نصوص أدبية
محمد الدرقاوي: طبق الملح...
حين أخبرها أبوها أن حمزة ابن صديقه الوزير معجب بها ويطلب يدها حركت كتفيها في استخفاف وعلى وجهها رسمت ضحكة سخرية وكأن الأمر لا يعنيها..
ـ ما بك كوثر ماالذي لايعجبك في حمزة؟ شاب وسيم درس في كندا وعاد بشواهد عليا وينتظره مستقبل زاهر..
بسمة استهزاء رمتها في وجه أبيها وقالت قبل أن تستدير لغرفتها:
أن يعجبني أو لا يعجبني فهذا ذوق وحرية شخصية،أما بالنسبة لي فأنا أكرهه كما أكره أمثاله ممن يضايقون بائعات الهوى على الطرقات، يبيعون أ نفسهم بلاحياء وهم أثرياء وأبناء مسؤولين، كل العيون مصوبة اليهم برقابة ..
استغراب يركب الأب من كلام ابنته،هي حقا تلم بأخبار المجتمع أكثر منه بحكم مهنتها كصحفية تعرف الكثير مما يموروما قد يغيب عن كثير من الناس.. في رأسه شرعت تلف الصور:
أيكون حمزة مثلي الميول؟
سؤال لم يكن الأب هو من راود عقله،لكنه قفز في ذهنه كتلويحة حين عاد حمزة من كندا بعد إلحاح من أبيه وقد شرع يهيئ له منصبا في أحد الدواوين، عاد ومعه شخص كان يلازمه كظله ادعى حمزة أنه أستاذ للرقص صاحبه من أجل رحلة سياحية ..
فكم امتد من لسان سخرية بولد معالي الوزير ذي اللسان الطويل!!..
أخرج الأب نفسا قويا كان يملأ صدره حيرة ثم قال "ان بعض الظن إثم "
ما شغل الأب كان أكبر مما أخرجه من صدره وأ شد حرارة !!..
“لو داهمه الوزيربزيارة مفاجئة ومعه رهط من المقربين منه يطلب يد كوثر لابنه فماذا يكون رده وهولا يملك لسانا أو شجاعة على الرفض؟..
خف الى بنته، طرق باب غرفتها ثم دخل، وبلامقدمات بادرها:
ـ كوثر حبيبة قلبي، يجب أن نستعد للقابل، الطلب اليوم اتى عارضا لكن لو تحول الى أمر رسمي فماذا يكون ردنا؟
تطلعت كوثر الى أبيها في غير قليل من التحدي وعلى وجهها بسمة ازدراء:
ـ وهل نحن عبيد يا أبي قد وضعنا الرق في خدمة الأسياد؟
ـ مادخل العبيد والأحرار في ما يفرضه ذوو النفوذ على غيرهم؟
هو ابن وزير ياكوثر وابوك ليس الا تاجرا صديق الوزير، هل نسيت فضله الأخير علي؟..
ـ ابتي !!..أن يكون له فضل عليك فهو يتحمل مسؤولية مافعل، وحيث إنك لم تستعط منه فضلا أو تدق عليه بابا، فلا يعدو أن يكون الامر" تسبيق عجينة في بطن " استغلها مما ليس له، وتصرف في القانون بتطاول ..
صمتت قليلا ونحو أبيها صوبت نظرة خاصة قبل أن تتابع:
حاولت ـ يا أبي ـ ألا اعري طبق الملح فالنجوم فواضح لاني أستحيي منك لكن اذا لزم الأمرفأنا لن اصمت "وللي حشم فيما ضره فالشيطان قد اغره " فرفضي له أسباب منطقية، وأنت ادرى بشجاعتي ومقدار جرأتي، ولا أخشى في حق لومة لائم ..
تنفس الأب بقوة تنفس المحتار القانط وقال:
نوريني كوثر، فانا أبوك، لو كانت أمك على قيد الحياة لتولت الأمر معك، وكما تعلمين مذ غابت أمك عنا حاولت وبسرعة أن أهدم الحواجز بيننا بصراحة وثقة وصدق..أنت صحفية كوثر ومطلعة أكثر من غيرك،فنوريني بالحقيقة..
كانت كوثر متمددة على سريرها فاستقامت، فسحت مكانا لابيها وقالت:
ـ اسمعني جيدا يأ ابي !!.. لو كان حمزة مثليا لقلنا: رجل يميل الى نفس جنسه
كما تعرف عني أنا: أمرأة لا اعشق غير النساء، لكني للرجال لا أكره ولاعليهم حاقدة، كما أني من وضعي لا أخجل،هي ميول عارضة قد تمتد أو قد تتغيراذا وجدت من يفهمها ويكشف اساءاتها القديمة وما يعوضها من رؤية جديدة للنفس والعالم والحياة بحنان ودراية وايثار أما وحمزة مريض يخضع لعلاجات كيماوية لتهتكات في شرجه وقد أجرى أكثر من عملية رتق وتنظيف للديدان التي تنهش مخرجه فكيف ترضى لي بزوج مثل هذا؟ نثانة ياأبي، نثانة !!..لا تتحملها أية أنثى مهما كان انتماؤها السوسيو ثقافي..
