نصوص أدبية
عبد القادر رالة: هذا قبري
تُوفّي الثلاثة..
تُوفّيت البنتُ الأولى، ثم الأم فالأب..
ماتت البنتُ بالمرض الخبيث، فلم ينفع الأطباء ولكان للأدوية مفعولْ.. وتركتْ وراءها طفلة صغيرة لم تتجاوز العامين من العمر..
أثناء الدفن بكاها والدُها كما يبكي كل أب فقيده.. وبعد تسوية القبر ودعاء التثبيت، انعزل الأب بابنه الأكبر بعيدا عن الحاضرين وقال له: ـــ بعد أن أموت..ادفنوني بجانب ابنتي الحبيبة ! هذه وصيتي لا تنسوا ذلك!..
ومرت الأيام.. وبعد عشر سنوات تُوفّيت الزوجة، بعد أن أقعدها المرض الفراش لمدة قاربت السنتين. وحرصوا على أن يدفنوها بجانب ابنتها، لكن لم يجدوا المكان، فالجبانة أسرع ما تمتلئ وتضيق..
دُفنتْ في الجهة الشمالية من المقبرة. وبعد أن وروها التراب وأنهى الحاضرون دعاء التثبيت، أمسك الأب ابنه الأكبر من يده، وأشار هامساَ في أذنه: ـــ هنا.. بجانبها..
أراد الولد أن يقول شيئا، فأشار إليه أن يصمت وقال: ـــ أنا متيقن بأني لن أعيش بعدها طويلاَ..
وبعد أحد عشر سنة مات الزوج..
دفناه الأمس.. دفناه بجانب حليم..
وبعد تسوية شاهدة القبر والدعاء، أنبأنا ابنه الأكبر وهو يبكي:
ــ أراد أن يدفن بجانب ابنته.. ورغبَ أن يُجاور زوجته الحبيبة.. لكن لم يُكتب له سوى أن يُدفن بجانب صديقه القديم حليم، الذّي قُضي عليه في حادث سيارة بجانب المستودع البلدي..
وإني أتذكر جيدا ذلك اليوم الذي غضب فيه على أمي لأنها لم تهافته وتخبره.. بكى صديقه بكاءَ متألماَ لأنه لم يحضر جنازته..
وها هو اليوم يُجاوره في المقبرة..
رحمهم الله جميعا..
***
بقلم: عبد القادر رالة / الجزائر