جوابك خطأ "1+1" يساوي 5". صمت فيليب مشدوها، فهمس لنفسه: "هناك بلا شك سر وراء هذا السؤال". فأردف مرتبكا: "إذا أجبتكم بنفس جوابكم إرضاء لكم سيدي، ألن أحاسب يوما؟". ابتسم كبير القساوسة معترفا بقوة عبارة الإجابة، وغادر المكان بسرعة، تاركا القس المتدرب مكهرب الأجواء، مشتت التركيز.
استمر التفاعل بقوة بين الكنيسة والبيروقراطية السياسية في البلاد. ازداد حرص فيليب على الحفاظ على استقلاليته. حاول التكيف مع الأحداث بنَفَسِ التأثير عليها بأفق إصلاحها. عاش ساعات أيام شبابه الاندفاعية متوترا. يستولي عليه الأرق وتنهشه الكوابيس ليلا. يستحضر كل مرة حديثه مع كبير القساوسة. قرر مقابلته مجددا. طلب هذه المرة موعدا رسميا من كاتبه الخاص. حضر في التوقيت المناسب. قام السكرتير بكل واجبات الاستقبال. أذن لفيليب بالدخول. واجهه كبير القساوسة، المدجج بحاشيته من كبار القوم، بنفْس ابتسامة اليوم المعلوم. قدمه للحضور كفاعل جديد من رجال الدين العقلانيين. أعطاه الكلمة أمام وجوه معبرة عن استحسان حضوره. انتهى من إلقاء تدخله المحبوك مقدما التحية الختامية. تهامس الحاضرون فيما بينهم لدقائق. خُتِم اللقاء بعبارة كبير القساوسة:"أحسنت أيها الفقيه فيليب"، فأعطى أوامره لحاشيته بتغيير الأوضاع واعتماد خطة فيليب لإصلاح أوضاع الكنسية والسياسة". تظاهر الكل بالابتهاج والرضي.
عاش فيليب بعد هذا اللقاء أياما عسيرة أحس خلال ساعاتها أن الأمور تزداد تعقيدا وتوترا، ولياليه تزداد أرقا. يداهمه صراع القبح والحسن والخير والشر ليل نهار. كلما استحضر أمانة الاستخلاف أرضا، ازداد إصرارا على المقاومة. لم يستسلم قط متشبثا ببشريته الكاملة. رأسه سينفجر بكثرة التفكير. كلما التقى كبير القساوسة بمحياه الصارم داخل أروقة الكنسية، يصفر وجهه، يلقي التحية بدون أن يجرؤ على مفاتحته في موضوع اللقاء السابق وفي مغزى ودلالة العملية الحسابية. استمر على هذا الحال متأزما نفسيا وكأنه يصب الماء على رمال صحراء قاحلة إلى أن بدأ الجنون يتسلط على وجوده.
تعود منذ البداية على كتابة مذكراته اليومية كل ليلة قبل النوم. استأمن أخوه على ترتيبها وأوصاه بالحفاظ على سريتها ونشرها في كتاب إن وقع له أي مكروه. مات فيليب غير مستوعب لمعنى الموت بسبب جنونه. نشر الكتاب في انجلترا، وبدأت بعد أيام قليلة تشع الأنوار وتنعكس هنا وهناك.
***
الحسين بوخرطة