ـ هل تعلم بابا ـ مع احترامي لك ـ ان حمزة فاقد القدرة على تحريك رغبة أنثى لانه عنين شلو؟..كل البنات اللواتي أغراهن بمظهر يعرفن عنه هذا وبه يتحدثن، هل تذكر بابا حين غاب حمزة عن عزاء ماما ثم ادعى المرض أنه كان في فرنسا يقوم بمحاولة تكبير لجهازه التناسلي عساه يستطيع التبول بلا مشاكل فلم ينجح، وقد عاد وهو يائس نهائيا من ان يحاول إرضاء رغبة أنثى أو يحرك فيها ساكن.
ـ أبدا بابا لن أصير مطرح امراض ونتانة لآدمي ليس له توجه واضح سوى أن اباه يريد إرضاء غروره لينفي ما يعرفه غير قليل من الناس عن ابنه ..
ذهل الأب لما يسمع ثم شرد في أمر ابنته نفسها، هل يشير الناس اليه بالبنان كما يشيرون لابن صديقه الوزير؟ يعرف أن ابنته غير مريضة عضويا ولا نفسيا وهو ما أكده أكثر من طبيب وانما هي ميول تدركها كمثلية لكن ليس لها مخلفات قد تظهر عليها.. وفي عقله دقت حكمة طبيب حين قال له يوما:
"هي حرب هزمت فيها المرأة زمنا وتأسست الذكورة ولن يطول لها شروق "
زوجته هي من أطلعته على أمرابنته كوثر قبل أيام قليلة من وفاتها ..
وهما في غرفة النوم وقد اشتد بها آلام السرطان أمرته أن يسد الباب ثم سلمته رسالة تشرح تفاصيل ابنتهما وتحذره من أي عنف او أحتقار أو حتى عتاب يمارسه على كوثر..ومما شرحته في رسالتها :
"ابنتنا لا تكره الرجال أو تظهر عداوة اتجاههم لكنها تجد متعتها في أنثى مثلها، أنا من أكتشفت ميولاتها، كنت أنتبه أن البنت دائمة التمسح بسيقاني واذا دخلت معي الحمام بالغت في تقبيل ذراعي ، وأحيانا تتجرأ على فخدي، وكانت ترتاح وجنتيها على نهدي اذا كانا عاريتين وفيهما تتغزل بشعر.."
"لقد عاملتها بذكاء وحذر، وخبرة بكل التغيرات التي تطرأ عليها ؛كنت أخفف الوطء عليها ما استطعت بصمت وحنكة وتوجيه، بل كنت لا أتوانى في إرشادها كيف تختار صديقاتها وكيف تتستر على ميولها أمام جميع الناس لان البشر لن يرحموها، فالبطش بين بيني البشر اقوى من بطش خالقهم الذي اذا بطش رحم.. كانت تبكي بحرقة وهي تسألني:
هل أنا مذنبة ماما؟ هل أنا كافرة؟ هل يعذبني الله فأدخل النار؟
كنت لا املك علما ولامعرفة عميقة بحقيقة ما يشرحون به آيات اللواط حيث يترك الرجال النساء ويلهثون وراء الذكور، كنت أجد الامر قياسا غير سديد غايته التشدد والترهيب لا العلاج والتبصر ،لكني كنت أدرك ان الإسلام بالانسان رحيم منافح،وبنتنا لم تخلق نفسها فمن خلق وزرع في جيناتها مازرع قادر على أن يتجاوز عنها ويشفيها، أما عن آيات قوم لوط فالفرق شاسع بين المثلية واللواط فالله قد تكلم عن إتيان الذكورللذكور لا عن إتيان المرأة المرأة.. فأن يأتي الرجل رجلا فهذه وساخة وتلوثات ونقل أمراض،والإسلام طهر ونظافة..
كنت أدرك أن هذا البوح الصريح مع بنتي هو اعتراف بميولها وهوحرية تمكنها من الثقة التي أمنحها لها فتحكي لي كل ما تحسه بصراحة وثقة في
النفس بدل أن أحبسها في قفص من الضغوط التي لن تزيد بنتي الا كبتا قد يتفجر عادات ومكاره لاتستطيع لها مواجهة.."
لقد استطاعت المرحومة زوجته أن تصمم له خريطة طريق مع ابنته فنجح في الحفاظ على علاقتهما بكل ما تتطلبه المعايشة من احترام وحرية وتفاهم..
