نصوص أدبية
مهدي القريشي: المتقاعدون
في مقهى الطّرف،
وعلى حصيرٍ حَفَظَ عظامَ مؤخراتِهم،
وتشمّمها واحداً واحداً،
أملساً كان أم خشناً،
ليّناً أم متكلّساً.
يدخّنون ما تبقّى من أعمارِهم،
يجترّون ذكرياتِهم التي رحلتْ بزورقٍ مثقوبْ،
يحلمون بامرأةٍ، متوثّبةٌ أثداؤها
كعصافيرَ فزعةٍ من صيادٍ أثول،
عسى أن يتذكروا لحمتَهم المتهدلةَ .
معظمهم يتباهى بذكرياته في شارعيَّ النهرِ والعرصات،
وببناطيل (الچارلس) والكذلةِ المدهونة بدهان تاتا (زيت جوز الهند).
النّسوةُ الآن غير النّسوةِ بالأمس، يطالبنَّ بالإثباتِ علناً،
لكن الشاهدَ مات سريرياً .
والمزاجُ انقلبَ عابرَ سبيلٍ،
وشهوةُ لساني في انزلاقِ الحروفِ
باتت كهجرةِ الألوانِ من قوس قزح .
*
يطهرون ألسنتهم بملحِ كتابِ الله صباحاً،
لا أحدَ يعثرُ على ظلالِهم في ظهيرةِ تموز،
شتلة روحٍ تمشي نحو غارسها،
بصريح العبارةِ جسدٌ يخذلُ صاحبَه.
*
لا أحدَ يحتاجُ إلى ألَم الآخرِ،
نبوآتُهم مضحكةٌ،
وأحلامُهم حصةٌ خفيفةٌ من الأوكسجين،
وقرص (باندول) صنع في سامراء.
وعقار يخذلُ شموخَ الضغطِ،
ولفافة تبغٍ و(استكان) شايٍ بلا سكر ٍ
ملّوا من النّظر إلى تجاعيدِ وجوهِهم في المرآة
فابتلعهم زئبقُها،
متضامنون في السّعالِ
والتّثاؤبِ
والعودةِ الى البيتِ قبل فطام الأطفال .
***
مهدي القريشي