شهادات ومذكرات
شيماء هماوندي: هيباتيا الفيلسوفة التي لم يُنصفها التاريخ
من هي هيباتيا؟
في أعماق التاريخ، هنالك أسماء فلسفية كانت في يومٍ من الأيام تلمع كالنجومٍ في سماء الفكر والفلسفة، لكنها للأسف غمرها النسيان، وتجاهلها الكُتاب والمؤرخون، واحدة من هذه الأسماء هي هيباتيا الفيلسوفة اليونانية - السكندرية، التي عاشت في مصر الرومانية ، وبالتحديد في الإسكندرية خلال القرن الرابع الميلادي، وكانت فيلسوفة تتبع المدرسة الأفلاطونية الحديثة، وعالمة رياضيات، وفلك، وكاتبة، ومخترعة، وقد عُرِفَت هيباتيا بدفاعها عن الفلسفة، وعن الحق في التساؤل، وكانت ترى أن من حق الإنسان أن يتسائل، ويبحث عن الحقيقة، كانت هيباتيا بارعة في تحصيل العلوم المعاصرة لها، مما جعلها تتفوق على كل الفلاسفة المعاصرين لها، حيث كانت تقدم تفسيراتها وشروحها الفلسفية، لمُريديها الذين كانوا يأتون من كل المناطق للتعلم على يديها، والإستماع الى محاضراتها الفلسفية، وعُرِفَ عنها إسلوبها الشيق والرصين في الشرح، وتميزها في الحوار ولباقتها، حيث كانت ذو إسلوب متواضع ومَهيب في الوقت نفسه، كان يميزها عن من سواها، وأكسبها إحترام وتقدير جميع معاصريها، وتعتبر هيباتيا واحدة من أوائل النساء اللامعات في مجال الرياضيات والفلسفة، لكنها للأسف لم تنل التقدير الذي تستحقه كعالمة وفيلسوفة، ولم يذكرها تاريخ الفلسفة القديم إلا بشكلٍ عابرٍ في بعض كتب التاريخ والفلسفة، ولدت هيباتيا في الإسكندرية، وهي إبنة الفيلسوف وعالم الرياضيات ثيون، وقد تلقت تعليماً جيداً وبرزت في مجالات الرياضيات والفلسفة والفلك، كانت هيباتيا أستاذة فلسفة، تُدَرِسُ الفلسفة والرياضيات للطلاب، وهي من أوائل النساء اللامعات في مجال الرياضيات، والفلسفة، وهي من الفيلسوفات القلائل اللاتي يمتلك التاريخ معلومات عنهن، وقد إشتهرت هيباتيا بجمالها، وعلمها، وموهبتها في التدريس، والقدرة على التحاور، وسرعة البديهة، وكان لها طلاب ومريدين يقصدونها من كل صوب ومن مختلف الخلفيات الثقافية، ليحضروا محاضراتها ويستمعوا الى دروسها، وتعتبر هيباتيا من أوائل الفلاسفة النساء الذين إشتغلوا في الفلسفة، وبرعوا في المنطق والجدل، والنقاش والحوار الفلسفي، وتأثرت هيباتيا بفكر أفلوطين، وكانت تتبع المدرسة الأفلاطونية المحدثة الفلسفية القديمة، وبالأخص المنهج الرياضي المنطقي، وكان لها إختراعات، ومساهمات هامة في مجال العلوم، بالإضافة الى أعمال مشتركة مع والدها، وأغلب هذه الأعمال إندثرت، وأصبحت في طي النسيان، بعد وفاتها بعمر 45 عاما، حيث تم إنهاء حياتها بطريقة مأساوية بعد أن تعرضت لهجوم جماعي أنهى حياتها من جماعات أساءوا فهم أفكارها ، وقد كان موت هيباتيا إيذاناً بنهاية عصر التنوير الفكري، والتقدم المعرفي الذي شهدته الإسكندرية، وتسبب مقتلها في رحيل عدد كبير من العلماء عن الإسكندرية الى أثينا أو مدن أخرى، تاركين وراءهم الإسكندرية، خوفاً من أن يلقوا نفس مصير هيباتيا.
أثر هيباتيا في الأدب والفن والفلسفة
أدى الطابع الفريد لهيباتيا كإمرأة مفكرة في ثقافة يُهيمن عليها الرجال، الى قيام مؤرخين وكتاب بنقل قصتها مرات عديدة على مدار قرون، وذكر مساهماتها في الرياضيات والفلسفة، ففي عام 1851م، قام الروائي الإنجليزي (تشارلز كينجسلي)، بتحويل قصة حياة هيباتيا الى عمل درامي، في كتاب بعنوان(هيباتيا)، كما جاء وصف السيرة الذاتية لهيباتيا في العديد من كتب القصص القصيرة، مثل كتاب (رحلات الى بيوت معلمين عظام)، للكاتب (ألبرت هابرت)، والصادر عام 1908، ولكن أغلب هذه الكتابات هي عبارة عن سيرة ذاتية، ذات طابع درامي – قصصي، أو تراجيدي- شعري، يجسد المأساة والمعاناة في قصة هيباتيا، والنهاية المأساوية لفيلسوفة أحبت الفلسفة، وعشقت الرياضيات والمنطق، ومن الجدير بالذكر أن المفكر المصري (إمام عبد الفتاح)، قد ذكر الفيلسوفة هيباتيا في كتابه (نساء فلاسفة في العالم القديم) الذي صدر في عام 1996م، حيث وصفها (بفيلسوفة الإسكندرية)، وخصص مبحثاً في هذا الكتاب للحديث عن حياتها، وفلسفتها، وأهم إنجازاتها، وفي عام 1980م، أسس علماء ومفكرون مجلة (هيباتيا)، لنشر الأوراق العلمية الخاصة بالنساء، والتي تتناول الدراسات الفلسفة، ودراسات المرأة، وتعتبر هذه المجلة هي نوع من العرفان والوفاء، ورد الإعتبار لفيلسوفة أحبت الفلسفة، ونذرت حياتها للبحث العلمي.
هيباتيا والتاريخ
لم يُنصف التاريخ هيباتيا الفيلسوفة ، ولم يعطها حقها من التقدير، حيث تم تجاهل إنجازاتها والتقليل من أهميتها، وإغفال دورها في تطوير الرياضيات والفلسفة، لكن في السنوات الخيرة، بدأت هيباتيا تتلقى التقدير الذي تستحقه، حيث أصبحت رمزاً للعلم والحرية الفكرية، وألهمت العديد من الكتاب، والفنانين، والمفكرين، الذين بدأوا الكتابة عنها، هيباتيا الفيلسوفة التي لم يُنصفها التاريخ، ولكنها لم تختفِ من ذاكرة التاريخ، وضمير الفكر الفلسفي، فهي خير دليل على أن النساء كُنَّ فيلسوفات ومفكرات عملن جنباً الى جنب مع الرجل الفيلسوف، وساهمن في تطورالفكر الفلسفي، وستظل إنجازات هيباتيا تُلهم الأجيال القادمة، وستظل هيباتيا رمزاً لحب العلم والفلسفة.
***
شيماء هماوندي