ما احتاط منه أبو كوثر هو ما حصل فهو لن ينسى أن الوزير قد منحه رخصة لاستيراد ابقار من البرازيل وهولاندا كما منحه رخصة ثانية لاستيراد الغنم من اسبانيا في أزمة غلاء اللحوم التي ضربت الوطن وقد حقق الأب ربحا محترما جعله يضاعف ثلاث مرات ماخسره من مخلفات الجفاف على كثير من الزراعات ..
استدعى الوزير أبا كوثر الى مكتبه بالوزارة كتحسيس بمنصب وسلطة، استقبله بنوع من كبرياء،وما أن استقام أبو كوثر على أريكة حتى ذكره الوزير بصفقة البقر والغنم..
ـ كثير من الأصدقاء قد أعابوا علي حرمانهم مما نالك،ويشهد الله أني ما فضلتك أنت على كثير من غيرك الا لما بيننا من صداقة وماكانت المرحومة زوجتك تصبغه على ابنائي من رضا وعناية..هل تعلم ماذا كان ردي على المحرومين؟..
ـ "الحاج المعطي مقبل على الافراح ويلزمه المال ليسعد بطونكم وأسماعكم ونشوة عقولكم "..
قالها وهو يقهقه رافعا صوته كأنه يريد تسميع من يقبع خارج مكتبه..
ترنح أبو كوثر في مكانه وأحس بضيق يعصر قلبه ونفور من كلام الوزير الذي بادره:
ـ أخبرني حمزة أنه متيم بللا كوثر وبها دون سواها يريد الزواج ،أظن الخبر سيسعدك؟
الحيرة تهز قلب أبي كوثر والدهشة من نظرات الوزير التي كانت تتلون بنفاق تربكه، فلم يملك غير الصمت..
تشاغل الوزير بالنبش في درج مكتبه قليلا عن زائره ثم ما لبث أن رفع راسه اليه في صرامة وكأنه أدرك الرد الذي لم يستطع أن يتفوه به أبو كوثر في وجهه
ـ ايه مارأيك هل نعلن كتب الكتاب وحفلة الزفاف بعد شهرين؟ أظن الوقت كاف..
بلع ابوكوثر ريقه، تنفس بقوة وقال:
كيف أحقق لك رغبة ولابننا حمزة أمنيته وكوثر قد تمت خطبتها من عشرة أيام على أمير خليجي وقد أعطيت وعدا واتفقنا على كل شيء مع التزام بيننا على أن يظل الامر في السر؟لأمر يريده سمو الأمير ..
ـ ماذا تقول؟.. وكيف تم ذلك ولا احد أبلغ بخبر؟..
انفجر السؤال من فم الوزير كقنبلة تتفتت أجزاؤها
ـ كما قلت لك اتفقنا على كتمان الامر الى أجل قريب..
قام الوزير من مقعده ونوع من الامتعاض يلفه بحنق وسخط:
ـ على كل حال سابحث في الامر..
ثم بلا لياقة ولا احترام أشار بيده للزائر بالانصراف..
دخل أبو كوثر على بنته وأعلن لها الخطأ الذي ارتكبه بكذبة ظنها تبعد فلذة كبده عما أراد الوزير ان يقرره بتحكم وأمر سلطوي..
تأسفت كوثر فيما أوقع الاب فيه نفسه:
ـ لماذا هذا الخوف ياأبتي؟هل نحن عبيد ما وجدنا الا لننفذ رغبات أسيادنا؟
لو تركت الامر لي لاعلنت مايعرفه الناس عن حمزة وما تم تدوينه من سخرية وتحقير في أكثر من موقع تواصل اجتماعي ،ولجعلت معالي الوزير يخزي نفسه قبل أن يجرؤ على مسك بتحكم وإذلال، والله لن أمررها له بسلام ..
ـ هل تعرف لماذا استدعاك الوزير اليوم؟لان ابنه أمس وجدوه مرميا خارج المدينة عار وقد غيبه السكر، ينخر الدود مؤخرته والكلاب تكاد تنهشه لولا ان تداركه رجال الدرك.. معالي الوزير ياأبي يريد ان يتستر على خزي بعار، من كان مثله فعليه أن يقدم استقالته ويترك هذا الوطن فقد صار سبة لحزبه ولوطنه..
نوع من راحة البال تلف أبا كوثر، يعانق بنته وعلى خدها يطبع قبلة ابوية حارة وما في عقله غير صور أم كوثر واحدى عباراتها تطن في رأسه:
" اياك أن تخجل من بنتك، هي كأي بنت عادية لايمنعها عن الزواج والانجاب مانع، سوى أنها تجد متعتها مع أنثى مثلها مقارنة بالممارسة مع رجل "
***
محمد الدرقاوي ـ المغرب