نصوص أدبية
تماضر كريم: ريام
لم يستطع أن يغفر لها تفريطها برؤيته، بسبب مسلسل يُعرض في رمضان. ثم قرّر فجأة أنها لا تناسبه.
إنها نرجسية، وسطحية. لم تقرأ كتابا يوما، ذوقها في سماع الأغاني بدا له سوقيّا.
لم يستطع النوم في تلك الليلة. كيف يُعقل أنها دخلت إلى قلبه، بتلك السرعة والقوة، وهي على ما هي عليه من ضحالة فكرية.
مع إنبلاج الصباح، بذاك السطوع، كان قد سطع معه قراره المهم بإبعادها عن حياته (فلتذهب هي ومسلسلاتها الرمضانية إلى الجحيم، وأغانيها ذات الإيقاع السريع الصاخب، وفوضويتها المقيتة).
نام مطمئنا بعد أن حزم أمره تماما.
لم يصحُ إلّا في الساعة الحادية عشرة صباحا، حيث رنّ هاتفه القريب من سريره. كان قد نسي جعله على الوضع الصامت.
ظهر إسمها يومض على شاشة الهاتف (ريام تتصل بك). تذكر قراره، وتذكر مسلسلات رمضان، وعناوينها المتزاحمة في حديثها، عرف جيدا إنهما لو التقيا، فسوف تحكي له ما حدث في قصص المسلسلات، فضلا عن إنها ستخبره بحماس عن شكل الممثلة الفلانية، وأعمال الممثل الفلاني.
تغافل عن نبضات قلبه المتسارعة، وهو ينصت لصوتها، ثم جمع أطراف شجاعته معتذرا عن لقاءها. عندما أغلق الهاتف كان حزينا، لكن نشوة الإنتصار على قلبه كانت مرضية تماما لروحه.
فيما بعد فعل كل شيء بسأم. وتمنى أن تتصل به مرة أخرى، مذكرا نفسه بنكهة الشاي الذي تعدّه ولذة أطباق الحلويات القادرة على بث السعادة، وهي تقدمها له مع ابتسامة كبيرة(تبا كان بوسعي تحمّل سخافة جميع الأعمال الدرامية الرمضانية من أجل عينيها السوداوين ورموشها الكثيفة، وضحكتها ويديها الفنانتين، حتى طريقة تفكيرها الطفولية، وسذاجتها كان بالإمكان التغاضي عنها).
لم يصدق عينيه وهو يقرا على شاشة هاتفه ذي الرنين الهاديء( ريام تتصل بك).
تصنّع البرود وهو يقول(الو)
-عزيزي انا أعد الآن كعكة كبيرة، إنها بكريما الكاكاو، أحتاج إلى البيض حالا.
سكت لبضع لحظات، ثم قال بتصنّع:
- حسنا.
وهو يخرج من البيت باتجاه السوق، خالجه شعور بالحيرة والغضب( كلا .. ينبغي فسخ هذه الخطوبة ..إنها بليدة جدا، أو ربما ماكرة).
في منزلها، كان عليه أن يجامل مبتسما أمّها، التي ستحدثه هي أيضا عن شهر رمضان، ومسلسلاته، وعن تعبها في المطبخ، ثم عليه أن يضحك راضيا مع أخيها الصغير ويقبّله مكرها على خدّه، ويتبادل معه قذف الكرات، وعندما يأتي والدها للسلام عليه، سيكون من الحتمي الدخول في نقاش جاد حول أزمة المياه ونظام الإنتخابات الجديد، وعلاقة العراق بتركيا وإيران، وأخيرا يحط رحاله مع تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا.
وقبل أن يخرج بقليل، تأتي ريام، بثوبها الطفولي القصير وشعرها المجعد وابتسامتها الكبيرة، وهي تقدم الصينية، وفيها كوب شاي وطبق حلوى وقد تناهى إلى أسماعهم صوت المؤذن بالتكبير.
باردته بانفعال:
- هل رأيت ما حصل في مسلسل الإنتقام؟
-ماذا حصل؟ هل مات البطل؟
- كلا لم يمت. لكن البطلة مصابة بالسرطان.
- تبا ! هل ستموت ؟
-لا اعرف.. لو ماتت فسوف لن أتابع مسلسلا بعد اليوم.
(تمنيتُ حينها أن يكون المؤلف من ذلك النوع الناضج الذي يقتل أبطاله)
تناول الكعكة، وشرب الشاي بشغف كبير، وهو يصغي بملل ولا مبالاة إلى أحداث مسلسلها المفضل، عازما على أخذ قرار جديد في الغد.